هل توقف إسرائيل سياسة التعتيم لمواجهة إيران "كدولة عتبة نووية"؟

يتوقع أن يثار نقاش حول سياسة التعتيم النووي الإسرائيلية مجددا في موازاة تزايد الحديث حول تقدم إيران نحو العتبة النووية، لكن في حال وقف التعتيم فإن إسرائيل ستخرق تفاهمات مع واشنطن، تقضي بحماية دبلوماسية وعسكرية لمفاعل ديمونا

هل توقف إسرائيل سياسة التعتيم لمواجهة إيران

مفاعل ديمونا النووي (أرشيفية - أ ف ب)

تقود إسرائيل حملة دولية ضد البرنامج النووي الإيراني، وتصف إيران بأنها "دولة عتبة نووية"، علما أن بحوزة إسرائيل ترسانة أسلحة نووية كبيرة، لكنها لا تصرح بذلك علنا، وهذه سياسة يطلق عليها تسمية "التعتيم النووي".

وفي العام 2003، أوصى ما يسمى بـ"مشروع دانيال"، وهو عبارة عن طاقم خبراء نوويين وإستراتيجيين إسرائيليين وأميركيين، أمام رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه، أريئيل شارون، بأنه في حال حيازة دولة أو منظمة معادية لإسرائيل على قدرة نووية، فإن ردعا نوويا "موثوقا وحاسما" هو أمر ضروري لمجرد وجود إسرائيل، ولذلك من الجائز أن "تضطر إسرائيل إلى تغيير سياسة التعتيم إلى قدر محدود من كشف قدراتها".

ويتوقع أن يثار هذا النقاش في إسرائيل مجددا في موازاة تزايد الحديث حول تقدم إيران نحو العتبة النووية، حسبما أشار رئيس تحرير صحيفة "هآرتس"، ألوف بن، اليوم الخميس. وكان رئيس الحكومة ووزير الأمن الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، قد أشار في مقال نشره في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، نهاية الأسبوع الماضي، إلى أن إيران دولة عتبة نووية هو الواقع الإستراتيجي الذي تواجهه إسرائيل حاليا.

ورغم أنه ليس بحوزة إيران سلاحا نوويا، وتركز على تجميع كميات من اليورانيوم المخصب وتطوير البنية التحتية لذلك، أفاد بن بأن هذا تأخير تقني للتقدم نحو سلاح نووي. "وإيران استغلت انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي، بتشجيع من رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، بنيامين نتنياهو، من أجل فرض حقائق نووية تمنحها أفضلية في أي وضع، وبحيث تُحسن شروط اتفاق نووي مستقبلي مع إدارة بايدن، وتعزيز مكانتها الإقليمية، بوجود اتفاق أو بدونه".

ولفت بن إلى أنه بالرغم من بذل نتنياهو جهودا دبلوماسية وعملياتية من أجل إحباط تقدم البرنامج النووي الإيراني، "لكنه لم ينجح في فرض حقائق تمنع خفض التوتر بين الدولتين في المستقبل، ولم يضع بديلا على شكل حوار مباشر بين إسرائيل وطهران، يساعد في خفض التوتر ومنع حرب لا يرغب فيها كلا الجانبين".

وبحسب بن، فإن الإيرانيين رفضوا قبل نهاية ولاية نتنياهو محاولات إسرائيل من أجل فتح قناة مباشرة بين الدولتين. وأشار إلى أن الاتصالات بين الجانبين تجري في إطار عملية تحكيم في سويسرا حول مطالبة إيران بتعويض مالي من إسرائيل على كميات النفط التي حصلت عليها الأخيرة في فترة حكم الشاه. واعتبر بن أنه لو تم فتح قناة اتصال مباشر بين الجانبين لكان من شأن ذلك خفض حدة التوتر بين الدولتين.

صورة لأعمال تطوير في مفاعل ديمونا، العام الحالي، سربتها الولايات المتحدة (أ,.ب.)

