إسرائيل تنهب سلة غذائنا: المعركة على الأغوار اقتصادية في الأساس

الأغوار هي مفتاح التنمية المستدامة للاقتصاد الوطني، وهي سلة غذاء فلسطين، ولكنها سلة يتم تفريغها تماماً من قبل الاحتلال..

إسرائيل تنهب سلة غذائنا: المعركة على الأغوار اقتصادية في الأساس


[المضمون: في تحد جديد للجانب الفلسطيني وما يسمى بعملية السلام صادقت اللجنة الوزارية الإسرائيلية لسن القوانين والشؤون التشريعية يوم 29 كانون أول على قانون لضم الأغوار الفلسطينية المحتلة منذ 1967، تقدمت به عضو الكنيست ميري ريغف عن حزب "الليكود.
لماذا الأغوار؟ ولماذا الآن؟ وكيف يمكن للجانب الفلسطيني مواجهة هذه الوقائع تحت ضغط متنام من الجانب الأمريكي لإتمام مهمة كيري؟]

في صخب المفاوضات التائهة في حلقاتها المفرغة، ورقصة المتفاوضين المتحاذقة بعد انتهاء الموسيقى بزمن طويل، تبقى المعارك قائمة على الأرض، معارك حقيقية يخوضها أناس واقعيون، على التراب والماء والموارد، وبالأساس على الوطن كماهو الحال منذ البدء.

وبما أن المعركة حقيقية لا تدور في أروقة التفاوض الغامضة على جانبي الخط الأخضر، بل على جانبي جدار الفصل العنصري على الأصح، ولا تدور في لندن حيث القناة السرية التي أنشأها الرئيس عباس مع نتنياهو، لذلك فإن المسألة هي مسألة الأرض والاستيطان بما يعنيه ذلك من صراع على الوجود نفسه.

وهذا الصراع يستجيب لمبادئ التاريخ وأبدية الجغرافيا، أكثر مما يستجيب لخرائط المساومين على المقاعد الأثيرة والطاولات المزخرفة، لذلك فإنه صراع عابر للجدار وعابر للخط الأخضر، صراع يمتد على فلسطين كلها، كما هو الحال بالأمس وكما سيبقى إلى أن تحل النهاية التي يرجوها كل من الطرفين.

وقائع الاستيطان العنيدة، تناطح صخر صبر الفلسطينيين وتمسكهم بأرضهم، لذلك يخوضون هذه المعركة واثقين، الحديث هنا عن الشعب الفلسطيني بما هو تلك الكتلة التاريخية التي لا تعترف بالجدران والخطوط ، وليس المفاوضين والقيادات السياسية التي تزحف في نفق أوسلو متسولة العطايا لا تملك إلا بلاغة الكلام وإملال اللغة الفارغة، اسرائيل تبني والسلطة تواصل الكلام، لا تفتح خزائنها لاستخراج أسلحتها المخبأة المهملة، وأهمها الشعب وإرادته التي لا تلين، هذه القوة التي اختبرت في النقب وهزمت برافر، بانتظار جولة أخرى، والقوة التي تستعد لمعركة الجليل، وتخوض معاركها اليومية، معارك البقاء في الأغوار.

كنوز إستراتيجية:

لاشك أن النقب والجليل والأغوار تشكل كنزاً إستراتيجياً هاماً للكيان الصهيوني سواء من نواح إستراتيجية عسكرية أو اقتصادية أو جغرافية. وفي اهتمام هذا المقال إلقاء الضوء على واقع الأغوار والمعركة حولها وأهميتها الاقتصادية والعسكرية للعدو والفلسطينيين.

تبلغ مساحة غور الأردن شمال البحر الميت والأغوار الشمالية (الجانب الفلسطيني) 1.6 مليون دونم بما يعادل 28.8% من مساحة الضفة الغربية.

ومنذ عام 1967، عام الاحتلال، بدأت السلطات الصهيونية خطة ممنهجة، تستهدف إفراغ الأغوار من سكانها الفلسطينيين، وإحكام السيطرة على الأرض والموارد تمهيدا لاستيطانها واستثمارها.

