17/09/2021 - 20:41

رسالتان من الأسيريْن عارضة.. لو كانت أيام الحريّة الخمسة كلّ حياتي لوافقت

وجّه الأسيران، محمد ومحمود عارضة، رسالة من داخل أقبية التحقيقات التي تجريها معهما أجهزة الأمن الإسرائيلية، فأما محمد شدّد على أن لحظات الحرية التي عاشها تعادل كلّ حياته، فيما بعث محمود ليطمئن على والدته وعائلته

رسالتان من الأسيريْن عارضة.. لو كانت أيام الحريّة الخمسة كلّ حياتي لوافقت

صورة أسرى الجلبوع مرفوعة في غزة (أ ب أ)

"رغم مرارة وصعوبة المطارَدة والجوع... لو كانت الأيام الخمسة فقط هي كل حياتي لوافقت"، هذه هي الرسالة التي وجّهها الأسير محمد عارضة إلى شعبه الفلسطينيّ، مشدّدا فيها على أنّه لو كانت أيام الحريّة التي عاشها عقب نجاحه بالفرار من سجن الجلبوع قبل أن يُعاد اعتقاله؛ "كلّ حياته" لوافق على ذلك. كما شددّ في رسالته التي سجّلها محامي هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين، خالد محاجنة، بخطّه، نقلا عن الأسير بشكل حرفيّ؛ على أنّ "بلادنا حلوة... ديرو بالكم عليها"، فيما قال الأسير محمود عارضة: "يا أهل الشمال والناصرة، أنتم أحب الناس وما خنتم العهد، وسمعنا أصداء حناجركم التي اشرأبت لها الأعناق فنسينا القيود والسجان، وأصوات حناجركم وصلت بنا لقمة السماء، فالتحية والمجد لكم وأنتم أهل الأرض من مسيحيين ومسلمين ومن كل الطوائف".

رسالة الأسير بشكل حرفي كما نقلها عنه المحامي (خاصّ بـ"عرب 48")

وأكّد محاجنة أحد المكلّفين بالدفاع عن الأسرى، بعد زيارته للأسير، في حديث خاصّ مع "عرب 48"، مساء اليوم الجمعة. أنّ معنويات الأسير محمد عارضة عالية جدا، كما نقل عن الأسير قوله، إنه تعمّد عدم الدخول للبلدات العربية، لئلّا "يورّط أحدًا (من هذه البلدات)، ولئلا يُقدَّموا للمساءلة".

وأوضح محاجنة أنّه لم يتم التحقيق مع الأسير خلال الأيام الأخيرة، "بسبب الأعياد اليهودية"، مشيرا إلى أن عارضة ما يزال في زنزانته، ولم يبدّل ملابسه خلال الأيام الأخيرة، و"سُمِح له أن يستحمّ أمس الخميس، مرّة أخرى".

وذكر أنّه "سُمح له (للأسير) بالنوم أكثر من الفترة السابقة، خلال اليومين الأخيرين"، مشدّدا على أنه "لم ينَم خلال الخمسة أيام الأولى، سوى 10 ساعات فقط".

وأشار محاجنة إلى أن "كلّ أسئلة محمد، كانت حول المحاكمة المستقبلية"، موضحا أنه شرح للأسير، مجريات المسار القضائيّ.

وقال محاجنة إن "جلسةَ محاكمة أخرى، سوف تُعقد يوم الأحد المقبل، من أجل البتّ بطلب النيابة والمخابرات بالأساس، بتمديد اعتقال محمد والآخرين (الأسرى)، لاستكمال التحقيق معهم".

وأضاف: "أنا أتوقع أنه في نهاية مسار التحقيق، سوف تُقدَّم لوائح اتهام بتُهم أمنية خطيرة"، عازيا ذلك إلى أن "إسرائيل تبحث عن إنجاز، لتغطي على الفشل والإحراج الذي سببهما الأسرى".

وذكر محاجنة أنه "رغم الحُزن بسبب إعادة اعتقاله مرة أخرى، ورغبته في لقاء أمّه ومعانقتها، والتواجد في منزله، إلا أن محمد على قناعة تامّة أنه سيُفرَج عنه يوما ما".

وأضاف: "محمد وباقي الأسرى كانوا على دراية بحجم التضامن والحراك الشعبي الفلسطيني مع الأسرى والحركة الأسيرة (بشكل عام)"، موضحا أن محمد سمع المتظاهرين في الناصرة، يهتفون بشعارات مسانِدة له وللأسرى، ومشيرا في الوقت ذاته، إلى أن "كلمات إحدى الأغاني التي سمعها من قِبل المتظاهرين، ما تزال تتردّد في ذهنه".

