التباكي على الردع والتحضير لحرب رابعة على غزة

الجيش الإسرائيلي يعمل منذ ثلاث سنوات على التحضير للحرب الرابعة. وفي السنة الأخيرة، وتحت قيادة القائد العسكري لمنطقة الجنوب، هرتسي هليفي، تمت بلورة عقيدة قتالية خاصة تهدف لمواجهة القيود التي تفرضها الحاجة لسيطرة طويلة على قطاع غزة نتيجة لعملية عسكرية

التباكي على الردع والتحضير لحرب رابعة على غزة

(أ ب أ)

يتكرر الحديث في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن تآكل ما يطلق عليه "الردع الإسرائيلي" مقابل الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، بيد أن هذا التباكي غالبا ما يكون مدفوعا بالمطالبة بتصعيد الهجمات الإسرائيلية على القطاع.

كما يتكرر الحديث عن تصعيد قد يؤدي إلى حرب لا يرغب بها أحد، ولكن في المقابل، فإن الجيش الإسرائيلي يواصل الاستعدادات لحرب رابعة شاملة على قطاع غزة.

ويذهب بعض المحللين إلى أن الاستعدادات التي قام بها الجيش الإسرائيلي في الساعات الأخيرة ربما تشير إلى أن الحرب الرابعة قد بدأت، رغم التقديرات التي تشير إلى أن الطرفين غير معنيين بها، خاصة في فترة الانتخابات للكنيست.

التباكي على الردع

وبدوره تباكى محلل الشؤون العسكرية والأمنية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشوع، على "الردع"، وكتب أنه كان من الممكن أن تكون إسرائيل في موقف متدن جدا مقابل حماس في حال تم وقف إطلاق النار في العاشرة من مساء أمس، الإثنين، إلا أن تجدد إطلاق النار أثبت أن الحديث عن "فشل ذريع آخر للردع الإسرائيلي الذي تآكل، وربما اختفى".

وبحسبه، ففي الوقت الذي كانت مصر والمجتمع الدولي تعملان على التهدئة، فإنه يجب التوضيح بأن "إسرائيل بحاجة إلى صفقة رزمة للموافقة على وقف هجماتها، وتشمل الوقف التام لإطلاق النار باتجاه إسرائيل، ووقف الفعاليات الليلية وإلغاء مسيرات العودة المخططة ليوم الجمعة بمناسبة مرور عام على انطلاقها".

ويضيف أنه من السهل اعتبار أن إطلاق الصاروخ كان "قاسيا جدا"، ويستدعي "ردا قاسيا مناسبا"، ولكنه يخلص إلى أنه هنا يكمن فشل السياسية الإسرائيلية التي أتاحت لحركة حماس سحق الردع. ويعتبر أن ما ساهم في ذلك هو "الامتناع التسلسلي عن الرد الجدي على البالونات الحارقة والبالونات المتفجرة التي تسقط بشكل شبه يومي في مستوطنات غلاف غزة، والفعاليات الليلية قرب السياج الحدودي التي تحولت إلى إرهابية اشتملت على إطلاق عبوات ناسفة".

ويضيف أنه جرت نحو 10 جولات قتالية مع حركة حماس في السنة الأخيرة، وانتهت كل جولة بشكل أسوأ من سابقتها. وما بدأ بإطلاق عشرات الصواريخ في الجولة وصل أوجه في إطلاق 520 صاروخا في يوم قتال واحد في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر. وقبل نحو أسبوعين أطلق صاروخان باتجاه وسط البلاد، وادعت حماس أن ذلك كان عن طريق الخطأ، وتبنى الجيش الإسرائيلي هذه الرواية ورد بشكل محدود. وما حدث يوم أمس يؤكد أن الرد لم يكن بالشدة المطلوبة، حيث أن حركة حماس سجلت إنجازا آخر، عدا عن الإصابة المباشرة للمبنى في "مشميرت"، وهو إعادة نتنياهو من واشنطن، إضافة إلى شل حركة القطارات في الجنوب، وإصدار تعليمات بفتح الملاجئ في كافة أنحاء البلاد تقريبا، أي أنها زرعت ثانية حالة من الذعر. بحسبه.

