مخاوف إسرائيلية من قرار لاهاي: دعم أميركي مقرون بتنازلات

قرار قضاة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي اعتبر في المؤسسة القانونية والدبلوماسية الإسرائيلية اعتبرته "قرار دراماتيكي"، وقالوا إن "هذه ليست ضربة خفيفة"، واستخدموا تعبير "دخلنا إلى كوراليس"، وهو وصف لدخول الأبقار إلى الذبح

مخاوف إسرائيلية من قرار لاهاي: دعم أميركي مقرون بتنازلات

بناية في بيت لاهيا دمرها القصف الإسرائيلي خلال عدوان 2014 (أ.ب.)

حذر محللون في الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم، الأحد، من عواقب قرار قضاة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، أول من أمس، بأن للمحكمة صلاحية للتحقيق في جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين، خلال الحروب العدوانية في قطاع غزة والاستيطان وهدم البيوت في الضفة الغربية.

وأشارت محللة الشؤون القانونية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، طوفا تسيموكي، إلى أن قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بتعيين أفيحاي مندلبليت مستشارا قضائيا للحكومة في حينه، كان نابعا من "تخوف نتنياهو من المحكمة الدولية في لاهاي"، إذ أن مندلبليت، المدعي العام العسكري السابق، خبير في هذه المحكمة ورسالة الدكتوراه التي أعدها كانت حول محكمة لاهاي.

وأفادت تسيموكي بأن قرار قضاة محكمة لاهاي اعتبر في المؤسسة القانونية والدبلوماسية الإسرائيلية أنه "قرار دراماتيكي"، وأنه "في هذه المرحلة، يوجد للقرار تأثير نفسي وتأثير على صورة إسرائيل فقط"، لكن مسؤولين إسرائيليين قالوا إن "هذه ليست ضربة خفيفة"، فيما استخدمت مصادر إسرائيلية رفيعة في وصف القرار تعبير "دخلنا إلى كوراليس"، وهو وصف لدخول الأبقار إلى الذبح.

رغم ذلك، اعتبرت تسيموكي أنه "في هذه الأثناء تم رفع بطاقة صفراء ’فقط’ ضد إسرائيل. وأوساط إسرائيلية تطمئن بأنه ما زالت الطريق طويلة لدعوى حقيقية ضد إسرائيل ولإصدار أوامر اعتقال بالجملة ضد قادة وضباط إسرائيليين رفيعي المستوى في مطارات العالم".

وأضافت أن "إسرائيل تستعد لسيناريوهات سوداء، مثل طوفان دعاوي ضد أي قرار لتنفيذ أعمال بناء في المناطق (المحتلة – أي المستوطنات)، وتخوف موظفي الإدارة المدنية من تنفيذ تعليمات قائد المنطقة الوسطى (للجيش الإسرائيلي) في المناطق، منع هدم بيوت مخربين وغير ذلك".

ونقلت تسيموكي عن أحد صناع القرار الإسرائيليين قوله إنه "عندما تدخل إلى واقع يكون فيه أي عمل في المناطق تحت مظلة التحقيق، فإنك في وضع غير مسبوق".

ويشار إلى أن إسرائيل ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، رغم أنها أيدت تشكيلها من أجل محاكمة مسؤولين في النظام النازي الألماني في أربعينيات القرن الماضي. وأوضحت المحكمة لإسرائيل، منذ العام 2000، أنها قد تجد نفسها متهمة بجرائم حرب بسبب المستوطنات. والولايات المتحدة ليست عضوا في المحكمة بسبب تخوفها من اتهامات بارتكاب جرائم حرب في العراق وأفغانستان.

المدعية بنسودا (أ.ب.)

وتهربت إسرائيل من المحكمة الجنائية الدولية طوال السنين الماضية، وبين أسباب ذلك الادعاء بأن محاكمها أجرت تحقيقات حول الممارسات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أن إدارات الرؤساء الأميركيين السابقين شكلت "درعا واقيا" لحماية إسرائيل من المحاكمة. "والسؤال الآن هو حيال موقف إدارة بايدن في هذه القضية، رغم أن الإدارة الجديدة نددت بشدة بقرار المحكمة، لكن أوساطا قانونية وسياسية إسرائيلية يخشون من أن بايدن قد يشترط الحماية الأميركية بتنازلات إسرائيلية كهذه أو تلك"، وفقا لتسيموكي.

ويعتبر مسؤولون في وزارة القضاء الإسرائيلية أن المدعية في المحكمة، فاتو بنسودا، حصلت بقرار القضاة على "ضوء أخضر" لفتح تحقيق ضد إسرائيل، وأن "الكرة بيدها الآن". وأشارت تسيموكي إلى أن أمام بنسودا احتمالين قبل أن تنهي ولايتها قريبا. الاحتمال الأول أن تقرر بدء إجراءات تحقيق رسمية، بينما الاحتمال الثاني الذي يأمل به الإسرائيليون هو أن تنقل القرار بهذا الخصوص إلى خلفها، "وربما سيكون بالإمكان إقناعه بعدم فتح تحقيق".

وأشارت تسيموكي إلى أن إسرائيل استعدت منذ عشر سنوات لقرار كالذي صدر عن محكمة لاهاي، أول من أمس، وبدء تنفيذه. وبضمن ذلك "الحاجة إلى الدفاع يوميا عن قادة الدولة في الماضي والحاضر من أوامر اعتقال دولية. لكن المؤسسة تعلم أنه في جميع الأحول، وعدا الفذلكات القانونية التي ستطرح، أن أمرا كبيرا حدث يوم الجمعة في لاهاي، ولا أحد يعلم إلى أين سيقود إسرائيل".

