لبنان يأكل لحم أبنائه: "الأسعار نار" وجشع التجار لا نهاية له

تستمر الأزمة الاقتصاديّة في لبنان بإلقاء ثقلها على الأوضاع المعيشيّة، بعدما انهارت قيمة الليرة اللبنانيّة، وارتفعت أسعار السلع الغذائيّة بصورة جنونيّة، لتعمّق جراح اللبنانييّن ومعاناتهم، التي لا زالت تنهش يهم منذ عام ونصف. وارتفعت وتيرة تهافت المواطنين على شراء البضائع

لبنان يأكل لحم أبنائه:

احتجاج في بيروت بسبب سوء الوضع الاقتصادي (أ. ب.)

تستمر الأزمة الاقتصاديّة في لبنان بإلقاء ثقلها على الأوضاع المعيشيّة، بعدما انهارت قيمة الليرة اللبنانيّة، وارتفعت أسعار السلع الغذائيّة بصورة جنونيّة، لتعمّق جراح اللبنانييّن ومعاناتهم، التي لا زالت تنهش بهم منذ عام ونصف.

وارتفعت وتيرة تهافت المواطنين على شراء البضائع المدعومة بشكل شبه يومي، وما رافق ذلك أحيانًا من إشكالات في المتاجر، للحصول على كيس أرز أو عبوة زيت أو حليب، قبل نفاد الكمية في غضون دقائق بعد عرضها للبيع.

وما تزال الأزمة الاقتصادية في لبنان تتصاعد منذ أواخر 2019، الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية في 1990، إذ أدت إلى انهيار مالي غير مسبوق.

ومنذ منتصف 2020، تدعم الحكومة اللبنانية "سلة غذائية" تتألف من 35 صنفًا من الزيوت والحليب واللحوم والأسماك والأطعمة المعلبة والحبوب وغيرها، إضافة إلى مواد أخرى تدخل في الإنتاج الزراعي والحيواني.

احتجاج في بيروت بسبب سوء الوضع الاقتصادي (أ. ب.)

و"الدعم" يحصل من خلال تأمين المصرف المركزي الدولار لمورديها على سعر صرف 3900 ليرة، بينما يبلغ سعر صرف الدولار في السوق السوداء نحو 12500 ليرة.

لكن هذا الدعم، إضافة إلى دعم استيراد المحروقات والأدوية والقمح وفي ظل الأزمة الاقتصادية، جعل احتياطي العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي ينخفض إلى 16 مليار دولار، من 30 مليار دولار قبل عام.

واهتزت الليرة اللبنانية في كانون الأول/ ديسمبر 2019 حيث بلغ سعر صرف الدولار الأميركي 2000 ليرة، بعدما صمدت على مدى 20 عامًا عند حدود 1515 ليرة، وفق دراسة نشرتها شركة "الدولية للمعلومات" الخاصة.

واستمر تدهور العملة اللبنانية تدريجيًا حتى وصل سعر صرف الدولار الواحد في منتصف آذار/ مارس إلى 15 ألف ليرة، قبل أن يستقر عند 12500 ليرة حتى صباح أمس الجمعة.

الطلب كبير

ومنذ أسابيع، ازداد التهافت على أصناف السلع المدعومة لأن سعرها منخفض أقل بـ3 أو 4 مرات (يتغير وفق سعر صرف الدولار في السوق السوداء) من الأنواع الأخرى غير المدعومة.

وبشكل شبه يومي، يتداول نشطاء عبر مواقع التواصل تسجيلات مصورة تظهر تهافت المواطنين في بعض المتاجر على مواد غذائية مدعومة، ما تسبب ذلك أحيانًا بإشكالات على أحقية الحصول عليها قبل نفاد الكمية المحدودة في الأسواق.

احتجاج في بيروت بسبب سوء الوضع الاقتصادي (أ. ب.)