وقدّر باراك في مقاله أنه لا يوجد لدى إسرائيل "خيار عسكري" ضد إيران. وكان باراك، كوزير أمن في حكومة نتنياهو، مطلع العقد الماضي، يؤيد هجوما عسكريا ضد إيران، ومنع ذلك قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والإدارة الأميركية. كذلك يعتبر باراك أن لا يوجد لدى الولايات المتحدة خطة عسكرية لمهاجمة إيران أو أنها ليست معنية بذلك. وهو يعتقد أن على إسرائيل تعميق تعلقها بالولايات المتحدة ومطالبتها بدعم ومساعدة دبلوماسية وعسكرية.

ولفت بن إلى أنه في حالات الضائقة الأمنية، تستند إسرائيل إلى الولايات المتحدة، وفي موازاة ذلك تعيد البحث أيضا في "سياسة التعتيم النووي"، المتواصلة منذ ستينيات القرن الماضي. لكن "مرة تلو أخرى منذ حرب يوم الغفران (1973)، وبعد أن رصدت القيادة الإسرائيلية هلعا أمنيا لدى الجمهور، حرر مسؤول كهذا أو ذاك رسن التعتيم وتحدث عن قدرات إسرائيل". وهكذا فعل باراك أيضا في مقاله، وتحدث عن "قوة الردع الإسرائيلية" وأنه لا ينبغي القلق.

وأضاف بن أن ظهور دولة نووية جديدة في المنطقة، وخاصة دولة كإيران، سيرفع مستوى التخوفات في إسرائيل. "هل سنواجه حقا ’محرقة ثانية’، كالتي حذر نتنياهو منها؟ وستكون هذه المعضلة ماثلة أمام خلفه، نفتالي بينيت: كيف يمكن تهدئة الجمهور، ردع الإيرانيين والحصول على دعم من الأميركيين".

ويذكر أن العامل التقني في مفاعل ديمونا النووي، مردخاي فعنونو، كشف في العام 1986 عن قدرات إسرائيل النووية، وأن بحوزتها 200 قنبلة نووية. إلا أن بن اعتبر أن "تآكل التعتيم الإسرائيلي لا يعني تعزيز مصداقية ما كشفه فعنونو، وإنما التوضيح بأن الردع الإسرائيلي مكشوف أكثر".

ووفقا لبن، فإن القيود الأساسية أمام إزالة التعتيم هي تعهد إسرائيل للولايات المتحدة، منذ العام 1969، بالحفاظ على ضبط النفس في هذا المجال. "وسيُعوض ضبط النفس هذا بمظلة دبلوماسية أميركية، تحرس ديمونا ومنتجاته من مبادرات دولية لتفكيك الأسلحة وتجميدها ونزعها. وعندما يشعر الأميركيون أن إسرائيل تركل هذه التفاهمات (من خلال إزالة التعتيم)، فإنهم يحررون تسريبات حول قدراتها. وهكذا تم الكشف قبل عدة أشهر عن أعمال تطوير واسعة في القرية للأبحاث النووية (أي مفاعل ديمونا) بواسطة صور التقطها قمر اصطناعي، ونشرها معهد أبحاث أميركي لدى تغير الإدارة".

ورأى بن أن بينيت لن يرغب بتشكيل خطر على التفاهمات مع واشنطن، التي كررها خلال لقائه مع بايدن، الشهر الماضي. "لكن ستُمارس ضغوط عليه من أجل إعادة البحث فيها، فيما إيران تجمع كميات أخرى من اليورانيوم المخصب، وفيما اليسار في الحزب الديمقراطي يهدد المساعدات العسكرية التقليدية لإسرائيل. وسيشغل هذا البحث صناع القرار في الحكومة ومقر وزارة الأمن في تل أبيب في الفترة القريبة، كما سيشغل المسؤولين عن ’الملف الإسرائيلي’ في واشنطن".

التعليقات