الإمارات وجهة الذهب الأفريقي غير القانوني

تشتهر مناطق عدة في القارة الأفريقية بوفرة الذهب فيها، لكنها لا تستفيد من كميات كبيرة من هذا المعدن الثمين، وكشف تحليل أجرته وكالة "رويترز" البريطانية، أنه يتم تهريب ما يُقدر بمليارات الدولارات من الذهب، إلى خارج أفريقيا كل عام...

الإمارات وجهة الذهب الأفريقي غير القانوني

(رويترز)

تشتهر مناطق عدة في القارة الأفريقية بوفرة الذهب فيها، لكنها لا تستفيد من كميات كبيرة من هذا المعدن الثمين، وكشف تحليل أجرته وكالة "رويترز" البريطانية، أنه يتم تهريب ما يُقدر بمليارات الدولارات من الذهب، إلى خارج أفريقيا كل عام عبر الإمارات التي تُعتبر بمثابة بوابة للأسواق الأوروبية والأميركية وغيرها.

واستند تقرير الوكالة إلى بيانات الحركة الجمركية الرسمية، حيث بيّن أن الإمارات استوردت ما قيمته 15.1 مليار دولار من ذهب أفريقيا عام 2016، أكثر من أي دولة أخرى  في العالم، لكنه لم يتم تسجيل معظم هذه الكميات في سجلات صادرات الدول الأفريقية.

وقال خمسة خبراء اقتصاديين قابلتهم "رويترز" إن هذا يشير إلى أن كميات كبيرة من الذهب تغادر القارة دون دفع ضرائب إلى الدول التي تنتجها.

وقد أبرزت تقارير ودراسات سابقة أن السوق السوداء للتجارة في الذهب، تشمل تشغيل بالغين وأطفال لا تربطهم صلات بمشاريع تجارية كبيرة، والذي يعملون بالحفر والتنقيب دون إشراف رسمي (على أقل تقدير).

(رويترز)

ورغم أنه لا يمكن لأحد أن يضع رقما دقيقا للقيمة الإجمالية التي تغادر أفريقيا/ إلا أن تحليل "رويترز" تمكن من تقدير حجم التجارة غير المشروعة من خلال مقارنة إجمالي واردات الإمارات من الذهب مقارنة بالصادرات التي أعلنتها الدول الأفريقية. حيث أكدت شركات التعدين الصناعية في أفريقيا، أنها لم ترسل الذهب إلى الإمارات، مما يشير إلى أن وارداتها من الذهب الأفريقي تأتي من مصادر أخرى غير رسمية.

وذكرت الوكالة أن الأساليب غير الرسمية لإنتاج الذهب، أي التعدين على نطاق صغير، في نمو مستمر حول العالم، وقد وفرت لقمة العيش لملايين الأفارقة وساعدت البعض على كسب المزيد من المال أكثر من الأساليب التقليدية، لكن هذا النوع من التنقيب عن الذهب يسرب مواد كيميائية إلى الصخور والتربة والأنهار. وتشكو حكومات أفريقية مثل غانا وتنزانيا وزامبيا من أن الذهب يتم إنتاجه وتهريبه بشكل غير قانوني خارجها، في عمليات إجرامية أحيانا، وبتكلفة بشرية وبيئية باهظة في معظم الحالات.

وأعلن رئيس غانا، نانا أكوفو-أدو، أن هذه الأساليب التي انتشرت على نطاق واسع، تُديرها منظمات إجرامية خاضهة لجهات أجنبية.

تجدر الإشارة إلى ان غانا هي ثاني أكبر منتج للذهب في أفريقيا.

ما هي طرق تهريب الذهب؟

لفتت الوكالة إلى أن عمليات التعدين ليست جميعها خارجة عن القانون، فبعض عمال المناجم الذين يعملون بشكل قانوني، يقومون ببيع الذهب لوسطاء يتاجرون بها عبر الحدود الأفريقية سهلة الاختراق، ويحجبون أصولها قبل أن يتم تهريبها خارج القارة، وغالبا ما يتم ذلك باستخدام حقائب يد.

وتظهر البيانات الجمركية التي سلمتها الدول الأفريقية لقاعدة البيانات التابعة للأمم المتحدة "كومتريد"، أن الإمارات هي الوجهة الأساسية لتهريب الذهب. ومن ثم يتم الإتجار بمعظمه في دبي.

وقال كبير المستشارين في مجال التنمية الصناعية في الاتحاد الأفريقي، فرانك موجيني، الذي أنشأ وحدة مراقبة المعادن التابعة للمنظمة إنه يتم تهريب كميات كبيرة من الذهب، دون أن توثق في سجلات الحكومات الأفريقية، حيث أن "الإمارات تستفيد من البيئة غير المنظمة في أفريقيا".