وفي سياق السيطرة على الأرض اتبعت حكومات الاحتلال سلسلة من الخطوات بدءاً بنهب أملاك النازحين، وزيادة مساحات أراضي الدولة في المنطقة عبر ألاعيب حكومية لتصل إلى 53.4 % من المساحة، أي أربع أضعاف ما كانت عليه فعليا قبل 1967، يضاف إليها 45.7% مناطق إطلاق نار عسكرية مغلقة، وتم إغلاق 20 % كمحميات طبيعية يتداخل ثلثاها مع مناطق إطلاق النار، وبذلك تمكنت من السيطرة على 77.5% من أراضي المنطقة، وقد خصصت 12% منها للمستوطنات ضمنها جميع الشواطئ الشمالية للبحر الميت.

وحسب تقرير محافظة طوباس والأغوار الشمالية، تحتل المستوطنات والمجلس الإقليمي الاستيطاني مساحة 1,344,335 مليون دونم أي ما يعادل 83.4% من أراضي المنطقة المعنية و24% من مساحة الضفة و95% من أراضي المنطقة ( ج) في الأغوار.

كما تحتل أراضي الدولة 748,965 دونم، ما يعادل 48.7 % من أراضي الأغوار و14% من مساحة الضفة، و 55.5% من مساحة المنطقة (ج) في الأغوار، أما المناطق العسكرية المغلقة فتصل إلى 743,626 دونم ما يعادل 46.1% من مساحة الأغوار و13.3% من مساحة الضفة و52.6% من مساحة المنطقة (ج) وتقع 334,614 دونم ضمن ما يسمى محميات طبيعية ما يعادل 20.7% من الأغوار و 6% من الضفة و 23.6% من المنطقة (ج)، أما المناطق التي أغلقت بفعل الجدار العنصري فتصل إلى 2,505 دونم و 0.16% من مساحة الأغوار و 0.04% من مساحة الضفة و 0.20% من مساحة المنطقة (ج)، ليصبح المجموع الصافي 1,372,695 دونماً ما يعادل 85.17% من مساحة الأغوار وشمال البحر الميت و 24.5% من مساحة الضفة و 97% من مساحة المنطقة (ج) ليبقى الباقي الممزق وغير المتواصل والمحروم من الخدمات والموارد في يد الفلسطينيين في تجمعات معزولة تنازع على البقاء والصمود في وجه الجرافات الاسرائيلية .

وسبب عدم الاتساق الظاهري في الأرقام يعود إلى ما يمكن تسميته التخصيص المتشابك أو المتعدد لمساحات الأرض نفسها التي يعمد إليها الاحتلال كشكل من أشكال الاحتيال والتلاعب، فتكون الأرض نفسها محمية طبيعية بالنسبة للفلسطينيين، وأرض استثمار بالنسبة للمستوطنين.

ووفقا لتقرير صادر عن محافظة طوباس والأغوار الشمالية فقد أنشأ الاحتلال 36 مستوطنة تعود لفترة السبعينيات من القرن الماضي، 9 منها على أراضي طوباس والأغوار الشمالية وأقدمها "جفاعوت"، و"بينيت" منذ 1972 وتضم 2353 مستوطناً فقط وباقي المستوطنات مثل "روتم" و"منجون" و"تيرونوت" و"روعي" و"شدمان" و"منجولا" فسكانها مجتمعة لايتعدى 7302 وتحتوي 1359 كرافانا.

أما التجمعات العربية الفلسطينية فلا يزيد سكانها على 5130 نسمة وأهمها ابزيق والمالح وخربة الحمصة وكردلة وبردلة وخربة الراس الأحمر وعين البيضا والحديدية والفارسية والحمة والعقبة وغيرها.

