تراكم الثروات وانعدام المساواة: آثار كبيرة على التماسك الاجتماعيّ

يقدّم كتاب توماس بيكيتي المؤثّر، "رأس المال في القرن الحادي والعشرين"، تحليلًا شاملًا للاتّجاهات طويلة الأجل في تراكم الثروة وعدم المساواة

تراكم الثروات وانعدام المساواة: آثار كبيرة على التماسك الاجتماعيّ

(Getty)

لطالما كان عدم المساواة الاقتصاديّة وتوزيع الثروة موضوع بحث أكاديميّ مكثّف ونقاش عامّ، حيث أنّ الفوارق في توزيع الثروة داخل المجتمعات لها آثار كبيرة على التماسك الاجتماعيّ والاستقرار الاقتصاديّ والرفاهية العامّة، وبحسب باحثين، فإنّ التفاوت الاقتصاديّ والتوزيع غير المتكافئ للثروة ظاهرتان مركّبتان تتأثّران بالعديد من العوامل، حيث تساهم العولمة والتقدّم التكنولوجيّ وركود الأجور والتفاوت في التعليم والمهارات والتمييز والسياسات الضريبيّة واللوائح الماليّة والتحويلات بين الأجيال في اتّساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

وقالت منظّمة أوكسفام في تقريرها الأخير، إنّ ثمانية أفراد فقط جميعهم رجال يمتلكون ثروة تعادل ما يملكه النصف الأفقر من سكان العالم. وطالبت المنظمة بالعمل على تقليص دخل أولئك الذين يتصدّرون القائمة.

وألقت دراسات عديدة الضوء على العلاقة المعقّدة بين عدم المساواة الاقتصاديّة وتوزيع الثروة في المجتمعات المختلفة، حيث تعمّقت دراسة أجريت بعنوان "the spirit level" أو "مستوى الروح" في العلاقة بين عدم المساواة الاقتصاديّة والمجتمع الرفاه، حيث قارنت الدراسة البيانات من مختلف البلدان، ممّا يدلّ على نمط ثابت: تميل المجتمعات الأكثر مساواة إلى تحقيق نتائج أفضل في مجموعة واسعة من المؤشّرات الاجتماعيّة، بما في ذلك النتائج الصحّيّة، والتحصيل التعليميّ، والحراك الاجتماعيّ، ومعدّلات الجريمة.

وقال القائمون على الدراسة، إنّ عدم المساواة يؤثّر سلبًا على التماسك الاجتماعيّ والثقة، ممّا يؤدّي إلى زيادة المشكلات الاجتماعيّة وتدهور نوعيّة الحياة للأفراد عبر طيف الدخل.

ويقدّم كتاب توماس بيكيتي المؤثّر، "رأس المال في القرن الحادي والعشرين"، تحليلًا شاملًا للاتّجاهات طويلة الأجل في تراكم الثروة وعدم المساواة، فمن خلال فحص البيانات التاريخيّة من عدّة بلدان، يكشف بيكيتي عن نمط مقلق لتركيز الثروة المتزايد بين المستويات العليا في المجتمع، حيث يقول إنّه عندما يتجاوز معدّل العائد على رأس المال معدّل النموّ الاقتصاديّ، فإنّ التفاوتات في الثروة تميل إلى الاتّساع بمرور الوقت. هذه الظاهرة، المعروفة باسم "r> g"، تديم دورة الثروة الموروثة وتعزّز الفوارق الاجتماعيّة والاقتصاديّة، ويؤكّد عمل بيكيتي على أهمّيّة تنفيذ السياسات الّتي تخفّف من تركيز الثروة، مثل الضرائب التصاعديّة وإعادة توزيع الثروة،

ودرس الكاتب جوزيف ستيجليتز في كتابه "ثمن عدم المساواة"، عواقب عدم المساواة الاقتصاديّة في الولايات المتّحدة، حيث سلّط ستيغليتز الضوء على الكيفيّة الّتي يؤدّي بها التوزيع غير المتكافئ للثروة إلى عدم الكفاءة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وخنق الابتكار والإنتاجيّة والنموّ الاقتصاديّ. وقال ستيجليتز إنّ التوزيع الأكثر إنصافًا للثروة يمكن أن يعزّز اقتصادًا أكثر صحّة وديناميكيّة من خلال توفير فرص أكبر للتنقّل الصاعد، والحدّ من الاضطرابات الاجتماعيّة، وتعزيز التماسك الاجتماعيّ، وعلاوة على ذلك، أكّد ستيجليتز على دور التدخّل الحكوميّ في تصحيح التفاوتات، والدعوة إلى السياسات الّتي تعزّز النموّ الشامل، مثل الاستثمارات في التعليم والرعاية الصحّيّة والبنية التحتيّة.

وحسب باحثين، فإنّ عدم المساواة الاقتصاديّة والتوزيع غير المتكافئ للثروة متعدّدة الأوجه يمكن أن تختلف باختلاف المجتمعات، وإن فهم هذه الأسباب ضروريّ لصياغة استراتيجيّات فعّالة لمعالجة المشكلة، حيث غيّرت قوى العولمة السريعة الاقتصادات في جميع أنحاء العالم، وبينما أدّت هذه التطوّرات إلى زيادة النموّ الاقتصاديّ والإنتاجيّة، فقد ساهمت أيضًا في زيادة التفاوتات في الدخل، حيث خلقت العولمة رابحين وخاسرين، مع استفادة بعض الصناعات والأفراد بشكل غير متناسب، وأدّت التطوّرات التكنولوجيّة، مثل الأتمتّة والرقمنة، إلى تقليل الطلب على الوظائف الّتي تتطلّب مهارات منخفضة مع تفضيل العمّال ذوي المهارات العالية، ممّا أدّى إلى تفاقم الفجوات في الأجور.

وفي العديد من البلدان، شهدت أجور غالبيّة العمّال ركودًا أو نمت بوتيرة أبطأ مقارنة بنموّ دخل أصحاب الدخول الأعلى، ومن العوامل الّتي تساهم في هذا الاتّجاه تراجع معدّلات النقابات، وضعف حقوق العمّال، وتحوّلات القدرة التفاوضيّة من العمّال إلى أصحاب العمل، وقد أدّى ذلك إلى حصّة غير متكافئة من المكاسب الاقتصاديّة تذهب إلى مالكي رأس المال والمديرين التنفيذيّين، ممّا أدّى إلى توسيع فجوة الدخل.

ويلعب التعليم دورًا حاسمًا في تحديد الكسب المحتمل للأفراد والتنقّل الاجتماعيّ والاقتصاديّ، حيث تساهم الفوارق في الحصول على التعليم الجيّد، لا سيّما في مرحلة الطفولة المبكّرة والتعليم العالي، في عدم تكافؤ الفرص وإدامة فجوات الثروة بين الأجيال، ويؤدّي الاستثمار غير الكافي في التعليم وبرامج تنمية المهارات غير الكافية إلى تفاقم عدم المساواة الاقتصاديّة من خلال الحدّ من قدرة الأفراد على المنافسة في سوق العمل.

التعليقات