إسرائيل وعلاج كورونا: صناعة الوهم

روّج مسؤولون إسرائيليّون، أبرزهم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، نفتالي بينيت، خلال الأشهر الماضية، لقاح محتمل لوباء كورونا، يقوم "المعهد البيولوجي" الإسرائيلي بتطويره.

إسرائيل وعلاج كورونا: صناعة الوهم

نتنياهو خلال تجمع انتخابي (أ ب)

روّج مسؤولون إسرائيليّون، أبرزهم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، نفتالي بينيت، خلال الأشهر الماضية، لقاح محتمل لوباء كورونا، يقوم "المعهد البيولوجي" الإسرائيلي بتطويره.

تلقّف العديد من وسائل الإعلام التصريحات الإسرائيلية هذه، وأبرزوا "التقدّم الإسرائيلي في مجالات البحث العلمي"، بل وذهبت وكالة "سبوتنيك" إلى الكتابة أن "إسرائيل في خدمة البشريّة". ولم يقتصر ذلك على وسائل الإعلام، إنما وقع في شراكه مسؤولون عرب، مثل السفّيرة الإماراتية في الأمم المتحدة، التي "هنّأت علماء إسرائيليين بتطوير لقاح ضد فيروس كورونا".

إلا أنّ تقريرًا في صحيفة "يديعوت أحرونوت" كشف اليوم، الجمعة، عن التهويل الذي مارسه المسؤولون الإسرائيليّون في الحديث عن اللقاح، الذي يستبعد الذين يعملون عليه أن يتطوّر إلى علاج حقيقي.

من هو المعهد الذي يطوّر اللقاح؟

المعهد الذي كلّفه نتنياهو بتطوير لقاح لكورونا هو "المعهد البيولوجي" الواقع قرب نِس تسيونا، ولا يعرف عنه كثيرون شيئًا، نظرًا للرقابة العسكريّة التي تحيط به.

ووفقًا لتقرير "يديعوت أحرونوت"، فإنّ وظيفة المعهد أكثر من مجرّد حماية إسرائيل من "هجمات بيولوجيّة"، إنما تتعدّاها إلى أكثر من ذلك، فتنقل عن وسائل إعلام أجنبيّة أنه زوّد أجهزة الأمن الإسرائيلية بأسلحة بيولوجيّة، مثل التي استخدمتها في اغتيال القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وديع حدّاد، عام 1978؛ ومحاولة اغتيال رئيس المكتب القيادي في حركة حماس، خالد مشعل، بالسم عام 1997، وهي العملية التي فشلت وسلّمت إسرائيل مصلا مضادًا للذي استخدمته في تسميم مشعل؛ وهناك روايات عن تقدم المعهد مساهمة في اغتيال القيادي في كتائب عزّ الدين القسّام، محمود المبحوح، في دبيّ، عام 2010، وهي المحاولة الثانية لاغتياله، بعدما فشل المعهد قبل ذلك في تقديم سمّ قادر على قتل المبحوح، وأسفر عن إغمائه فقط، لا قتله، ما اضطر بطاقم الاغتيال إلى حقن المبحوح بالسم بدلا من وضعه في مشروبه، كما في محاولة الاغتيال الأولى.

وعمل المعهد، الذي واجه إمكانية الإغلاق، مع تفشّي وباء كورونا على إثبات حيويّته، حتى لا يتعرّض للإغلاق، فبدأ بإجراءات مكثّفة لفحص الوباء، التحقّق من مصداقية الفحوصات، وبناء موديل لتوقّع انتشار الفيروس.

إلا أنه لم يتوقّع أبدا أن يلقي عليه نتنياهو مسؤوليّة تطوير لقاح للفيروس.

ويتبع المعهد، الذي يعمل فيه 300 باحث، في الوقت نفسه إلى وزارة الأمن وإلى مكتب رئيس الحكومة، وهذا وفق "يديعوت أحرونوت"، ما أدّى إلى التنافس بين بينيت وبين نتنياهو، حول من يهوّل أكثر من قيمة ما توصّل إليه المعهد.

