كتيبة "نيتساح يهودا": مشروع إسرائيلي لصناعة جندي قاتل

باحث إسرائيلي: "هذه كتيبة سياسية – دينية. والحريديون فيها قلائل. فهي مؤلفة من شبان حريديين سابقين، تركوا مقاعد الدراسة، وتمردوا على أهاليهم، شبيبة التلال، شبان متدينين – قوميين، وشبان من عائلات فقيرة، ومتدينين آخرين"

كتيبة

قوات الجيش الإسرائيلي في قرية قرب بيت لحم (أرشيفية - أ.ب.)

دعا محللون وخبراء عسكريون إسرائيليون إلى تفكيك كتيبة "نيتساح يهودا" في الجيش الإسرائيلي، بعد أن أوقف جنود فيها المسن الفلسطيني عمر أسعد (80 عاما) في قرية جلجليا واعتدوا عليه، ثم تركه وحيدا في بيت مهجور ليلفظ أنفاسه الأخيرة. واعتبر بعضهم أنه ينبغي إعادة تشكيلها من جديد من أجل عدم المس بتجنيد الحريديين. وجاءت هذه الدعوات بتفكيك الكتيبة في محاولة لتبرير الجريمة وتحميل هذه الكتيبة مسؤولية جرائم الاحتلال وإعفاء الجيش الإسرائيلي من هذه الجرائم.

ووصف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، نتائج التحقيق الذي أجراه الجيش في واقعة استشهاد المسن أسعد، بأنها "واقعة أخلاقية خطيرة للغاية"، وأن "مغادرة القوات للمكان وترك أسعد فيه من دون التيقن من وضعه يدل على بلادة مشاعر".

وقرر الجيش إقالة قائدي السرية والفرقة التي أوقف جنودها أسعد، وألا يتوليا قيادة وحدة عسكرية لمدة سنتين، و"توبيخ" قائد الكتيبة. ووفقا لافتتاحية صحيفة "هآرتس" اليوم، الأربعاء، فإنه "عندما نقشّر الكلمات القاسية في تعقيب كوخافي ونتمعن في الثمن الحقيقي الذي طالب بأن يدفعه الضالعون في القضية، يتضح أنه لا يوجد فرق ملموس بين قيمة الإنسان الفلسطيني بنظر رئيس هيئة الأركان العامة وبين قيمته بنظر جنود نيتساح يهودا. فالعقوبة التي فرضها كوخافي على الضباط تتلخص بإبعادهم لسنتين عن قيادة قوات. وهذه عقوبة سخيفة، وليس من شأنها لجم عملية التحجر الأخلاقي الذي يقود إلى تصرف كهذا".

كوخافي مع جنود متدينين (توضيحية - الجيش الإسرائيلي)

وأضافت الصحيفة أنه تعين على كوخافي أن "ينفذ المطلوب ويفكك الكتيبة. فهذه كتيبة ضالعة في أحداث متكررة، ولذلك أوصت جهات في الجيش الإسرائيلي أيضا بتفكيكها. ورغم أن الجيش الإسرائيلي لن يتعافى من تفكيك نيتساح يهودا، لكن هذه كتيبة خطيرة بشكل خاص". ولفتت الصحيفة إلى أن "كوخافي اختار ألا يفكك الكتيبة لأنه يخشى رد فعل المنظمات اليمينية. وقد فشل كوخافي في امتحان قيادي هام. وبذلك، سمح بحالة التنكيل القادمة".

كذلك دعا الباحث في العلاقة بين الجيش والمجتمع والسياسة والمحاضر في الجامعة المفتوحة، بروفيسور ياغيل ليفي، في الصحيفة نفسها، أمس، إلى تفكيك كتيبة "نيتساح يهودا". وأشار إلى أن "نيتساح يهودا هي ظاهرة متميزة بمقياس عالمي".

وأوضح ليفي أن "هذه كتيبة سياسية – دينية. وكانت الفكرة الأساسية لدى تأسيس ’كتيبة هناحال هحريدي’، في العام 1999، تشجيع الحريديين على التجند للجيش على أساس تطوعي. وفعليا، قليلون جدا الحريديون الذين يخدمون في هذه الكتيبة. فهي مؤلفة من شبان حريديين سابقين الذين تركوا مقاعد الدراسة، حريديين الذين تمردوا على أهاليهم، شبيبة تلال (في البؤر الاستيطانية)، شبان متدينين – قوميين الذين تم التعهد لهم ببيئة خدمة خالية من النساء، وشبان من عائلات فقيرة، ومتدينين آخرين".