"قرار إشكالي"

كذلك رأى المستشار السياسي والدبلوماسي الإسرائيلي، ألون بنكاس، في مقال في صحيفة "هآرتس"، إن قرار قضاة محكمة لاهاي "إشكالي للغاية" ولكن "لا حاجة إلى المبالغة بأهميته الفورية". ورغم ذلك، فإنه "إشكالي من الناحيتين القانونية والسياسية وينطوي على تبعات سلبية محتملة على إسرائيل. لكن هذا واقعي للأمد الأبعد".

وأضاف بنكاس أن "القرار يعترف عمليا بدولة فلسطينية، وحتى أنه يرسم حدودها، وإن كان ذلك لغرض التحقيق فقط. وقد يؤدي القرار إلى تحقيق وكذلك إلى اعتقال مئات الإسرائيليين، بينهم وزراء أمن، رؤساء أركان الجيش، قادة مناطق عسكرية، عاملي الإدارة المدنية، قادة مناطق في الشرطة وحرس الحدود ورؤساء شعب في الشاباك. لكن هذا لن يحدث في الأمد القريب، وليس مؤكدا أبدا حدوثه إذا تصرفت إسرائيل بحكمة".

وأشار إلى أن إسرائيل فقدت حق الاستئناف على القرار، بسبب قرارها مقاطعة محكمة لاهاي ورفضها التعاون معها وطرح ادعاءات رسمية أمامها، "ولذلك فإنها ستواجه الموضوع وتحقيقا محتملا طوال الأشهر القريبة المقبلة".

وأشار بنكاس إلى أن القرار يمنح بنسودا إمكانية إجراء تحقيق "حول جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل وحماس والجهاد الإسلامي" خلال العدوان على غزة عام 2014. وقد تعيد المحكمة النظر في قرارها، في الصيف المقبل، عندما يتغير مدعي المحكمة. "وحتى ذلك الحين ستضطر إسرائيل أن تقرر إذا كانت ستنتقد وتصرخ من خارج المحكمة بشأن الغبن وتشويه العدالة، أو أن تشارك في المداولات وتقدم حججها ومبرراتها. وليس بالإمكان المقاطعة وكذلك الرثاء والعواء".

ولفت إلى أن "الاعتماد على الولايات المتحدة ليس حماية دائمة لفترة طويلة، وعلى الأرجح أنها ستخضع لمجمل مواضيع سياسية أخرى بين إسرائيل والولايات المتحدة".

وفيما تدعي إسرائيل أنه لا يحق لمحكمة لاهاي التحقيق في جرائم حرب إسرائيلية بحق الفلسطينيين، اعتبر بنكاس أن قرار القضاة بناء على طلب بنسودا يعترف بحدود فلسطين، التي تشمل المنطقة كلها التي احتلتها إسرائيل عام 1967، "وهذا تحليل سياسي وليس قانونيا".

المتهم نتنياهو خلال جلسة محاكمته في أيار/مايو الماضي (أرشيف - رويترز)

وأضاف بنكاس أنه "من الجهة الأخرى، فإن قرار أغلبية القضاة مدعوم باعتراف الأمم المتحدة بالسلطة الفلسطينية كـ’دولة مراقبة’، في أعقاب انضمام السلطة إلى معاهدة روما عام 2015، وهي خطوة ردت إسرائيل عليها بتجميد 500 مليون شيكل من أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية".

وشدد بنكاس على أنه بالرغم من مزاعم إسرائيل بمحاكمة مخالفي القانون الدولي، من ضباط الجيش والشاباك، إلا أن "هذا لا يحمي إسرائيل من ادعاءات جوهرية كأنه تم ارتكاب جرائم. وهذا يُبقي المشكلة بحالة غليان ومحل خلاف، ولا يجيب على سؤال بسيط آخر: ماذا سيحدث في اليوم الذي يعترف فيه بـ’فلسطين’ كدولة من جانب الأمم المتحدة، التي تعمل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي تحت رعايتها؟".

وأضاف بنكاس أنه "طالما يتولى بنيامين نتنياهو منصب رئيس الحكومة، يوجد للادعاءات والتسويغات القانونية بعد سياسي، ورغم أنه لا يشكل اعتبارا بهذا القرار أو في المستقبل إلا أنه لا يغيب عن العالم: التناقض البنيوي في التعامل مع جهاز القضاء الإسرائيلي. وداخليا، نتنياهو ينتقد، يهاجم، يشهّر وينزع شرعية النيابة العامة وجهاز القضاء كله وخاصة المحكمة العليا. وهو يشكو من عدم كفاءتها وعدم استقامتها ويتهمها بحياكة ملفات وعدم تحقيق العدل" في إطار محاكمته بتهم فساد خطيرة.

وتابع بنكاس: "وخارجيا، نتنياهو يبيع العالم صورة نظام ديمقراطي ليبرالي فيه حكم القانون، المساواة أمام القانون، استقلالية وجودة جهاز القضاء وقوة المحكمة العليا هي نور للأغيار (غير اليهودي). ورغم أن المحكمة الجنائية في لاهاي لن تخوض في ذلك، لكن عندما يدرسون رد فعل إسرائيل، لأي من كِلا سيد نتنياهو ينبغي أن يصدقوا؟ وهذا لا يساعد في حماية إسرائيل بالتأكيد".

التعليقات