05/02/2010 - 14:33

مضيعة للوقت/ حسن عبد الحليم

-

مضيعة للوقت/ حسن عبد الحليم
تنضج مؤخرا فكرة عقد مفاوضات غير مباشرة بين وفدين إسرائيلي وفلسطيني، على غرار تلك التي جرت بين سوريا وإسرائيل بوساطة تركية في عهد الحكومة الإسرائيلية السابقة برئاسة إيهود أولمرت. ويبدو أن السلطة الفلسطينية تميل إلى الموافقة على المقترح الأمريكي بعد إجراء مشاورات مع الدول العربية المعتدلة كما رشح من تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. ولكن مفاوضات حول ماذا؟ بعد أن أوصد رئيس الوزراء الإسرائيلي كافة الأبواب، وبدأت تتكشف يوما بعد يوم رؤيته للحل(التي تنسف أي حل)، وتضرب في العمق خيار رئيس السلطة الفلسطينية الاستراتيجي والوحيد– المفاوضات. المفاوضات فقط ولا شيء غيرها.

لا يمكن ألا تستوقفنا أحاديث رئيس السلطة المتكررة عن مفاوضاته مع أولمرت، وعن «الشوط الكبير الذي قطعته»، وذلك في سياق تبرير خياره الوحيد، لأن تلك التصريحات تجافي الحقيقة، وترسم صورة إيجابية لمجرم الحرب أولمرت الذي شن حربين مدمرتين على غزة ولبنان وتظهره كحمامة سلام وديعة، وتوحي بأن عباس كان قاب قوسين أو أدني من توقيع اتفاق عادل معه لو بقي في منصبه.
فقد صرح عباس الأسبوع الماضي لصحيفة "غارديان" البريطانية بأنه «كان قريبا جدا من توقيع اتفاق مع رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت». وأن أولمرت «قدم عروضا أكبر من تلك التي قدمت للرئيس الراحل ياسر عرفات، وقطعت المفاوضات معه شوطا أكبر». مضيفا أن المفاوضات «شملت الحدود والقدس وعودة "قسم" من اللاجئين، غير أن حكومة نتنياهو رفضت قبول التفاهمات مع أولمرت كأساس لتجديد المفاوضات».
أعادتني تصريحات عباس إلى تصريحات سابقة كان قد أدلى بها لصحيفة هآرتس نهاية العام الماضي تناقض ما جاء في تصريحاته للغارديان، فقد صرح حينها بأن «المفاوضات في عهد أولمرت لم تستكمل، واقتصرت أساسا على الحدود، ولم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن القدس واللاجئين، كما لم يتم التحدث عن المياه إطلاقا». ووصف مفاوضاته مع أولمرت بالقول: "أجرينا مفاوضات مثل المساومة بين الشاري الذي يدخل حانوتا وبين البائع»، من الشاري ومن البائع، ومن السالب ومن السليب؟ ولماذا التصريحات المتناقضة وتجميل صورة مجرم حرب؟ أمن أجل تبرير الخيار الوحيد، والإيحاء بأن المشكلة تكمن في من يقف على رأس الحكومة الإسرائيلية وليست في الخيار!
إن مواقف الليكودي السابق "أولمرت"، لا تختلف عن مواقف رئيس الوزراء الحالي، نتنياهو فهما من نفس المدرسة. قد تختلف في العرض والتفاصيل ولكنها تلتقي في الجوهر. فلماذا يدأب رئيس السلطة الفلسطينية على تجميل بشاعة أولمرت؟ والإدلاء بتصريحات يفهم منها أن أولمرت مجرم الحرب وعراب تهويد القدس، حمامة سلام.

