مزحة بـ90 مليار دولار… قصّة صعود الدوج كوين وهبوطه

قرّر ماركوس العمل مع بالمر على تطوير الدوج كوين. بالمر لم يستجب في البداية، لكنّ ماركوس قرّر العمل على المشروع، وبدأ في إعادة كتابة كود البتكوين فيما يلائم عملة الدوج كوين

مزحة بـ90 مليار دولار… قصّة صعود الدوج كوين وهبوطه

(getty)

مزحة بـ90 مليار دولار… قصّة الدوج كوينمع بداية أيّار/ مايو 2021، تجاوزت عملة الدوج أرقامًا قياسيّة. في البداية، كانت دوج كوين عبارة عن مزحة ليس إلّا، لكنّ هذه المزحة تطوّرت حتّى وصلت إلى قيمة سوقيّة تفوق الـ90 مليار دولار. فكيف وصلت هذه العملة إلى هذا الارتفاع الخياليّ؟

بدأ تاريخ دوجكوين عندما توجّه الأسترالي جاكسون بالمر، وهو مهندس برمجيّات في شركة "أدوبي"، إلى أسواق العملات المشفّرة، بقصد السخرية والاستهزاء من هذا المجتمع، ثمّ قام بالتغرين بأنّ عملة الدوج كوين الخاصّة به ستكون العملة المشفّرة التالية بعد البتكوين، وكان ابتكاره محصورًا ما بين العملات المشفّرة، وعالم الميمز. ومع انتشار التغريدة، اشترى جاكسون نطاقًا باسم Dogecoin.com ووضع عليه صورة كلب الشيبا، ثمّ حوله إلى عملة معدنيّة… ثمّ ترك ملاحظة صغيرة على الموقع تقول "إذا كنت ترغب في جعل الدوج كوين حقيقة، فتواصل معنا".

في هذه الأثناء، رأى مهندس البرمجيّات في شركة "آي بي إم" بيلي ماركوس تغريدة بالمر، وكان في هذه اللحظات يُنهي العمل على مشروعه الخاص "بيلز"، وهي عملة مشفّرة، وقرّر قضاء عطلة نهاية الأسبوع لإنشاء شيء ما على سبيل المزاح، من خلال استخدامه للكود الخاصّ للبتكوين مفتوح المصدر. ومع فشل مشروعه قرّر ماركوس إرسال رسالة عبر موقع Dogecoin.com، والتي كانت سببًا في صنع التاريخ بعد ذلك.

إنشاء مزحة بملايين الدولارات

ماركوس (تويتر)

قرّر ماركوس العمل مع بالمر على تطوير الدوج كوين. بالمر لم يستجب في البداية، لكنّ ماركوس قرّر العمل على المشروع، وبدأ في إعادة كتابة كود البتكوين فيما يلائم عملة الدوج كوين. وأنشأ بذلك، 100 مليار عملة دوج كوين، وكان من السهل تعدينها.

استغرق الوقت للقيام بهذا الأمر حوالي 3 ساعات. حتّى أنّ معظم هذا الوقت ذهب من أجل إضافة رسوم وصور هزليّة للكلاب، وبعد أسبوع فقط، بدأ الدوج كوين في الظهور والانتشار.

لم يكن ماركوس أو بالمر قد عدّنا أيّ قطعة من الدوج كوين من قبل، وبمجرّد إطلاق العملة، فقد كان ماركوس هو أوّل شخص يقوم بالتعدين، ونظرًا لأنّ التعدين يزداد صعوبة مع الوقت، فإنّ الكمبيوتر الشخصيّ لماركوس أصبح بطيئًا بعد خمس دقائق فقط من عمليّة التعدين…

على الفور، انفجرت قصّة الدوج كوين على موقع "ريديت"، ممّا ضاعف القيمة السوقيّة للعملة إلى 8 ملايين دولار في ذلك الوقت. وشاعت العملة، بعد استخدامها على الموقع كـ"بقشيش"، واعتبروها وسيلة للمكافأة على الإنترنت.

أخذ النكتة إلى آفاق جديدة

مع دخول عام 2014، بدأ الثنائي بالتفكير بشكل مرح في هذه العملة، وأخذها إلى آفاق جديدة. من هُنا خرجت أوّل فكرة في طلب التبرّعات من أجل فريق زلّاجات رياضيّ. فقاموا بجمع 25 ألف دولار… بالطبع، لم تكن هذه هي المبادرة الخيريّة الوحيدة من قب المؤسّسين، إذ تبرّع لاحقًا الثنائيّ بكلّ ما يملكانه من عملة الدوج كوين لمبادرات خيريّة. إذ ساعدوا في بناء آبار مياه في كينيا، كما جمعوا الأموال للمساعدة في تدريب الكلاب التي تساعد الأطفال المصابين بالتوحّد.

أخذ هذا المجتمع الجديد ينمو، وكان من الصعب بمكان الحفاظ على الروح الأوليّة. وهُنا، بدأ القلق عند الناس بشأن سعر عملة الدوج كوين. بالنسبة لماركوس، كان الدوج كوين لا يزال مجرّد عملة مشفّرة للمزاح، إلّا أنّ القيمة السوقيّة في عام 2014، ارتفعت بشكل قياسيّ إلى ما يقارب 90 مليون دولار، ممّا أدى ذلك إلى جذب مزيد من الناس الباحثين عن فرصتهم في كسب المال، وقرّر ماركوس في هذه الأثناء، التخلّي عن هذه العملة، وفي وقت لاحق، سيتخلّى بالمر كذلك عن المشروع، بعد الحادث الشهير مع بورصة "مولاه" التي كان يتمّ بيع وشراء الدوج كوين عليها، ومع ذلك، في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2014، أفلست البورصة، وخسر الكثير من المستثمرين في الدوج كوين نقودهم، وبعد تحقيق استمرّ لثلاث سنوات، شاركت فيه شرطة المملكة المتّحدة، تجاوزت القيمة السوقيّة للدوج كوين إلى 2 مليار دولار، ومع ذلك، فقد انهار طوال ذلك العام، وبحلول تشرين الثاني/ نوفمبر، وصلت القيمة السوقيّة إلى 250 مليون دولار.