وتابع أنه "خلال السنة الأخيرة حددت حركة حماس القواعد، وإسرائيل، الدولة الأقوى في الشرق الأوسط، انقادت خلفها، حيث اختارت حماس المواجهات في التوقيت المناسب لها، بينما كانت إسرائيل تبعث برسائل بأنها غير معنية بالتصعيد، وحماس تستغل ذلك بشكل جيد. وقبل الانتخابات تجعل إسرائيل تركع على قدميها لأنها تدرك أن نتنياهو قرر احتواء الأحداث قبل الانتخابات".

كما يشير إلى أن الرد الإسرائيلي، يوم أمس، لم يكن كافيا، حيث قصف سلاح الجو أهدافا نوعية في قطاع غزة، بينها مكتب إسماعيل هنية في مدينة غزة، ومكاتب وزارة الداخلية في حي الرمال، ومقرا سريا في صبرا وسط لقطاع غزة، إضافة إلى استنفار قوات مدرعة وقوات احتياط وقيادة الجبهة الداخلية".

وبحسبه، فإنه على إسرائيل أن تستغل الفرصة للعودة إلى تفاهمات "الجرف الصامد"، التي تتضمن "الهدوء التام من قطاع غزة، واستغلال الوضع الحالي للدفع بعملية سياسية تتضمن إعادة إعمار القطاع، وعدم تبديد الوقت كما حصل في الفترة الواقعة بين انتهاء الحرب (2014) وحتى بدء مسيرات العودة قبل نحو عام تقريبا".

كما يلفت إلى أنه يوجد لدى الجيش 6 بطاريات من منظومة "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ، والسابعة لحالة الطوارئ في الاحتياط. وأنه من المفترض أن يتسلح الجيش ببطارية ثامنة حتى نهاية العام الحالي، ولكن اليوم الأخير يوضح أن ذلك لا يكفي مقابل التهديدات من الجنوب والشمال.

استعدادات للحرب الرابعة

من جهته كتب محلل الشؤون العسكرية في الصحيفة، أليكس فيشمان، أن الجيش الإسرائيلي يستعد منذ 3 سنوات للحرب الرابعة على قطاع غزة، وربما قد تكون خلال العام الحالي.

وكتب أنه لم يتم إرسال الجيش إلى قطاع غزة لاستبدال سلطة حماس، وفي هذه الحالة فإن ذلك يعني أن تعليمات الحكومة الإسرائيلية تبقى كما هي وهي "إضعاف حركة حماس وردعها، وفي الوقت نفسه إبقاؤها في السلطة".

ويضيف أن تحقيق هذا الهدف يقتضي أن يقوم الجيش بضرب القدرات العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي، وتحقيق تهدئة تدوم لعدة سنوات على طول الحدود، إلا أنه يشكك في إمكانية أن يفعل الجيش ذلك في الأيام القريبة، حيث أن ذلك يتطلب "حملة عسكرية تستمر لعدة أسابيع".

وكتب أيضا أن الجيش يعمل منذ ثلاث سنوات على التحضير للحرب الرابعة منذ العام 2006. وفي السنة الأخيرة، وتحت قيادة القائد العسكري لمنطقة الجنوب، هرتسي هليفي، تمت بلورة عقيدة قتالية خاصة تهدف لمواجهة القيود التي تفرضها الحاجة لسيطرة طويلة على قطاع غزة نتيجة لعملية عسكرية.

ويتابع أن هذه العقيدة القتالية تمت ترجمتها إلى خطة عملانية جوية وبرية. ومع دخول أفيف كوخافي إلى منصب رئيس أركان الجيش تحولت الاستعدادات لتدمير قوة حركة حماس العسكرية إلى الشغل الشاغل للجيش.