فبينما أعلن نتنياهو عام في نهاية آذار/مارس الماضي، بعد اتصال مع مدير المعهد، شموئيل شابيرا، أن المعهد حقّق "تقدّما كبيرا" في تخطيط مرحلة ما قبل اللقاح، أعلن مكتب بينيت في بيان مشترك مع المعهد أن المعهد "طوّر علاجا هو الأول من نوعه ضد فيروس كورونا المستجد".

أما في المعهد نفسه، فكانت الصورة مختلفة، وقوبلت هذه التصريحات بالسخرية. وقال أحد المسؤولين الكبار في المعهد لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه عندما قرأ بيانات نتنياهو وبينيت عن "اختراق" في الأبحاث تساءل في نفسه "ما الذي، بحقّ الجحيم، يعرفونه ولا أعرفه أنا؟" وأضاف "ببساطة، هوّلوا من شيء لا يعتبر التوصّل إليه إنجازًا. هذا إعلان سياسي لا علمي. ببساطة هراء. آخرون وجدوا مضادات للفيروس، وهذا ليس المضاد الأول. في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى في العالم سبقونا. وهذا محرج حقيقةً".

ما هي مراحل تطوير اللقاح؟ وأين وصلت إسرائيل؟

باختصار، تعمل الفيروسات على لصق نفسه بخلايا الجسم، ويستخدم الفيروس في ذلك النتوءات الموجودة في غلاف الفيروس (واسمها العلمي "بروتين سبايك") لوصلها بالمستقبلات التي تدخل الطاقة للخلايا.

أمّا المضاد، فهو ما يستخدمه الجسم لإغلاق نقطة التواصل بين المستقبلات وبين غلاف الفيروس، في محاولة لتحييد الفيروس ومنع تأثيره، ما سيؤدي، في نهاية المطاف، إلى أن يتعافى المريض.

الاختراق الذي توصّل إليه المعهد، وفق العلماء، ليس أكثر من عزل 4 مضادات، وهذه ليست عمليّة علميّة معقّدة، فكي تعزل مضادًا أنت بحاجة إلى دم من شخص مصاب. من يحصل على دم المصاب أولا سيعلن نجاحه في عزل المضادات أولا، وبما أن نتنياهو كلّف المعهد بالتوصل إلى لقاح، نقل عيّنات من دماء المصابين إلى المعهد أولا ومن ثم إلى باقي المختبرات في إسرائيل. هذا ما يفسّر تقدّم المعهد محليًا، أمّا دوليًا، فكثير من الدول سبقت المعهد إلى العزل، بل وسبقت إسرائيل بمراحل متقدّمة.

بمعنى أن الباحثين الإسرائيليّين ما زالوا في مرحلة مبكّرة جدًا، ضمن سلسلة معقّدة جدًا من التجارب، وصلت إليها معاهد أخرى حول العالم، خصوصًا في البلدان التي ضربها الفيروس، والطريق إلى التوصّل إلى لقاح لا زال طويلا جدًا، إذ قال مسؤول كبير في المعهد لـ"يديعوت أحرونوت" إنّ التوصل إلى لقاح خلال عام ثرثرة مطلقة.

وسخر الباحثون أصلا من الطريقة التي أعلن فيها عن تحقيق اختراق، فجاء في البيان أن "المضاد يهاجم الفيروس بصورة وحيدة النسيلة"، غير أن "وحدة النسل" هي صفة للفيروس نفسه، لا للطريقة التي يعمل بها المضاد، ما يشير إلى جهل حتى في طريقة عمله.

ورغم هذه الأخطاء، أعلن بينيت عن فخره "بأفراد المعهد البيولوجي، الذين توصّلوا إلى هذه الاختراق الجبّار" وأوضح أنّ "الإبداع والعقل اليهودي هما من أدّيا إلى التوصّل إلى هذا الإنجاز العظيم".

التعليقات