من الواضح الثغرة الديمغرافية التي يتفوق فيها الجانب الصهيوني، ويعود ذلك بالأساس إلى سياسات الاحتلال التعسفية التدميرية للقرى والتجمعات العربية الفلسطينية، ومنع البناء، والحرمان من إمكانات التخطيط التنموي، وحجب الموارد من مياه ومساحات زراعية، ومنع الخدمات من ري وكهرباء، وغيرها مقابل الإغراءات والتسهيلات غير المحدودة المقدمة للمستوطنين.

ففي سبيل جذب الاستيطان يقدم الاحتلال خصومات تصل إلى 75% من تكاليف الاتصالات والمواصلات ومياه الشرب والكهرباء. كما يقدم خدمات تعليمية ومياه ري مجانية وكله على حساب موارد الفلسطينيين وحقوقهم، ويخصص الاحتلال 70 دونما من الأراضي الزراعية لكل عائلة استيطانية، كما يقدم تسهيلات تصديرية و20 ألف شيكل كقرض طويل الأجل، إضافة، كما ذكرنا، إمكانية تصدير منتجاتهم إلى كافة دول العالم، بينما يمنع المزارعون الفلسطينيون من تصدير منتجاتهم حتى إلى الضفة بسبب الحواجز الإسرائيلية المتعددة، ما ينتج عنه الإتلاف أو المنع أو التكلفة الكبيرة ما يجعله اقتصادا غير مجد.

لماذا تتمسك إسرائيل بالأغوار؟ ولماذا تشكل الأغوار كنزا إستراتيجيا؟
من الإستراتيجية العسكرية الدفاعية إلى الاقتصاد

مؤخرا صدر تقرير إستراتيجي في إسرائيل عن "مجلس السلام والأمن" ، الذي يضم مجموعة واسعة من كبار الضباط والمسؤولين الأمنيين السابقين، تناول فيه الادعاءات حول حاجة إسرائيل الأمنية إلى مواصلة سيطرتها على غور الأردن، وضم مناطق واسعة في غرب الضفة الغربية إلى إسرائيل بعد التوصل إلى اتفاق، أوضح عدم وجود أي أهمية إستراتيجية عسكرية للأغوار. ومن الأمور التي لفت لها التقرير أن مناطق غور الأردن وغرب الضفة الغربية ليست ذات صلة بالواقع مقارنة بالتهديدات الحالية، وذلك لتغير شكل وتقنيات القتال والحرب المقبلة ارتباطا بانتشار شكل الحرب الصاروخية والمليشيات.

وأضاف التقرير "وحتى في السيناريو الأقل معقولية ويحاكي حربا كلاسيكية تقليدية ينبغي أن نذكر: 1- أن الغور لا يوفر عمقا إستراتيجيا. فعرض دولة إسرائيل مع الغور وفي المكان الأكثر ضيقا هو خمسون كيلومترا فقط، ولذلك فإن ثمة حاجة لرد آخر وهو ليس إقليميا؛ 2- إذا تعين أن يوفر الغور ردا على هجوم عسكري بري، فإن المنطقة البالغة الأهمية لانتشار عسكري [إسرائيلي] هي السفوح التي تقود إلى قمم الجبال. والانتشار هناك يحوّل الغور إلى مكان مقتل القوة المهاجمة؛ 3- إن القوة [الإسرائيلية] التي ستمكث بشكل دائم في الغور ستكون بالضرورة محدودة الحجم، وموجودة في منطقة متدنية طوبوغرافيا، وتتعرض لخطر المحاصرة بشكل دائم؛ 4- توجد لخط نهر الأردن أهمية تتعلق بالحفاظ على الأمن ومراقبة الحدود في الفترات العادية وليس أكثر من ذلك".

