هل تتفوق اقتصادات الدول المكتظة بالسكان على نظيرتها الغربية؟

كانت آسيا مصدر الثقل الاقتصادي في العالم قبل نشوب الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، بفعل الاكتظاظ السكاني الكبير في مناطق الشرق الأقصى، وتمكنت موجة التصنيع في أوروبا والولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، من دفع الأولى خارج...

هل تتفوق اقتصادات الدول المكتظة بالسكان على نظيرتها الغربية؟

توضيحية (pixabay)

كانت آسيا مصدر الثقل الاقتصادي في العالم قبل نشوب الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، بفعل الاكتظاظ السكاني الكبير في مناطق الشرق الأقصى، وتمكنت موجة التصنيع في أوروبا والولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، من دفع الأولى خارج مراكز الثقل الاقتصادية في العالم. فما دور الاكتظاظ السكاني في النمو الاقتصادي اليوم؟

أعدت مجلة "ذي أوكنوميست" الاقتصادية البريطانية، تقريرا بعنوان "هل يعتمد الاقتصاد على حجم تعداد السكان"، استعرضت فيه العلاقة التاريخية والمستقبلية بحسب دراسة اقتصادية سياسية أجراها باحثون من جامعة برينستون الأميركية والجامعة "الميثودية" الجنوبية في تكساس، ومعهد الأبحاث العلمية والإبداعية.

وذكرت المجلة أنه رغم انقلاب الآية لفترة وجيزة لصالح الدول الغربية في القرن التاسع عشر، إلا أنه من المتوقع اليوم، أن تمثل القوة الاقتصادية الجماعية للبلدان الآسيوية، والتي تقاس بحسب الإنتاج الحقيقي على أساس القوة الشرائية، أكثر من نصف الإنتاج العالمي بحلول عام 2020. وتساءلت المجلة "هل كانت فترة هيمنة الغرب شذوذًا؟"

ولفتت إلى أن تمتع الدول التي لديها تعداد سكان كبير بأفضليات اقتصادية على المدى الطويل، هو أمر منطقي، ففي عالم "خال" من التجارة الدولية، تتواجد أكبر الأسواق في الدول ذات الكثافة السكانية العالية، وتقدم فرصا أكبر نسبيًا لزيادة الإنتاج الاقتصادي من خلال التخصص والتجارة. 

وأشارت المجلة إلى أنه قد يكون من المستحيل التنبؤ بمعدلات النمو الاقتصادي للدول على مدار فترات زمنية قصيرة، ناهيك عن القرون الطويلة، إلا أنه هناك إستراتيجيات أسوأ من المراهنة على الأماكن المكتظة.

التعداد السكاني كعامل للتوازن الاقتصادي

لقد عمل باحثون في الاقتصاد السياسي، على بحث قاموا من خلاله، ببناء نموذج يقرن الأداء الاقتصادي لدولة ما، بتعداد سكانها، والذي مكنهم من قياس التغييرات في توازن القوى الاقتصادية، في القرون القادمة.

ويدعي الباحثون أن النمو الطويل الأمد، مدفوع بالتطورات التكنولوجية. وبالتالي، فإن الدول الأكثر اكتظاظا بالسكان، سوف تراكم عددا أكبر من المبادرات، مقارنة بالدول الأصغر حجما (من حيث تعداد السكان)، لأن العوائد المالية من تطوير تقنية جديدة ستكون أكبر في الحالة الأولى، فقوتها الشرائية أكبر من الأخيرة، حيث أن عدد الأشخاص الذين يُفترض أن يقتنوا أداة أو خدمة تكنولوجية حديثة، سوف يكون أكبر حجما مقارنة بالدول الأخرى.

لكن الهجرة تعمل ضد هذه القوة، فإن أغنى الدول اليوم، ليست الأكثر اكتظاظًا بالسكان، وإذا ما أصبحت الهجرة أسهل نسبيا لما هي عليه اليوم، سينتقل الأشخاص من الدول الفقيرة المكتظة بالسكان، إلى دول أخرى غنية. ومع ازدياد عدد السكان في الأماكن الغنية، تُصبح هيمنة الدول الغنية على المدى الطويل، أمرا مؤكدا بسبب الارتباط بين حجم السكان والابتكار.

و"حذر" الباحثون، من أن يحصل العكس، أي تقليل الهجرة، فيتوقعون أن يؤدي سيناريو مشابه، إلى تفوق الدول الفقيرة المكتظة السكان، على الدول الغنية، من حيث قوّة الابتكار، وبالتالي سوف تتعاظم اقتصاداتها.

ورغم أن هذه العملية بطيئة نسيبا، إلا أن أكثر ما أدهش المجلة، هو أنه من المتوقع أن تتحول دول آسيا، وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بعد خمسة قرون من اليوم، إلى اقتصادات كبيرة جدا، في حال استمرار هبوط معدلات هجرة الفقراء إلى الدول الغنية.

وبحسب البحث، فإن ذلك ليس بأمر جديد، فإن متوسط الناتج المحلي للشخص الواحد في الصين، كان أكبر من نظيره البريطاني قبل ألف عام. ما يعني أن ذلك قد يعود في يوم ما.

التعليم يغيّر اللعبة 

شددت المجلة على أن النمو الاقتصادي في الدول المكتظة سكانيا، ليس أمرا حتميا، فإن أمورا غير متوقعة قد تحدث، كانتشار وباء الطاعون على سبيل المثال، أو سوء السياسات الحكومية تجاه السكان، فقد يؤدي قرار مصيري مُعين إلى محو أفضليات تعداد السكان الكبير.

مع ذلك، فإنه يمكن القول إن توافر مليار عقل مفكر في عصر التعليم الشامل، ينعكس في تضخم القوة الاقتصادية لدولة مثل الصين، على عكس ما فعلته الأمية الجماعية في الماضي.

وأشارت "ذي أوكنوميست" إلى أن النمو الاقتصادي الملحوظ في آسيا على مدار العقود الأخيرة، لم يكن نتاج طفرة إنتاج محلية نجمت عن كبر تعداد السكان، بل حدثت تحت إطار موجة العولمة التي اجتاحت دول العالم، وساهمت في نقل المعرفة التقنية والتكنولوجية.

ورغم أن الانفتاح على تبادل السلع والأفكار، ليس عاملا ثابتا، فإن الباحث كلاوس ديسميت من الجامعة "الميثودية" الجنوبية في تكساس، وشركاءه المشاركين في الدراسة، يرون أن إزالة جميع الحواجز أمام الهجرة من شأنه أن يرفع مستوى الرفاهية العالمية بثلاثة أضعاف، وهو رقم استثنائي يعكس الفروق الكبيرة في الإنتاج للشخص الواحد بين البلدان، والإمكانات البشرية غير المحققة التي يمثلونها.

 

 

التعليقات