تحليلات: "التصعيد الحالي سببه الوضع السياسي في إسرائيل"

"لا يوجد حافز أقوى من أجل تنفيذ عمليات فردية أو لتشكل تنظيمات محلية، من انتشار اليأس، الشعور بأنه ’لا يوجد مستقبل’، وخصوصا أنه ’ليس ثمة ما يمكن خسارته بعد الآن’"، ويرجح "تصاعد المقاومة وعملية عسكرية واسعة بجنين ومخيمها"

تحليلات:

مواجهات مع الاحتلال في جنين، أمس (Getty Images)

وصف رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) الأسبق، يوفال ديسكين، العمليات المسلحة خلال الأسابيع الماضية بأنها "عمليات ناجمة عن أجواء"، وذلك في حال ثبت أن "منفذيها أفراد عملوا بصورة عفوية أو أنهم ينتمون لتنظيمات محلية". وأضاف أن "الجمهور ملزم بفهم كيف نشأت هذه الأجواء المشجعة على تنفيذ عمليات".

وشدد ديسكين، في مقال نشره في صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم الأحد، على أنه "لا يوجد حافز أقوى من أجل تنفيذ عمليات فردية أو لتشكل تنظيمات محلية، من انتشار اليأس، الشعور بأنه ’لا يوجد مستقبل’، وخصوصا أنه ’ليس ثمة ما يمكن خسارته بعد الآن’".

وأضاف أن يأسا كهذا يميز الواقع في الضفة الغربية، وفي المجتمع العربي في إسرائيل، "حيث يضاف هناك الشعور بأنه ’ لا يريدونني في الدولة’، إلى جانب مشاعر التمييز والظلم، وغالبيتها مبررة ومثبتة. وحاولوا التفكير بما يحدث للجيل الشاب من المواطنين العرب في إسرائيل، الذي ينمو داخل انعدام قدرة متطرفة على الحكم. وهذا الفراغ ملأته منظمات إجرامية، تجارة مخدرات، جباية الإتاوة، اقتصاد أسود وكميات هائلة من السلاح غير القانوني الذي مصدره بسرقات من قواعد الجيش الإسرائيلي المستباحة وبتهريبات".

وبحسبه، فإن "انعدام القدرة على الحكم" و"غياب ردع" لا تتعلق بالمجتمع العربي فقط. "الفساد الخطير في السلطة الفلسطينية وغياب أفق سياسي أو اقتصادي يقود إلى انتشار مشاعر الاشمئزاز، النفور والكراهية لدى الجمهور تجاه القيادة. وأجهزة أمن السلطة، التي كانت مساهمتها كبيرة للهدوء الأمني النسبي في الضفة، منذ العام 2008، تفقد شرعية شعبية وسيطرتها تضعف".

نتنياهو يخطب أمام متظاهري اليمين بالقدس، الأربعاء الماضي (Getty Images)

وأشار إلى إهمال إسرائيل للحيز الفاصل بينها وبين الضفة الغربية، الذي يهدف إلى الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين. "وقد طوّر إستراتيجيون في جهاز الأمن الإسرائيلي مفهوما يعتبر أنه إذا سمحنا بدخول غير مراقب لمتواجدين (فلسطينيين) غير قانونيين إلى داخل أراضي دولة إسرائيل، فسيكون لديهم ’ما يمكن أن يخسرونه’، بادعاء أن هذا محفز على الهدوء في الضفة ويسمح لجهاز الأمن بالتركيز على جبهات أخرى، ’أهم’. ولهذا الإهمال خطير ثمن إستراتيجي: في الواقع الحاصل، بالإمكان النقل في اتجاهين عن طريق الحيز الفاصل المليء بالثقوب، أفراد، سيارات، سلاح، بضائع غير قانونية، مخربين مع عتادهم، وغير ذلك".

وتابع ديسكين أن هذا الوضع حاصل منذ سنوات طويلة، "أو بالأحرى بسبب غياب سياسة، قادتها حكومات بنيامين نتنياهو، طوال 12 عاما متتالية من 2009 إلى 2021. ’رئيس الحكومة القوي من اليمين’ هذا، الذي دفع بخطوة غبية ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، عام 2018، ونتيجة لذلك تسبب بتسريع اقتراب إيران من القنبلة، وفقا لمعظم الخبراء، أهمل بالمطلق في الوقت نفسه العناية بالقضية الفلسطينية، وتجاهل أيضا طوال سنين حكمه فقدان قدرة متطرف على الحكم في المجتمع العربي في إسرائيل، من النقب إلى الجليل. وفي الوقت نفسه، سعى نتنياهو إلى شرعنة اليمين المتطرف، العنصري والكهاني (نسبة للحاخام الفاشي مئير كهانا)، من أجل بقائه السياسي".