وكان قد صدر سابقا تقرير مشابه قدمه معدوه إلى شارون حينما كان رئيسا للوزراء، ذكر المعدون أنه قد انعدمت أي قيمة عسكرية إستراتيجية ليس فقط للأغوار بل أيضا للجولان والضفة برمتها، بسبب تغير طبيعة وتقنيات الحرب، وازدياد الاعتماد على الصواريخ البعيدة المدى والمتوسطة التي تنسف أي أهمية للعمق الجغرافي وتقلل الحاجة إلى الجنود على الأرض. ولاشك أن النظرة الجديدة تنبع من انهيار النظرية الذرائعية التقليدية حول الأمن القائم على الطوبوغرافيا، والمستند إلى موانع طبيعية ومساحات شاسعة من الأراضي، وهي نظرية أصبحت متقادمة ومهجورة في الفكر الإستراتيجي العسكري على وجه العموم.

ومع انعدام أي أهمية دينية ذات قيمة لليهود في الأغوار بل بالعكس وجود قيمة سلبية دينيا باعتبار أريحا مدينة ملعونة عند اليهود، يصبح من الواضح أن الأسباب الاقتصادية هي الوحيدة المتبقية وراء تمسك اسرائيل بالأغوار. وبالتالي فإنه قد تحول غور الأردن من باب الإستراتيجية العسكرية إلى باب الإستراتيجية الاقتصادية لينعكس مشروعا اقتصاديا ناجحا حتى الآن بوجود موارد وثروات طبيعية وإمكانات سياحية ومعالم تاريخية مهمة وذات طابع استثماري إضافة طبعا إلى ثروات البحر الميت.

ورغم القرار الأممي الأخير الصادر عن الأمم المتحدة بالسيادة الفلسطينية المطلقة على الموارد والثروات الطبيعية في إقليمها، وكذلك قرار المحكمة العليا بأنه ينبغي على إسرائيل الامتناع عن التعامل مع الضفة على أنها حقل مفتوح للاستثمار الاقتصادي إلا أن إسرائيل ضربت عرض الحائط بكل هذا، وتبدو المنافع التي تجنيها إسرائيل مبررا كافيا لتمسكها بهذه المناطق، وزراعياً، الأغوار منطقة متميزة بفرادتها لناحية الطقس أو التربة على مستوى العالم، لتمتعها بدرجة حرارة موسمية تتيح إنتاجاً مبكرا عالي النوعية والقدرة التنافسية لأصناف عديدة إضافة إلى أن الموسم الصيفي الحار يوفر مناخا ملائما لزراعة النخيل، وعلى سبيل رمزي احتفل عام 2010 بزراعة النخلة رقم 1,000000 مليون في الأغوار مع ما يعنيه هذا من منافع اقتصادية انتاجية تصديرية هائلة.

مزارع النخيل الممتدة على مساحة متواصلة من الأرض، إضافة إلى مشاتل الورود والخضراوات ومزارع الدواجن والأبقار وبرك زيت التماسيح وخيرات البحر الأحمر كلها تعكس حجم الكنز الذي تضع إسرائيل يديها عليه.

فلسطينيا هناك 160 ألف نخلة يمتلكها الفلسطينيون من نوع (المجول) وينتجون ما بين 3 إلى 4 آلاف طن من هذا المنتج المتميز، وهم سائرون باتجاه زراعة 20ألف دونم من هذه الأشجار خلال العقد القادم، ما يعني أن يصل إنتاجهم الى حوالي عشرة آلاف طن بعائد لا يقل عن مائة مليون دولار سنوياً، وهو عائد سيؤدي إلى أن تتحول التمور الفلسطينية إلى المنتج الزراعي الأول. ولكن هذا كله رهن بتسليم إسرائيل الأراضي إلى الجانب الفلسطيني، مما يتيح تحما سياديا فلسطينيا تاما بالمنطقة. كما تشهد المنطقة جهودا كثيفة أهلية على الأغلب لتطوير صناعات ترتبط بإنتاج التمور، وصناعات تكميلية ترتبط بإنتاج الأعشاب الطبية والأعناب والتربية الحيوانية.

وحسب تقرير مجلس المستوطنات لعام 2012 فقد ربحت المستوطنات من الأغوار نحو 650 مليون دولار، ويربح الاحتلال من الأغوار أكثر من كل صادرات السلطة الفلسطينية.

