سنة للعدوان على غزة: معضلات إسرائيل بالقطاع والضفة والداخل مستمرة

محللون إسرائيليون: "الجيش الإسرائيلي يواجه صعوبة بطرح أفكار مبتكرة لمواجهة الأزمة، ويبدو أنها ستستمر. والأمل بتراجع العنف بانتهاء رمضان تبدد. ولاحقا هذا الشهر تنتظر مناسبات حساسة: ذكرى النكبة ومسيرة الأعلام اليمينية بالقدس"

سنة للعدوان على غزة: معضلات إسرائيل بالقطاع والضفة والداخل مستمرة

أضرار إثر سقوط مقذوف من غزة في عسقلان، 11 أيار/مايو 2021 (Getty Images)

بعد مرور سنة على العدوان على غزة، الذي بدأ مثل هذا اليوم من العام الماضي، لم تحقق إسرائيل شيئا تقريبا من هذا العدوان، باستثناء الدمار الرهيب الذي خلفته في قطاع غزة وعدد الشهداء الكبير في قطاع غزة والضفة الغربية، وبضمنها القدس المحتلة، وتصعيد القمع بحق المجتمع العربي في أراضي الـ48.

ووصف رئيس "المعهد للسياسة والإستراتيجية" في جامعة رايخمان في هرتسيليا، عاموس غلعاد، والباحث في المعهد نفسه في الشؤون الفلسطينية وفي "مركز ديان" في جامعة تل أبيب، د. ميخائيل ميلشتاين، في مقال مشترك في صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم، الثلاثاء، الوضع الذي تواجهه إسرائيل الآن بأنه "أزمة إستراتيجية لا تقل عن ذلك الذي واجهته العام الماضي، ويجسد أن الكثير من المشاكل الأساسية بداخلها ما زال وجودها مستمر وتنطوي على اشتعال محتمل، وأن الهدوء النسبي الذي ميّز جزءا من المناطق في السنة الأخيرة مضلل من أساسه".

وعدد الخبيران الأمنيان "المشاكل الأساسية"، وأشارا إلى أن "المعضلة الأشد" هي قطاع غزة، إلى جانب "معضلة متعلقة بالجمهور العربي في إسرائيل"، بينما الوضع في الضفة الغربية "الهادئة نسبيا" قد يتبين من وجهة النظر الإستراتيجية على أنه "تهديد" على وجود إسرائيل "كدولة يهودية و/أو ديمقراطية"، بسبب تأييد متزايد من جانب الفلسطينيين بفكرة الدولة الواحدة".

من جانبه، رأى المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أنه لا يمكن اختبار نتائج عملية "حارس الأسوار" العسكرية (أي العدوان على غزة العام الماضي) من دون النظر إلى الواقع الأمني في الأسابيع الأخيرة. "وتوجد علاقة واضحة بين الفترتين"، وموجة العمليات المسلحة التي نفذها فلسطينيون في الشهرين الأخيرين داخل إسرائيل والضفة الغربية، "بتشجيع نشط من جانب قيادة حماس في غزة"، تدل على أن "الوضع لم يتغير بشكل كبير. وفي نهاية الأمر، ستذكر ’حارس الأسوار’ كتعادل محزن آخر في سلسلة متواصلة ولا نهائية" من المواجهات.

دمار في القطاع جراء القصف الإسرائيلي خلال العدوان (Getty Images)

ولفت هرئيل إلى أن العدوان على غزة في العام الماضي "بدأ في القدس. ووفر احتكاك زائد بين الشرطة وشبان عرب، في باب العامود والمسجد الأقصى، لزعيم حماس يحيى السنوار فرصة لصب الزيت على النار. وتبادل إطلاق النار استمر 12 يوما، أطلقت خلالها آلاف القذائف الصاروخية نحو الأراضي الإسرائيلية وسلاح الجو (الإسرائيلي) قصف أهدافا في القطاع. وحتى بعد التوصل إلى وقف إطلاق نار، بوساطة مصر، لم يتغير الكثير باستثناء القتل والدمار في الجانبين".