على ماذا المفاوضات يا سيادة الرئيس؟ فقد تجلت مواقف نتنياهو واضحة لا لبس فيها في خطابه في جامعة "بار إيلان"، وتحدث عن كيان فلسطيني على جزء من الضفة الغربية دون سيادة ودون القدس ودون حق العودة. وزادها مؤخرا بالتصريح بنية إسرائيل الإبقاء على قوات على طول الحدود مع الأردن، أي السيطرة على شريط حدودي لم يحدد مساحته، وكشف بذلك سر التعامل الإسرائيلي الخاص مع منطقة الأغوار.
كما أن تصريحاته خلال مشاركته في مراسم غرس شجرة في التكتلات الاستيطانية الأسبوع الماضي لا تبقي مجالا للشك بأنه لن يكتفي بضم التكتلات الاستيطانية والقدس ومنطقة الأغوار، بل يخطط أيضا إلى إبقاء السيطرة على منطقة البحر الميت. حيث صرح خلال زيارته لمستوطنة "معالية ادوميم" التي تعتبر كبرى مستوطنات الضفة الغربية بأنه «بعد ان تم تحرير المدينة "القدس" فتحت الطريق إلى البحر الميت واليوم تقف "معاليه ادوميم" على هذا الطريق كجزء من القدس». وأضاف نتنياهو «نحن هنا وسيستمر وجودنا هنا وسنبني هنا لان المكان جزء من القدس السيادية، لقد قدمت الى هنا من مجمع "غوش عتسيون" جنوب القدس الذي يمثل البوابة الجنوبية للقدس والآن انا في "معاليه ادوميم" البوابة الشرقية للقدس وقريبا سأزرع شجرة في مستوطنة ارئيل كما زرعت فيها جامعه، أتمنى لكم السعادة في ظل الشجرة التي سأزرعها هنا في ارض اسرائيل ".

إذن القدس قضمت، والأغوار، والبحر الميت. والتجمعات الاستيطانية ستضم. هل تبقي مواقف نتنياهو مجالا للشك لدى الفلسطينيين بأن مطلب تجميد الاستيطان لمدة ثلاث شهور لتجديد المفاوضات سخيف أمام قناعات هذا الرجل، الذي يعتبر الفلسطينيين في وطنهم «أغيارا»، ويعتبر فلسطين كلها «ارض الأجداد».

بماذا يشعر أصحاب خيار المفاوضات حينما يستمعون لنتنياهو ولماذا يتمسكون بخيارهم الوحيد، ولمذا يجدد رئيس السلطة الفلسطينية مرة تلو الأخرى التأكيد بأنه لن يسمح باندلاع انتفاضة ثالثة؟ وأنه لن يسمح للمقاومة بأن تخرج من الضفة الغربية؟ ولماذا يواصلون التنسيق الأمني مع الاحتلال؟
هل ينتظرون الراعي الأمريكي «المحايد إلى جانب» بأن يضغط على الحكومة الإسرائيلية لتبديل قناعاتها.. لن يحصل ذلك، وها هو "الراعي الطرف" يقترح مفاوضات غير مباشرة.. وسيجلس الوفدان في فندق، وينتقل بينهما المبعوث الأمريكي جورج ميتشيل.. وستمر شهور أخرى في مفاوضات عقيمة. هي مضيعة للوقت وتكريس للاستخفاف بالحق الفلسطيني.
يعقد مؤتمر هرتسليا، واسمه يعبر عنه «ميزان المناعة والأمن القومي» سنويا ويبحث سبل تعزيز الأمن القومي الإسرائيلي ومناعته وحصانته في شتى المجالات ومن ضمنها العملية السياسية، والتعامل مع فلسطينيي الداخل. أي أن المؤتمر ينظر إلى العملية السياسية مع الفلسطينيين، وإلى فلسطينيي الداخل من منظور الأمن القومي الإسرائيلي.

هل لنا مكان كفلسطينيين في نقاش قضايا الأمن القومي الإسرائيلي؟ ما لنا ولهذا. ولماذا نشارك في نقاش حول تكريس سلبنا ومناعة هذا السلب..

لقد شارك نائب عربي ( احمد طيبي) في المؤتمر المذكور، في ندوة حول «التطوير الاقتصادي والدمج الاجتماعي للعرب في إسرائيل» ليتحدث عن المساواة بين السالبين والمسلوبين. ووزع بيانا في ختام الندوة التي شارك فيها.
أي أنه يعتبر مشاركته إنجازا.
كما شارك رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض في المؤتمر وتحدث عن «التسوية» وهو بذلك يشارك ليس في مؤتمر لا ناقة له ولا جمل فيه، بل في مؤتمر يصوغ القضية الفلسطينية من خلال منظور الأمن القومي الإسرائيلي، المناهض للحق الوطني الفلسطيني.

التعليقات