وفي الحقيقة يبدو هذا الكنز مضاعفا بالنظر إلى حرمان الفلسطينيين من السيطرة على هذه الموارد، حيث اعتبر البنك الدولي في تقريره في تشرين الأول 2003 أن الأغوار هي مفتاح التنمية المستدامة للاقتصاد الوطني، وهي سلة غذاء فلسطين، ولكنها سلة يتم تفريغها تماماً من قبل الاحتلال. وحسب البنك فإن خسارة الفلسطينيين نتيجة منع إسرائيل من الوصول إلى مواردهم الشرعية في الأغوار والبحر الميت تصل إلى 3.4 مليار دولار سنوياً.

وينعكس الجشع الإسرائيلي تجاه السيطرة على الأغوار فيما يورده خبراء دوليون بأن استصلاح وزراعة 100,000 دونم فقط من قبل الفلسطينيين سينتج عنه توفير 150,000 إلى 200,000 فرصة عمل وستنتج الزراعة التصديرية لـ 50,000 دونم فقط ما قيمته مليار دولار سنويا للجانب الفلسطيني.

المعركة..

المعركة التي كانت هادئة تحولت إلى ساخنة مع قرار لجنة سن القوانين الاسرائيلية إقرار قانون ضم الأغوار، الذي تقدمت به النائبة الصهيونية ميري ريغف عن حزب "الليكود" يوم 29 كانون أول 2013.

ويقضي مشروع القانون بضم الأغوار وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها. وقد وقع على المشروع 18 عضو كنيست من الائتلاف والمعارضة أيضاً.

وفي الوقت الدي يرى فيه البعض طرح مشروع القانون لضم الأغوار تحدياً للمفاوضات الجارية، والخطة الأمريكية التي طرحها وزير الخارجية جون كيري حول الترتيبات الأمنية في غور الأردن، يرى فيها البعض نتيجة للضغوط الفجة التي يمارسها جون كيري على الجانب الفلسطيني واستغلال اسرائيل لهذه الضغوط، بل يصبح السؤال مطروحاً من جديد حول إمكان تورط السلطة في صفقة جديدة تتخلى فيها عن الأغوار التي لا تحظى باهتمام شعبي واعلامي كبير، مقابل الأسرى كموضوع إعلامي براق تسجل فيه السلطة مزيدا من النقاط في شباك شعبها، ورغم نفي شخصيات سلطوية فلسطينية بارزة مراراً وتكراراً لهذه الادعاءات إلا أن ترابط هذه الخطوة مع استحقاق تحرير الأسرى القدامى بل في ذات يوم إقرار اطلاقهم من الحكومة الاسرائيلية مع عسكرة كيري وفريقه في القدس، وانشغال الرأي العام الفلسطيني بقضية الأسرى كل هذا يطرح أسئلة حول صدقية ادعاءات النفي، ما يبقى رهنا بتصرف السلطة ردا على هذا الإجراء.

إسرائيلياً يمثل هذا الإجراء خطوة لمنع تقديم تنازلات من قبل الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بسيطرة إسرائيل على منطقة الأغوار، وسيقدم المشروع للتصويت عليه أمام الكنيست، وفي حال أقرته الكنيست فإن كافة مستوطنات غور الأردن والطرق المؤدية لها ستكون تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة وجزءا من "أراضي دولة إسرائيل" يمنع على الحكومة التنازل عنها أو حتى التفاوض عليها.

المعارضة الإسرائيلية للمشروع، وإن كانت قوية إلا أنها باهتة من حيث الموضوع، فهي تعارض الشكل وليس المضمون، يدرج في ذلك تحفظ نتنياهو عكس حزبه الذي صوت إلى الاقتراح، فنتنياهو وإن كان يبدو في الفترة وكأنه فقد صلته بحزبه، إلا أن تحفظه يعكس رغبته بتفادي الإحراج، ومزيد من التأزيم مع الجانب الأمريكي، وهو لا يمانع الاستيطان ولكن يمانع الشكل والتوقيت. وقد زاود على المقترح بإصدار تعليمات بنشر مناقصات بناء 1400 وحدة استيطانية في القدس الشرقية وبقية الضفة، منها 600-700 وحدة سيتم تسويقها للبناء في حي "رامات شلومو" الاستيطاني في القدس المحتلة.

