هل يقف العالم على أعتاب أزمة اقتصاديّة كبرى؟

يحذّر خبراء من انهيار وشيك في أسواق الأسهم، في ظلّ السياسة الماليّة التي يتّبعها الفيدراليّ الأميركيّ بقيادة جيرومي باول، برفع أسعار الفائدة في محاولة لخفض معدّلات التضخّم والبطالة، وهو ما يذكّر بالأزمة الماليّة العالميّة التي حدثت عام 2008

هل يقف العالم على أعتاب أزمة اقتصاديّة كبرى؟

(Getty)

طلبت السلطات الأميركيّة من عدّة مؤسّسات ماليّة، تقديم عروض لشراء أصول بنك "ريببلك" الذي انهار خلال الأيّام الماضية، وفقدت أسهمه نحو 50٪ قبل وقف التداول بها.

ويعاني البنك منذ منتصف مارس/ آذار الماضي، من مشاكل وصفها خبراء بـ"الحقيقيّة"، جيث جاء هذا الانهيار في وقت يتوقّع فيه العديد من الخبراء بانهيار عدد كبير من البنوك الأميركيّة، بعد انهيار بنك "سيليكون فالي".

وفشل المصرف في التوصّف إلى حزمة إنقاذ مرضية، كما أكّدت وسائل إعلام، أنّ العديد من عملاء البنك سحبوا ودائعهم المقدّرة بأكثر من 100 مليار دولار، وهو ما أجبر السلطات الأميركيّة للتدخّل.

وفي سياق متّصل، يحذّر خبراء من انهيار وشيك في أسواق الأسهم، في ظلّ السياسة الماليّة التي يتّبعها الفيدراليّ الأميركيّ بقيادة جيرومي باول، برفع أسعار الفائدة في محاولة لخفض معدّلات التضخّم والبطالة، وهو ما يذكّر بالأزمة الماليّة العالميّة التي حدثت عام 2008، والتي أدّت إلى انهيار أسواق الأسهم، وإفلاس العديد من البنوك في أميركا والعالم، بالإضافة إلى الكساد الكبير الذي حدث عام 1929.

وحدث أوّل انهيار كبير لسوق الأوراق الماليّة في القرن العشرين في عام 1929، والّذي غالبًا ما يشار إليه باسم الكساد الكبير، حيث كانت السياسات الاقتصاديّة الّتي أدّت إلى هذا الانهيار مرتبطة بشكل رئيسيّ بالصناعة المصرفيّة غير المنظّمة وعدم تدخّل الحكومة في الاقتصاد، حيث فشل البنك الاحتياطيّ الفيدراليّ في تنظيم الصناعة المصرفيّة، ممّا أدّى إلى قيام البنوك باستثمارات محفوفة بالمخاطر وزيادة الائتمان للعملاء، وأدّى هذا إلى خلق فقّاعة في سوق الأسهم انفجرت في النهاية وأدّت إلى الانهيار.

وكانت آثار انهيار سوق الأسهم مدمّرة لملايين الأميركيّين، وحسب دراسة أجرتها جامعة إلينوي، فقد ارتفع معدّل البطالة في الولايات المتّحدة من 3.2٪ في عام 1929 إلى 25% في عام 1933، وقد ترك هذا العديد من الأشخاص بلا عمل، ويكافحون من أجل إعالة أسرهم، كما أدّى عدم تدخّل الحكومة في الاقتصاد إلى عدم وجود شبكات أمان لأولئك الّذين فقدوا وظائفهم أو منازلهم، ممّا أدّى إلى انتشار الفقر والتشرّد.

وحدث الانهيار الكبير التالي في سوق الأسهم في عام 1987، والّذي يشار إليه غالبًا باسم "الإثنين الأسود"، حيث كانت السياسات الاقتصاديّة الّتي أدّت إلى هذا الانهيار مرتبطة بإلغاء القيود على الصناعة الماليّة واستخدام التداول بالكمبيوتر، وسمح تحرير الصناعة الماليّة للبنوك بالانخراط في استثمارات محفوفة بالمخاطر، بينما سمح تداول الكمبيوتر بكمّيّات كبيرة من الأسهم ليتمّ تداولها في فترة زمنيّة قصيرة.