وحول توقّعه في ما يخصّ تطوّر المسار القضائي، يوم الأحد المقبل، قال محاجنة: "أتوقّع أن تمدّد المحكمة اعتقال الأسرى الأربعة (المُعاد اعتقالهم)، من أجل إفساح المجال للمخابرات، للاستفراد بالأسرى مرة أخرى، والتحقيق معهم، حتّى اكتمال الرواية الإسرائيلية".

وأضاف المحامي، ساردا ما يعايشه الأسرى من معاناة: "هذه المرة الأولى التي يتجوّل فيها محمد بشكل مستقيم لأكثر من 20 مترا، إذ إنه لم يرَ الجبال والسهول خلال 22 عاما، وحتّى فاكهة الصبر لم يتذوّقها منذ أعوام"، مشددا على أن "هذه التفاصيل تعدّ طبيعية وعادية بالنسبة لشخص حرّ، غير أنها في غاية الأهمية بالنسبة لأسير مُعتَقل منذ 22 عاما، وتوضح ما هو معنى الحرية".

وأعاد محاجنة، التأكيد على أنه "تمّ الاعتداء على محمد والأسير زكريا زبيدي، خلال إعادة اعتقالهما"، موضحا أنه "تم رطم رأس الأسير بالأرض"، ومشددا على أنه "لم يتلق العلاج حتى هذه اللحظة، سوى الإسعافات الأولية التي قُدِّمَت له، حينما أُعيد اعتقاله، ومنذ ذلك الحين يعاني محمد من أوجاع في الرأس والأُذُن اليمنى".

وقال إن "التعذيب بالأساس، نفسيّ"، مشيرا إلى أنه يعيش في زنزانة "لا ترتقي للحدّ الأدنى من المستوى المعيشي"، وموضحا أنه كان يُحقّق مع الأسير لأكثر من 15 ساعة بشكل يوميّ، حينما أُعيد اعتقاله.

وذكر محاجنة أن "محمد عندما سمع عبر الإذاعات التضامن معه ومع الأسرى، وجّه رسالة لكل الشعب الفلسطيني في كلّ أماكن تواجده، للاستمرار في التضامن والحراك، من أجل رفع الظّلم الذي ترتكبه مصلحة السجون (الإسرائيلية) بحق الأسرى... لأن هذه الطريقة الوحيدة المتاحة لدى الشعب الفلسطيني، للضغط أكثر على المؤسسة الإسرائيلية، للحدّ من كل الانتهاكات التي تُتركب بحق الأسرى".

رسالة إلى والدة أسير
في السياق، وجّه الأسير محمود عارضة رسالة إلى والدته، عبر محامي الهيئة، رسلان محاجنة، قال فيها إنه "حاول المجيئ إليها ليعانقها، قبل أن تغادر الدنيا"، في إشارة إلى حكم الحبس مدى الحياة المفروض عليه، والذي سيحول دون لقاء والدةٍ بابنها الأسير.

وأكد المحامي رسلان، أن الوضع النفسي والمعنوي والجسدي للأسير محمود العارضة جيد جدا. وأوضح في حديث مع "عرب 48"، أنّ الأسرى لم يطلبوا مساعدة من أي شخص في البلدات العربية.

وقال رسلان، إن الأسير "جدد التأكيد خلال الزيارة أن الأسرى الذين تمكنوا من انتزاع حريتهم، لم يطلبوا المساعدة من أي أحد في الداخل قبل أن يتم الإعلان عن تمكنهم من انتزاع حريتهم، لعدم التأثير على المواطنين وللحيلولة دون تحميلهم مسؤولية جنائية".

وقال محمود، بحسب ما نقل عنه المحامي: "لم يخنا أحد من مواطني الـداخل، وسعي سلطات الاحتلال خلال التحقيق للزج بمواطنين من الناصرة على أنهم من قاموا بالوشاية عن الأسرى الستة غير صحيح، ولا يتعدى كونه أسلوب مخابرات لزرع الشك والفتنة".

وذكر محمود، أن اعتقاله "كان عن طريق الصدفة، حيث لمحهم أفراد دورية لشرطة الاحتلال مرت من منطقة الوادي القريب من حي الفاخورة بمنطقة جبل القفزة بالناصرة"، نافيا ما تردد في وسال إعلام إسرائيلية، حول إعادة تمثيل عملية انتزاع الحرية، مؤكدا أن كل ما ينشر في هذا الإطار هو كذب وتشويه للحقيقة.

