دراسة جديدة: هل يدمّر الإغلاق الشامل الاقتصاد حقًا؟

تلقى النشاط الاقتصادي ضربة كبيرة مع إغلاق المرافق العامّة والخاصّة وفرض العزل الصحي في العديد من الدول للحدّ من انتشار فيروس كورونا وإنقاذ الأرواح، وبالمقابل يعلو السؤال، هل يوجد تعارض بين إنقاذ الأرواح وإنقاذ الاقتصاد؟ 

دراسة جديدة: هل يدمّر الإغلاق الشامل الاقتصاد حقًا؟

(أ ب)

تلقى النشاط الاقتصادي ضربة كبيرة مع إغلاق المرافق العامّة والخاصّة وفرض العزل الصحي في العديد من الدول للحدّ من انتشار فيروس كورونا وإنقاذ الأرواح، وبالمقابل يعلو السؤال، هل يوجد تعارض بين إنقاذ الأرواح وإنقاذ الاقتصاد؟
ودفع هذا السؤال الرئيس الأميركي دونالد ترامب وآخرين، إلى الإيحاء بأن "العلاج" قد يكون "أسوأ من المشكلة"، أي أن تبعات الإغلاق والعزل قد تكون سيئة جدًا على الاقتصاد واستقرار الدولة، إذ صرّح ترامب مؤخرًا أن تخفيف الإجراءات سيكون في غضون أسبوعين لإعادة النشاط الاقتصادي في أقرب وقت ممكن.

صدرت دراسة جديدة تدعّي ما يناقض هذه الفكرة بالعودة إلى بداية القرن العشرين وبحث المجريات والسياسات التي طبقت إبان انتشار جائحة الإنفلونزا الإسبانية.

وبحثت الدراسة التي أعدها الاقتصاديون سيرجيو كوريا، وستيفان لك، وإميل فيرنر؛ الأثر الاقتصادي لوباء الإنفلونزا الإسبانية في عام 1918 على الولايات المتحدة. جمع الاقتصاديون البيانات المتعلقة بالوفيّات والمتغيّرات الاقتصادية من تلك الفترة مع الأدلة على الإجراءات المحليّة، مثل العزل الصحي والتباعد الاجتماعي. واستنتجوا من ذلك؛ أن المدن التي استجابت بشكلٍ مبكر وبقوّة للوباء من خلال فرض الإجراءات اللازمة، كلما كان تحسنها الاقتصادي أفضل بعد انتهاء الأزمة.

(أ ب)

ولا يعني ذلك أن جائحة الإنفلونزا لم تسبب ضغطًا اقتصاديًا، فقد وجد الباحثون أن المناطق الأكثر تضررًا شهدت انخفاضًا حقيقيًا في العمالة الصناعية والإنتاج، بالإضافة إلى الانخفاض المستمر في الأصول المصرفية، ربما بسبب الخسائر في القروض وسط الإفلاس. كما وجدوا أيضًا انخفاضًا في تسجيلات السيارات، مما يُشير إلى انخفاض في الطلب على السلع الاستهلاكية.

ويظهرُ لدى الباحثين بالرغمِ من الضغط الاقتصادي، إن "المدن التي طبقت إبعادًا اجتماعيًا وإغلاقًا قويًا لاحتواء الفيروس ظهرت بشكل أفضل لاحقًا". وارتبط التنفيذ المبكّر للإجراءات والسياسات اللازمة للحدّ من انتشار الجائحة، والحفاظ عليها لمدة 46 يومًا، أدت إلى نسبة أعلى بـ 4 في المئة و 6 في المئة في التوظيف والصناعة بعد الجائحة. وأيضًا، ارتبطت التدابير المبكّرة، والبعيدة، والأطول أمدًا بارتفاع في النشاط المصرفي بعد الوباء.

ونقلت وكالة "بلومبرغ" عن الخبير الاقتصادي، سكوت كومينرز أنه "قد نشعر بالقلق من أن المدن التي اتخذت تدابير أكثر صرامة على وجه التحديد لأنها توقعت ضررًا اقتصاديًا أكبر مما سيجعل العلاقة بين تلك التدابير والنتائج الاقتصادية ميكانيكية ولا معنى لها".

ويشير كومينرز أن الباحثين ناقشوا هذهِ المسألة، بما يتفق مع الأدلة والوثائق في فترة الجائحة الأخيرة (الإنفلونزا الإسبانية) خاصة خلال الموجة الثانية من جائحة الإنفلونزا، ارتبطت ردود الفعل السياسية المحلية إلى حد كبير بالجغرافيا؛ انتشر الفيروس عبر البلاد من الشرق إلى الغرب، لذا فإن المدن القريبة من الساحل الغربي، تعلمت من المدن في الشرق".

وأضاف كومينرز أنّ نتائج البحث تُشير إلى أن "المدن التي مارست إبعادًا اجتماعيًا أكثر صرامة حققت نتائج أفضل بعد الوباء. بالمقابل، لا يعني أن هذه الأماكن لم تعاني اقتصاديًا، فقد عانت ولكن بشكل عام، يبدو أن إجراءات الإبعاد والإغلاق الشامل، قد قللت من الخسائر الاقتصادية للوباء".

لم يتمكّن الباحثين معرفة سبب حدوث ذلك على وجه التحديد، علمًا بمحدوديّة البيانات والوثائق من تلك الفترة. ولم يكن الاقتصاد في أوائل القرن العشرين بدرجةِ التعقيد والترابط كما هو عليه اليوم. ولفت الصحافيين في "وكالة بلومبرج" نوح سميث ومايكل سترين إلى أن "تخفيف الإجراءات طويلة الأمد، بشكل مبكر قد يكون مدمّرًا للاقتصاد لاحقًا". مما يعني أنه في حال طبّق الرئيس الأميركي ترامب تصريحاتهِ قد يكون ذلك مُدمرًا للاقتصاد، ولن يُعيده إلى طبيعتهِ.

وأشار كومينرز أنه "من الجدير بالذكر أيضًا أن الإجراءات طويلة الأمد، خلال جائحة الإنفلونزا أنقذت الأرواح أيضًا؛ ما تعلمناه الآن هو أن الأثر الاقتصادي الصافي لتلك الإجراءات يبدو إيجابيًا أيضًا".

متابعًا "لذا فإن المقايضة بين الحياة والاقتصاد، المعادلة التي تخشاها الدول، قد تكون في الواقع معادلة خاطئة. يبدو أن الأشياء التي يجب أن نفعلها لإنقاذ الأرواح هي أيضًا ما يجب أن نفعله لإنقاذ الاقتصاد".

التعليقات