ولم تكن آثار انهيار سوق الأسهم شديدة مثل الكساد العظيم، لكنّها ما زالت تؤثّر على الاقتصاد وحياة الناس، ووفقًا لدراسة أجراها المكتب الوطنيّ للبحوث الاقتصاديّة الأميركيّ، كان لانهيار سوق الأوراق الماليّة عام 1987 تأثير سلبيًّا على الإنفاق الاستهلاكيّ والنموّ الاقتصاديّ في الولايات المتّحدة، كما أدّى ذلك إلى تباطؤ الاقتصاد وارتفاع معدّلات البطالة.

وحدث الانهيار الأخير في سوق الأسهم في عام 2008، والّذي غالبًا ما يشار إليه باسم الركود العظيم، حيث أنّ السياسات الاقتصاديّة الّتي أدّت إلى هذا الانهيار كانت مرتبطة بسوق الإسكان وغياب التنظيم في الصناعة الماليّة، كما كانت البنوك تقدّم قروضًا عقاريّة للأشخاص الّذين لا يستطيعون تحمّلها، ممّا خلق فقّاعة في سوق الإسكان، عندما انفجرت الفقّاعة، أدّى ذلك إلى موجة من حبس الرهن العقاريّ وانخفاض قيمة المنازل بشكل جنونيّ.

وكانت تأثيرات انهيار سوق الأسهم في عام 2008 مماثلة لتلك الّتي خلّفتها فترة الكساد الكبير، وحسب دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث، فقد ارتفع معدّل البطالة في الولايات المتّحدة من 5% في ديسمبر 2007 إلى 9.5٪ في يونيو 2009، وقد ترك هذا العديد من الأشخاص بلا عمل، كما أدّى الافتقار إلى التنظيم في الصناعة الماليّة إلى عدم وجود شبكات أمان لأولئك الّذين فقدوا منازلهم أو استثماراتهم.

ويشير اقتصاديّون إلى أنّ الانهيار الماليّ في عام 2008، والمعروف أيضًا باسم "الركود العظيم"، أزمة اقتصاديّة عالميّة كان لها تأثير كبير على الاقتصاد العالميّ، وقد نجم هذا الانهيار عن عدّة عوامل، بما في ذلك أزمة الرهن العقاريّ، وتورقة الرهون العقاريّة، وفشل المؤسّسات الماليّة الكبرى.

وكانت أزمة الرهن العقاريّ أحد الأسباب الرئيسيّة للانهيار الماليّ في عام 2008، حيث كانت القروض العقاريّة عالية المخاطر عبارة عن قروض سكنيّة تمّ تقديمها للمقترضين الّذين لديهم درجة ائتمان منخفضة، أو كانوا يعتبرون من المقترضين ذوي المخاطر العالية، وغالبًا ما كانت هذه الرهون العقاريّة عبارة عن رهون عقاريّة ذات معدّل قابل للتعديل، ممّا يعني أنّ سعر الفائدة سيرتفع بعد فترة زمنيّة معيّنة.

وتمّ تقديم العديد من قروض الرهن العقاريّ عالية المخاطر مع دفعة أولى قليلة أو معدومة، حتّى إنّ بعضها عرض دون التحقّق من دخل المقترض أو وضعه الوظيفيّ والماليّ، ونتيجة لذلك، حصل العديد من المقترضين على قروض عقاريّة لا يستطيعون سدادها، وعندما ارتفع سعر الفائدة على هذه القروض، لم يتمكّن العديد من المقترضين من سداد أقساط الرهن العقاريّ، ممّا أدّى إلى موجة من حبس الرهن العقاريّ.

وبحسب الدراسة، فقد كان فشل المؤسّسات الماليّة الكبرى عاملًا آخر ساهم في الانهيار الماليّ في عام 2008، إذ استثمرت المؤسّسات بكثافة في الأوراق الماليّة المدعومة بالرهن العقاريّ، والّتي أصبحت بلا قيمة عندما ضربت أزمة الرهن العقاريّ، وكانت هذه المؤسّسات أيضًا ذات نفوذ كبير، ممّا يعني أنّها اقترضت مبالغ كبيرة من المال للاستثمار في هذه الأوراق الماليّة، وعندما انخفضت قيمة هذه الأوراق الماليّة، لم تتمكّن المؤسّسات من الوفاء بالتزاماتها تجاه دائنيها، ممّا أدّى إلى موجة من حالات الإفلاس وعمليّات الإنقاذ، وكان لهذا تأثير مضاعف على النظام الماليّ بأكمله، ممّا تسبّب في تجميد أسواق الائتمان وتراجع النشاط الاقتصاديّ.

التعليقات