وثمّن الأسير، الحراك الشعبي والهبة الجماهيرية التي تلت عملية انتزاع الحرية، وكذلك وحدة الشعب الفلسطيني حول قضية الأسرى في سجون الاحتلال، بالضفة الغربية وقطاع غزة ومدن وبلدات الداخل ومخيمات الشتات في الخارج. وقال: "إذا استطعت تحريك الشارع وتوحيده حول قضية معينة، فهذا بالنسبة لي إنجاز حتى لو أعيد اعتقالي".

وخلال لقاء المحامي، أشار الأسير محمود إلى أنه ارتدى خلال فترة حريته التي انتزعها، جرابا من ابنة شقيقته وقميصا من ابن شقيقه، وكان يحمل علبة عسل كان سيهديها لوالدته.

وذكر رسلان أن الأسير محمود "شخص قوي ويحمل صفات القائد، وكل كلمة ينطقها موزونة، ونقل الرسائل بلغة أدبية قوية وبشكل ارتجالي". وأضاف: "معنوياته عالية، وغير نادم على ما حصل، وقد أبدى اهتماما كبيرا بأحوال الأسرى بعد عملية انتزاع الحرية، وسـأل عن مصيرهم والعقوبات التي فرضت عليهم".

وتوقع أن تنتهي المحاكمة بتوجيه لائحة اتهام لهم تتعلق بـ"هروبهم من سجن جلبوع، وبموجب ذلك ستضاف فترة اعتقال إضافية إلى أحكامهم السابقة".

وأشار في هذا السياق، إلى أن الحكم الجديد لن يترك أثرا نفسيا أو معنويا على الأسرى الذين أعيد اعتقالهم، ولا سيما أن ثلاثة منهم يقضون أحكاما بالمؤبدات ومدى الحياة.

وفي ما يلي نصّ الرسالة بشكل حرفيّ، بحسب ما أوردتها الهيئة:

"بعد التحية والسلام، حاولت المجيئ لأعانقك يا أمي، قبل أن تغادري الدنيا لكن الله قدّر لنا غير ذلك.

أنتِ في القلب والوجدان وأبشرك بأنني أكلت التين من طول البلاد، والصبر والرمان، وأكلت المعروف والسماق والزعتر البري، وأكلت الجوافة بعد حرمان 25 عاما، وكان في جعبتي علبة عسل هدية لك، سلامي لأخواتي العزيزات باسمة وربى وختام وسائدة، وكل الأخوان فأنا مشتاق لهم كثيرا.

تنسمت الحرية ورأينا أن الدنيا قد تغيّرت، وصعدت جبال فلسطين لساعات طويلة، ومررنا بالسهول الواسعة، وعلمت أن سهل عرابة بلدي، قطعة صغيرة من سهول بيسان والناصرة.

سلام إلى كل الأهل والأصدقاء. سلامي إلى ابنة شقيقتي أفيهات التي لبست جرابينها (جواربها) وقطعت بها الجبال، سلام إلى عبد الله وهديل ويوسف وزوجة رداد والأهل جميعا: سارة ورهف وغادة ومحمد والجميع. سلام خاصة إلى هدى، وأنا مشتاق إليها كثيرا وسأبعث لها كل القصة والحكاية

ابنك محمود عارضة".

عن عمليّة الحفر وكيفيّتها...

وبحسب المحامي، فقد حفر الأسير محمود فتحة الخروج إلى النفق، وكان هو "من نفذها بشكل منفرد، إذ قام بقصّ الحدي، مستعملا برغيا حديديا كان قد وجده وكان باستطاعة هذا البرغي الدخول بالحديد".

إحدى الأدوات التي استخدمها الأسرى بالحفر

وأضاف المحامي: "كان بحوزته شقفة (قطعة) حديد... ساعدته في قص الصاج المغطي لحفرة المجاري".

وتابع المحامي: "بعد إنجاز الفتحة بدأوا بحفر النفق بأدوات صلبة كانت بحوزتهم، واشترك في الحفر مناضل انفيعات بشكل كبير ومحمد عارضة ويعقوب قادري وأيهم كممجي".

وأضاف: "ما ساعدهم هو مواد البناء التي تركت أثناء بناء السجن من قضبان حديد، وأدوات صلبة وحبال، وهذا أراحهم في عملية استكمال حفر النفق".

يُذكر أن الأسرى الفلسطينيين الستة الذين نجحو في الفرار من سجن جلبوع الاسرائيلي شديد الحراسة، هم: محمود عارضة ومحمد عارضة وأيهم كممجي ويعقوب قادري ومناضل انفيعات وزكريا زبيدي. وأعيد اعتقال 4 منهم هم: محمود عارضة ويعقوب قادري وزكريا الزبيدي ومحمد عارضة.

التعليقات