ولفت الباحث إلى دراسات أجريت في جيوش عديدة، "وتبين منها أن التجانس الاجتماعي يسبب تكتلا زائدا للوحدة، والنتيجة هي نشوء ثقافة وحدة عسكرية تعزل نفسها عن الثقافة العسكرية العامة وحتى أنها تتمرد ضدها. وذلك خصوصا عندما تستند التركيبة الاجتماعية إلى فئات اجتماعية مستضعفة وتنفر من ثقافة الأغلبية".

وأضاف أن "التجانس في نيتساح يهودا مضاعف، وهو ليس دينيا فقط وإنما سياسي أيضا. والقاسم المشترك الواسع للجنود هو المفهوم بأن الممارسة البوليسية ضد الفلسطينيين هي مهمة ’مقدسة’. وهذه القدسية تُترجم من أجل بلورة ثقافة وحدة عسكرية تشجع على رغبة شديدة بممارسة العنف. وتتعاظم هذه الرغبة إذا أخذنا بالحسبان أن ميزات الكثير من الجنود في الكتيبة هي التمرد على المجتمع الذي جاؤوا منه. ولذلك هم ينظرون إلى أنفسهم كمن يخضعون لامتحان كبير لإثبات الذات، وغالبا من موقع منحط قياسا بمجتمعهم الأصلي. وإذا لم يكن هذا كافيا، فإن الانشغال بالممارسات البوليسية التي تعتبر دونية وليس بالقتال، وفي منطقة ثابتة، يزيد الميل أكثر نحو نزعة عدوانية".

صناعة جندي قاتل

طالبت الولايات المتحدة، أمس، إسرائيل بإجراء "تحقيق جنائي شامل" في استشهاد أسعد، الذي يحمل الجنسية الأميركية، وشددت على أنها "تحمّل إسرائيل المسؤولية الكاملة في هذه القضية"، وأنها ترحّب بأي معلومات أخرى حول هذه الجهود (التحقيق الجنائي) في أقرب وقت ممكن".

وفي محاولة لتبرير الجريمة، انبرى المراسل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، اليوم، يدافع عن كتيبة "نيتساح يهودا"، معتبرا أن واقعة استشهاد أسعد "تستوجب البحث في استمرار الكتيبة بشكلها الحالية، وبحيث تكون أفضل بالنسبة للكتيبة والجيش والمجتمع، وذلك من دون المس بمشروع تجنيد الحريديين للجيش".

ونقل يهوشواع عن قائد سابق للكتيبة وصفه لجنودها بأنهم من هامش المجتمع. ومن شأن هذه الحقيقة أن توحي بأن تجنيدهم – كشبان فقراء ومتمردين على أهاليهم وانعزالهم عن المجتمع – للجيش ومنحهم حرية التنكيل بالفلسطينيين، بشكل متعمد ومدروس من جانب الجيش، هو مشروع لصناعة جنود قتلة، ليس بينهم وبين الأمن المزعوم أي علاقة.

وادعى قائد الكتيبة السابق أن هؤلاء الجنود "وجدوا أنفسهم في دوريات (عسكرية) في الحر الشديد في شمال غور الأردن وطولبوا بالطاعة العسكرية". وتابع الضابط السابق محاولة تبرير جرائم جنود هذه الكتيبة، قائلا إن "قسما منهم رأوا أمورا فظيعة في بيوتهم، وكنت أستمع لقصصهم وأوشك على البكاء".

تشييع جثمان الشهيد عمر أسعد (أ.ب.)

وتعني أقوال هذا الضابط أن سلطات الجيش مطلعة تماما على طبيعة هؤلاء الجنود. وأشار يهوشواع إلى أن قائد السرية في الكتيبة الذي تم إبعاده عن قيادة قوات لسنتين، سيدخل بعد شهر إلى دورة لاستكمال الدراسة الثانوية. أي أن الجيش الإسرائيلي كلّف شابا غير متعلم، وبالتالي يصعب عليه ترجيح الرأي، بالتحكم بمصائر الفلسطينيين.

وتابع الضابط السابق أن "إنشاء طاعة (عسكرية) في عالم كهذا الذي يشرك جنودا تسربوا من المجتمع الحريدي هو تحدٍ معقد بالنسبة لقائد عسكري". إلا أن يهوشواع، وغيره من المحللين، لا يفسر سبب توجيه هذه الكتيبة إلى القيام بمهام عسكرية في الأراضي الفلسطينية وبين سكان مدنيين فقط، وليس في مناطق حدودية مثلا. وفي المقابل، فإن قائد فرقتهم العسكرية، العميد آفي روزنفليد، اعتبر أن "هذه كتيبة جيدة، مع مستوى قتالي مرتفع، وكذلك من حيث النظام والتنظيم، على غرار كتائب أخرى في الجيش الإسرائيلي"، أي أن الجيش الإسرائيلي لا يعتزم تفكيمها ولا إجراء تغييرات في تشكيلتها.

التعليقات