ورأى أن "حكومة بينيت ليست بريئة. وبدل من أن تكون ائتلاف فرص بإمكانها العمل على تصحيح الأعطال الخطيرة التي أبقتها خلفها سنوات حكم نتنياهو، تحولت إلى حكومة شلل قومي".

وبحسبه، فإن التوتر والتصعيد الأمني الحاصل "ناتج بالأساس من الوضع السياسي الخطير السائد في إسرائيل. فعلى مدار سنين انتخبنا قيادة سياسية بائسة وغير ناجعة، انشغلت بنفسها بالأساس، وبتعميق الصدع في المجتمع الإسرائيلي. وتتحمل هذه القيادة مسؤولية مركزية عن التدهور الاجتماعي والأمني الخطيرة والأجواء المشجعة على العمليات".

جنين أصبحت عنوان عمليات الاحتلال

اعتبر المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن منفذ عملية تل أبيب، رعد حازم، "زوّد إسرائيل بعنوان لردة فعل. فالقاسم المشترك بين العمليات الثلاث الأولى في الأسابيع الأخيرة، في بئر السبع والخضيرة وبني براك، كان غياب يكاد يكون مطلقا لخيط يربط بينها. وليس فقط أن منفذيها، وفقا لتحليلات أجهزة المخابرات، لم يعمل ضمن إطار تنظيمي، وإنما جاؤوا من مناطق مختلفة. ومنفذو العمليتين الأولتين هم مواطنون في إسرائيل، بينما منفذ عملية بني براك منطقة جنين. كذلك أفراد الخلية الثلاثة الذين قتلتهم قوات خاصة في الشرطة الإسرائيلية ومنفذ عملية تل أبيب هم من سكان منطقة جنين".

وأضاف أن "هذه هي الخلفية لاتخاذ القرار بإرسال قوات الجيش الإسرائيلي، صباح أمس السبت، إلى جنين والقرى المجاورة. والتسويغ الرسمي هو تنفيذ حملة اعتقالات. لكن فعليا، كانوا يعلمون في الجيش أن دخولا غير مألوف في وضح النهار إلى منطقة يسكنها مئات الناشطين الفلسطينيين المسلحين سينتهي باحتكاك عنيف"، انتهى باستشهاد فلسطيني وإصابة 19 آخرين، بينهم شابة جروحها خطيرة.

قوات الاحتلال بمخيم نور شمس في طولكرم، اليوم (Getty Images)

ورجح المحلل أن فلسطينيين من جنين ومنطقتها سيحاولون تنفيذ عمليات في إسرائيل والمستوطنات. "نحن في ذروة موجة عمليات، ولا سبب للاعتقاد أن هذا سيُلجم قريبا. ومن الجهة الأخرى، سيعود الجيش الإسرائيلي إلى العمل في جنين ومخيم اللاجئين المحاذي لها، وهي أماكن مستوى حكم السلطة الفلسطينية فيها متدن جدا. وسترافق هذه العمليات (لقوات الاحتلال) مقاومة متصاعدة من جانب حماس والجهاد الإسلامي وربما يشارك فيها ناشطون محليون من حركة فتح. ومن الجائز جدا أن ينتهي هذا بعملية عسكرية واسعة في المدينة ومخيمها".

وأشار هرئيل إلى أن "هذه الخطوات لا تحل المشكلة الأساسية في الموجة الحالية، وهي مخابراتية. ويبدو أن التحدي هذه المرة معقد أكثر من موجة العمليات الفردية في العامين 2015 – 2016. والفرق الأساسي في الموجة الحالية يتعلق بكميات السلاح وقدرة منفذي العمليات على الحصول عليه، بينما معظم العمليات في الموجة السابقة كان دهس وطعن".

وبحسب جهاز الأمن الإسرائيلي، فإنه أحبط 85% - 90% من العمليات، بينما أشار المحلل إلى أنه "عندما يكون عدد المحاولات كبير، فإنه ستقع بين حين وآخر عمليات قاتلة. ويبدو أيضا أن منفذي العمليات استخلصوا دروس الجولة السابقة ويحاذرون من (عدم) إبقاء مؤشرات مسبقة حول خططهم".

التعليقات