إيلون ماسك وقيامة الدوج كوين

حتّى بداية عام 2021، ظلّ الوضع هادئًا نسبيًّا، إلى أن بدأت روّاد "ريديت" بالحديث حول الدوج كوين، ممّا تسبّب في زيادة سعرها 250٪، وبعد وقت قصير من هذا الأمر، تسبّب مؤسّس تيسلا، إيلون ماسك، في انفجار السعر، من خلال تغريدة تظهر صاروخًا ينطلق إلى القمر مع علامة الدوج كوين، لتصل العملة إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، بقيمة سوقيّة تصل إلى 90 مليار دولار.

أيّ شيء في النهاية يتطلّب الخروج من خصائصه الفيزيائيّة، ويحتاج إلى السرد. بمعنى، أنه إذا قال أحدهم أنّ البتكوين سيحدث ثورة في العالم، فهذا بيان مدروس، إلّا أنّه لا يمكن التحقّق منه على الفور، وهكذا بدأ الدوج كوين، بعبارة مدروسة للغاية "سيكون الدوج كوين هو الشيء الكبير التالي". وسرعان ما بدأ الجمهور بالدخول في العملة، ممّا أدّى إلى ارتفاع الأسعار، وازدادت رغبة الآخرين في الحصول على الدوج كوين، ومع زيادة الطلب المستمرّة، وزيادة السعر المستمرة ـ بدأت الدائرة العكسيّة، إذ فاقمت تغريدات إيلون ماسك من هذه الظاهرة.

كلّنا نعرف أنّه لا يوجد مشروع حقيقيّ من وراء عملة الدوج كوين، وهو ما كان يؤخذ على أنّه نقطة ضعف، إلّا أنّ ذلك في هذه القصّة، كان نقطة القوّة التي ارتكزت عليها العملة، فهي لم تأت من مشروع، إنّما من اتّصالها بالمستخدمين عاطفيًّا.

الدوج كوين هو ميم. لا أكثر ولا أقلّ، مجرّد نكتة، تحوّلت إلى قيمة سوقيّة هائلة!

كان عالم الأحياء التطوّري، ريتشارد دوكينز، قد عرّف مفهوم الميم عام 1976، على أنّه فكرة أو سلوك أو أسلوب يمكن نشره بسرعة من شخص لآخر، وتمّ تصميم الميمز لنقل الحالة العاطفيّة بطريقة يسهل فهمها.

بهذا الشكل، استخدم بالمر ميم الدوج كوين الذي يحتوي على صورة كلب، وهو ما ولّد اتّصالًا مع الجمهور، إذ كان الناس يتسابقون على إعطاء التفسيرات لصورة الكلب هذا، ممّا سهّل من انتشارها، ونتيجة لذلك، أصبح الجمع بين الميم والعملة المشفّرة، مزيجًا قويًّا للانتشار.

هل الدوج كوين سيئ للعملات المشفرة؟

كان لظاهرة الدوج كوين انتقادات عديدة، بالإضافة إلى أنّ هذه الظاهرة، كانت مدخلًا جيّدًا لنقّاد ومهاجمي فكرة البتكوين والعملات المشفّرة، حيث تمّ اتهامها بأنّها مجرّد فقاعة، وخرجت التحذيرات للمستثمرين في العملة، إلّا أنّ الأمر لم يكن بهذا الشكل فقط، فالمستثمرون كانوا يزدادون يومًا بعد يوم في العملة، وكذلك المضاربون. ومع ذلك، فإنّ الفقاعات في الاقتصاد ليست جديدة ومحصورة في الدوج كوين فقط، لطالما حدثت عبر التاريخ وما زالت تحدث، ببساطة، لأنّها تشكّلت بفضل الرغبة والشوق، وهي مبنيّة على عواطف في الأساس، لا منطق. والعواطف هي جزء من طبيعتنا البشريّة.

بعد تكوين الفقاعة، ندخل في عدّة مراحل، أوّلها النشوة التي لدى المستثمرين تجاه شيء جديد وثوريّ، مثل هذه التكنولوجيا. في هذه اللحظة، يبدأ المستثمرون الأكثر ذكاء في جمع أرباحهم، ممّا يؤدّي بدوره إلى الانخفاض في السعر، ومع الانخفاض، يبدأ المستثمرون بالذعر، لتنفجر الفقاعة.

ويعرّف الخبير الاقتصاديّ روبرت جيه، الفقاعة الاقتصاديّة بأنّها حالة يمكن أن تحفّز فيها الأخبار زيادة الأسعار وحماس المستثمرين، وهي تنتشر كالعدوى بين الناس، ويجذب هذا بدوره فئة متزايدة من المستثمرين.

إنّ الأصول مثل دوج كوين، هي متقلّبة على وجه التحديد، لأنّها لا تملك مشروعًا حقيقيًّا، وكذلك لأنّها تعتمد على سرديّات. ولا توجد أسس وراء ذلك.

في الأوّل من يناير 2021، كانت القيمة السوقيّة للدوج كوين 625 مليون دولار، وبعد خمسة أشهر، وصلت إلى أكثر من 90 مليار دولار، قبل الانهيار الكبير الذي أفقدها أكثر من 90٪ من قيمتها السوقيّة.

التعليقات