قال مدير أحد المتاجر اللبنانية التي تضم فروعًا في عدة مناطق في البلاد، علي شحادة، إن "السلع المدعومة لا تتوافر إلا بكميات قليلة ولا تكفي زبائننا، ما ينعكس تململًا لدى الناس في غالب الأحيان".

وأضاف: "تصلنا كميات قليلة من السلع المدعومة، لكنها تنفد بسرعة بسبب إقبال الناس عليها"، موضحًا أنه "ما أن يعلم الناس بوجود كمواد مدعومة... فإنهم يتهافتون على شرائها فورًا".

وأكمل شحادة: "نشعر وكأن هناك ذلًا بحق المواطنين، وهذه ليست الطريقة الصحيحة لدعم الشعب اللبناني ومساعدته".

"الأسعار نار"، هذا ما قاله أبو هاني، مواطن خمسيني أثناء تسوقه، في إشارة إلى غلاء المواد الغذائية، لافتًا إلى أن "المواطنين لا يستطيعون شراء السلع غير المدعومة. وفي حال توافرها، يتهافت المواطنون في السوق عليها".

وارتفع معدل الفقر في لبنان خلال 2020 إلى 55 بالمئة، بينما تزايد معدل الذين يعانون من الفقر المدقع بثلاثة أضعاف، من 8 بالمئة إلى 23 بالمئة، وفقًا لتقرير "لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا" (الإسكوا).

جشع التجار

قال المدير العام لوزارة الاقتصاد، محمد أبو حيدر، إن "قيمة الدعم الشهري للسلة الغذائية كان يبلغ 200 مليون دولار، لكن أخيرًا بات يبلغ 80 مليون دولار شهريًا بعدما تم حصر الدعم بالسلع الضرورية".

ولفت أبو حيدر، أن هبوط قيمة الليرة مقابل الدولار سبَّب ارتفاعًا في أسعار السلع الغذائية، لأن أكثر من 80 بالمائة من الغذاء في لبنان مستورد.

وأضاف: "في ظل ذلك، إضافة إلى انخفاض القدرة الشرائية عند معظم الناس... أصبح طبيعيًا اللجوء إلى السلع الأرخص، أي المدعومة".

لبنان ينكمش على نفسه (أ. ب.)

وما زاد الطين بلة قيام بعض التجّار بإخفاء المواد المدعومة التي تصلهم، أو بيعها على أنها غير مدعومة بهدف مضاعفة أرباحهم.

وقال أبو حيدر: "للأسف هذا جشع على حساب مواطن جريح لا يستطيع تأمين قوته اليومي.. البعض يعيد تعبئة المواد المدعومة بأكياس أخرى على أنها أصناف غير مدعومة، وقد كشفنا الكثير منهم وأحلناهم إلى القضاء".

الحل النهائي

"من الخطأ دعم السلع وعدم دعم المواطن"، هذا ما أشار إليه المدير العام لوزارة الاقتصاد، لافتًا إلى أن دعم السلع كانت أفضل الحلول عندما وقعت الأزمة الاقتصادية. لكنه أكد أن الحل الأمثل هو بدعم المواطن مباشرة من خلال بطاقة تمويلية، وليس دعم السلع.

وعن مدى إمكانية تطبيق ذلك، قال أبو حيدر إن وزارة الاقتصاد قدمت خطة إلى الحكومة تحت عنوان "ترشيد الدعم"، لكن القرار في ذلك يعود إلى الحكومة مجتمعة.

وأشار أبو حيدر إلى أن الحل النهائي يكون بالاستقرار السياسي في البلاد وتشكيل حكومة، وخفض سعر صرف الدولار في السوق الموازية.

وجراء خلافات سياسية، يعجز لبنان عن تشكيل حكومة لتخلف حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة حسان دياب، والتي استقالت في 10 آب/ أغسطس الماضي، بعد 6 أيام من انفجار كارثي في مرفأ العاصمة بيروت أسفر عن مقتل حوالى 200 لبناني.

التعليقات