وأوضحت الوكالة أنه لم يتم تهريب جميع هذه الكميات "المختفية" إلى الإمارات، فقد يعود اختفاء نسبة صغيرة منها إلى الاختلافات الصغيرة بين تكاليف الشحن والضرائب التي يتم توثيقها في السجلات بشكل مختلف، أو بسبب الفارق الزمني الطويل بين مغادرة البضائع ووصلوها، أو لمجرد أخطاء في التسجيل.

لكن الوكالة وثقت 11 حالة، قامت فيها الإمارات بتسجيل قيمة كيلوغرام الذهب الواحد ضمن واردتها، فاقت تلك المسجلة من قبل الدولة المصدرة، بمبالغ مالية طائلة. 

وقال الاقتصادي الأميركي المختص في موضوع استخدام الإحصاءات التجارية لتحديد التدفقات المالية غير المشروعة، ماثيو سالومون،  إن القضية تستحق التدقيق، حيث أن "التناقضات المستمرة في تجارة سلع معينة وبين دول معينة... يمكن أن تعني أن هناك مخاطر كبيرة لنشاط غير المشروع".

ما هي الأضرار المرتبطة بالتعدين غير القانوني؟

أكدت "رويترز" أنه على مدار العقد الماضي، دفع الطلب المتزايد على الذهب، بالمنقبين غير الرسميين، لاستخدام معدات حفر ومواد كيميائية سامة، لزيادة عوائدهم، وبذلك تتدفق المياه الملوثة إلى الأنهار، لتسمم مصادر شرب المياه الأساسية لسكان تلك المناطق، في عملية بطيئة.

وحول هذه المواد السامة، رصدت الوكالة أنه يتم استخدام الزئبق السائل لاستخراج بقع الذهب الخام بشكل أسرع، ما يعود بأضرار بيئية كبيرة، حيث تتلف تأثيراته السامة، الكلى والقلب والكبد والطحال والرئتين وغيرها من أعضاء جسم الإنسان. كما يستخدم العمال في هذه العملية، السيانيد وحمض النيتريك.

(رويترز)

وهذا لا يعني أن شركات التعدين الصناعية الكبرى غير مسؤولة أيضًا عن التلوث، والذي يتراوح بين انسكابات السيانيد إلى مشاكل التنفس المرتبطة بالغبار الناتج عن عمليات التعدين، لكن ما يقرب من اثنتي عشرة دولة من بينها جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا وتشاد والنيجر وغانا وتنزانيا وزيمبابوي وملاوي وبوركينا فاسو ومالي والسودان قد اشتكت في العام الماضي من أضرار التعدين غير المصرح به بشمل خاص.

وحظرت بوركينا فاسو التعدين في بعض المناطق التي تنشط فيها حركات مسلحة مرتبطة بتنظيم "القاعدة" الإرهابي، وفي وقت سابق من هذا الشهر أوقفت الحكومة النيجيرية التعدين في ولاية زمفارا المضطربة في شمال غربي البلاد، قائلة إن تقارير المخابرات أثبتت ما وصفته بـ "رابطة قوية وصارخة" بين أنشطة العصابات المسلحة وعمال المناجم غير الشرعيين.

لماذا دبي أصبحت وجهة لتهريب الذهب الأفريقي؟

ذكرت "رويترز" أن الدول الغربية تتوخى "الحذر" بالتعامل مع الذهب الأفريقي غير المُنتج صناعيا، لألا ترتبط بتمويل صراعات دموية وانتهاكات لحقوق الإنسان، لكن يبدو أن الإمارات غير مهتمة بتلك التفاصيل، حيث تضاعف استيرادها للذهب الأفريقي على مدار العقد الماضي.

ما هي عواقب التعدين غير الرسمي؟

قالت الوكالة إن انعدام الرقابة الكبير على قطاع تعدين الذهب غير المرخص، يؤدي إلى كوارث كبيرة، مشيرة إلى أنه خلال أسبوع واحد فقط من شباط/ فبراير الماضي، أدى ذلك إلى مقتل أكثر من 100 شخص في ثلاث حوادث منفصلة في "ورشات" تعدين غير قانونية في زمبابوي وغينيا وليبيريا.

وأشارت أيضا إلى أنه في بعض الحالات، يُجبر عمال المناجم على تسليم جزء مما عثروا عليه من ذهب، عمولة للأشخاص الذي يسيطرون على الحفرة التي يعملون بها، وحصولهم على المعدات أو المتاجرة بالذهب.

ورصدت منظمات حقوقية عالمية مثل "هيومان رايتس ووتش" و"غلوبال ويتنيس" حالات كثيرة لعمالة الأطفال والفساد وارتباط بعض هذه المناجم بصراعات معينة في المنطقة.

التعليقات