وكذلك تذهب مواقف تسيبي ليفني زعيمة (الحركة) وزيرة القضاء، باعتبار القرار مسيئاً لمكانة إسرائيل الدولية، وسيؤدي إلى وقف المفاوضات. وانضم إليها في هذا الطرح رئيس حزب (يوجد مستقبل) وزير المالية يائير لبيد. والحزبان يعتزمان الاستئناف ضد مشروع القانون، ومنع عملية التصويت عليه أمام الحكومة بكامل هيئتها.

للأسف حسب مختلف التقارير لم تلتفت السلطة الفلسطينية للأغوار وأهميتها إلا ابتداء من عام 2007 وما زالت الجهود كلها فاشلة تجاه إجبار إسرائيل على التسليم بالأمر الواقع وضرورة الانسحاب من الأغوار.

وفي موازاة معركة تحرير الأغوار بشكل نهائي، سياسيا وجغرافيا، فالسلطة الفلسطينية تسجل تقصيرا كبيرا في مد يد العون والاهتمام بالاستثمار والدعم لمزارعي الأغوار ومساعدتهم على الصمود، في أرضهم. وتشير مختلف التقارير إلى أن دور السلطة ينحصر في جوانب إغاثية ليست ذات طابع تنموي، ولا تساعد أو تشجع على الاستثمار وإنشاء بنى مستدامة للعيش والصمود لمواطنيها الذين يواجهون جرافات الاستيطان بأعمدة خيامهم وصدورهم العارية.

والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا ستفعل السلطة للرد على الإجراء الإسرائيلي الأخير؟ هل ستكتفي بنقل جلسة الحكومة يوم الثلاثاء 31/12/2013 إلى العين البيضا كخطوة رمزية مجردة أم أنها ستكون خطوة تأسيسية لسلوك سياسي فعال ومجد لاحقاً؟ هل ستفعل ما لديها من أسلحة وأهمها تفعيل الانضمام الى جميع المؤسسات والمنظمات الدولية ومن ضمنها المحكمة الجنائية الدولية، و اللجوء إلى القانون الدولي الذي يحرم نهب الثروات والموارد، وكذلك تصعيد معركة المقاطعة الشاملة للمستوطنات وإسرائيل، ويقول الخبراء إنه بوصول المقاطعة إلى ذروتها فإن المستوطنات في الأغوار ومشاريع الاحتلال ستخسر من 60 إلى 80% من قيمتها، ما ولد حاليا موجة من الاستعداد الذاتي للمستوطنين للمغادرة والرحيل، وقد تبين من استطلاع نشر يوم الثلاثاء 31/12/2013 أجراه مركز "ماكرو" للاقتصاد السياسي وجمعية "مستقبل أزرق وأبيض" أن 62.5 من المستوطنين في الأغوار على استعداد للمغادرة والاخلاء في حال تم توقيع اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وبإمكان السلطة فرض عقوبات على إسرائيل ردا على ممارساتها في الأغوار أو غيرها. وعلى سبيل المثال مقابل تضييق السلطات الاحتلالية على المزارعين بإمكان السلطة التشديد على إدخال البضائع الإسرائيلية إلى أراضيها، وفرض الجمارك عليها كشكل من أشكال الانخراط في معركة ليس المتضرر منها سكان الأغوار فقط، وليست الخسارة سياسية فقط، فما تقوم به إسرائيل ليس احتجاز السيادة الفلسطينية وتثبيطها بل احتجاز تنمية الإنسان الفلسطيني أيضاً. فسلة الغذاء يأكل منها الجميع، وليس أبناء الاغوار لوحدهم.
 

التعليقات