وبحسب تقديراته للوضع، فإن ذلك سيحصل خلال العام الحالي، خاصة وأنه جرت خلال السنة الأخيرة 11 جولة قتالية مع حماس، ويتصاعد التوتر على السياج الحدودي، وأن قيادة أركان الجيش أدركت قبل عدة شهور أن هناك "إنذارا إستراتيجيا للتدهور نحو الحرب".

وبحسب فيشمان، فإن تركيز القوات في محيط قطاع غزة، يشير إلى أن "الحملة العسكرية في هذه المرة ستتركز على القوات الجوية، بينما تبقى القوات البرية جاهزة لأي تدهور قد يحصل".

وفي هذا السياق يشير إلى أن يوجد لدى حركتي حماس والجهاد عشرات الصواريخ القادرة على استهداف مطار اللد، وفي هذه الحالة، فإن إسرائيل ستشن هجوما جويا بريا قد يستمر لأسابيع، وذلك لأن قيادة أركان الجيش وصلت إلى نتيجة مفادها أن "إزالة هذا التهديد يقتضي الدخول إلى منطقة العدو، وتدميره".

وبحسب التقديرات الإسرائيلية، فإنه يوجد لدى حماس نحو 5 آلاف صاروخ، ولدى حركة الجهاد نحو 8 آلاف صاروخ، وبإمكان الحركتين إطلاق مئات الصواريخ يوميا، بما في ذلك قذائف الهاون، علما أنه خلال الحرب الأخيرة، عام 2014، أطلق ما معدله 170 صاروخا يوميا لمدة 51 يوما. كما أنه يوجد لدى حماس نحو 37 ألف مقاتل، مقابل 6 آلاف مقاتل لدى حركة الجهاد، وهي مسلحة أيضا بعشرات منصات إطلاق القذائف المضادة للدبابات، والطائرات المسيرة، إضافة إلى قوات بحرية مسلحة بأسلحة متطورة، ومنظومات دفاعية تحت الأرض.

"الحرب الرابعة تقترب رغم أن أحدا لا يرغب بها"

وكتب محلل الشؤون الأمنية في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، أن "الحرب الرابعة تقترب، رغم أن أحدا لا يرغب بذلك".

وكتب أن الغارات التي شنها سلاح الجو الإسرائيلي على قطاع غزة لم تستهدف مواقع عسكرية للذراع العسكري لحركة حماس فحسب، وإنما كانت هناك محاولة لاستهداف قيادات في الحركة، أي العودة إلى سياسة الاغتيالات الموضعية، حيث تم استهداف مكتب رئيس حركة حماس، إسماعيل هنية.

وبحسبه، فإن الرد الإسرائيلي الذي بدأ بتجنيد قسم من الاحتياط، ونشر بطاريات "القبة الحديدية"، ونقل لواء مدرع ولواء مشاة إلى غلاف غزة، وفتح الملاجئ والاستعدادات في الغلاف، قد يحمل إشارة إلى أن الحرب الرابعة قد بدأت.

ويضيف أن هذه الحرب يمكن تجنبها، حيث أن نتنياهو سيعود اليوم إلى البلاد، وهو لا يزال غير معني بحرب شاملة، خاصة قبل الانتخابات بأسبوعين. ورغم ذلك فإن الحرب قد تندلع بفعل تداعيات التصعيد التي لا يوجد للطرفين دائما سيطرة عليها.

وكتب أيضا أن "الفرضية الأساس هي أن حماس وكذلك الجهاد الإسلامي غير معنيتين بالمواجهة. وحتى اليوم أدارتا حرب استنزاف بالبالونات الحارقة والطائرات الورقية المتفجرة وإشعال النيران في الحقول، والتظاهرات قرب السياج الحدودي، وإطلاق صواريخ بين الحين والآخر، وإلقاء عبوات ناسفة على قوات الجيش".

وفي الوقت نفسه، يضيف، أن حماس والجهاد تدركان أن إسرائيل غير معنية بمواجهات شاملة، وتستغلان فترة الانتخابات للمناورة على حافة التصعيد.

التعليقات