وأضاف أن "السنوار حاول ونجح في كسر سياسة الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية التي مارستها حكومة بنيامين نتنياهو. وكانت القذائف الصاروخية التي أطلقت من القطاع باتجاه القدس إشارة لمواجهات شديدة بين العرب واليهود داخل الخط الأخضر وزادت التأييد لحماس في أوساط عرب في إسرائيل وفلسطينيين في الضفة. وإنجازه الآخر كان مجرد بقاءه على قيد الحياة، وحركته ما زال تقف على قدميها، في نهاية جولة القتال".

وتابع المحلل العسكري أن "صورة السنوار التي نُشرت بعد وقف إطلاق النار، جالسا على كرسيه في مكتبه المدمر، رافقتها رسالة تحدي، مفادها أنه ليس مهما ماذا تفعل إسرائيل، حماس مستعدة لمواصلة القتال. وكانت هذه الرواية التي استوعبت لدى الجمهور الفلسطيني وبقدر معين لدى الإسرائيليين أيضا".

أزمة إسرائيلية مستمرة

واعتبر غلعاد وميلشتاين أن "إسرائيل حققت إنجازات إستراتيجية قبل سنة، وفي مقدمتها تحييد أنفاق حماس الهجومية ومنع عمليات شديدة، لكن الحركة استمرت بدفع عمليات بوسائل غير مباشرة، وفي مقدمتها تشجيع العنف في أي حلبة ليست غزة، وخاصة في الضفة والقدس، مثلما تم التعبير عن ذلك في موجة التصعيد الحالية".

إلا أن هرئيل نفى هذه "الإنجازات الإستراتيجية" لإسرائيل. وأشار إلى أن عددا قليلا من مقاتلي حماس استشهدوا في مهاجمة الأنفاق، بينما كانت إسرائيل تدعي أن عدد الشهداء هناك كبير. "وفي الوقت الذي يصر فيه رئيس أركان الجيش، أفيف كوخافي، على أن هذا كان إنجازا كبيرا، فإن الكثيرين في القيادة الأمنية الإسرائيلية يرون بقصف الأنفاق الكبير فقدان لموارد استخباراتية، وحقق مكسبا ضئيلا وحسب". وشدد على أنه "بعد مرور سنة، وضع إسرائيل مقابل حماس ما زال مقلقا جدا".

مظاهرة في حيفا ضد العدوان، أيار/مايو الماضي (عرب 48)

وأضاف أنه "خلال إحاطة لوسائل الإعلام، وكذلك في مشاورات أمنية، تمسك الجيش الإسرائيلي بخط موحد يشمل ادعاءين: حماس ما زالت مرتدعة بعد الضربة التي تلقتها في حارس الأسوار، والعلاقة بينها وبين موجة العمليات الجديدة غير مباشرة فقط". ووفقا لهرئيل، فإنه "عمليا، يبدو أن الحاجة إلى الدفاع عن إنجازات العملية العسكرية الأخيرة تطمس تحليل الواقع الحالي. وفي المستوى السياسي انتبهوا إلى ذلك أيضا".

وأشار إلى أن "الجيش الإسرائيلي يواجه صعوبة حتى الآن في طرح أفكار مبتكرة لمواجهة الأزمة، ويبدو أنه يتوقع أن تستمر. والأمل بتراجع العنف بانتهاء شهر رمضان تبدد في هذه الأثناء. ولاحقا في الشهر الحالي تنتظر مناسبات حساسة: يوم النكبة ويوم القدس الذي ينظم فيه اليمين مسيرة الأعلام في البلدة القديمة".

واعتبر غلعاد وميلشتاين أن ثمة حاجة إلى "ثلاثة قرارات إستراتيجية حاسمة: وضع حاجز فعلي بين إسرائيل والفلسطينيين في الضفة، ولا توجد ضرورة أن تكون للسلطة الفلسطينية مكانة دولة؛ ترسيخ تسوية جديدة في القطاع، وفي مركزها المطالبة بكبح توجيه العمليات في الضفة، إلى جانب الاستعداد لخطوة عسكرية واسعة في المستقبل تلحق ضررا شديدا بحكم حماس؛ بلورة تسوية تحدد لأول مرة منذ العام 1948 بشكل دقيق مكانة الجمهور العربي، بحقوقه وواجباته وارتباطه بالدولة". وفعليا، لم يقل الباحثان أي شيء جديد، وأن إسرائيل لا تضع أي أفق للتهدئة.

التعليقات