31/10/2010 - 11:02

التيار الليبرالي الصهيوني يواصل هجومه..أين أصحاب الوثيقة؟/ عوض عبد الفتاح

التيار الليبرالي الصهيوني يواصل هجومه..أين أصحاب الوثيقة؟/ عوض عبد الفتاح
البيان الذي أصدره "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" ضد وثيقة التصور المستقبلي الصادرة عن مجموعة من الأكاديمين العرب بتكليف من رئيس لجنة المتابعة السيد شوقي خطيب، ونشر في بعض الصحف الإسرائيلية الأربعاء 03.01.07 لا ينبغي أن يكون مفاجئاً لكل عالم ببواطن وحقائق اليسار او التيار الليبرالي الصهيوني في إسرائيل. وبالتالي لا ينبغي أن يشكل رادعاً لأي جهة عربية في الداخل عن المضيّ قدماً في تحويل ما وصل اليه الفكر السياسي الحديث لدى عرب الداخل الى تصوّر شامل بحيث يمكن الإشتقاق منه برنامج عمل وبرنامج كفاحي.

وقد ورد في البيان التحريضي المذكور " نودّ أن نعبّر عن الضيق الكبير الذي تركته تلك الوثائق. والتي تتحدث عن نفي الطابع والجوهر اليهودي لدولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. نحن نرفض هذا النفي وما يفهم منه أنه يوجد تناقض بالضرورة بين طابعها اليهودي وطابعها الديمقراطي". ويضيف في مكان أخر: " نحن نستشف نوايا إنفصالية من جانب مؤلفي هذه الوثائق ومحاولة لنزع الشرعية عن حق الشعب اليهودي بتقرير المصير ".

لقد تعودنا على أن معظم ردود الفعل الإسرائيلية المستمرة المنتقدة والمهاجمة لهذا النوع من التصور جاءت من هذه الأوساط الصهيونية رسمية وغير رسمية، التي تعيش في تناقض عميق بين ما تدعيه من ليبرالية وديمقراطية وما يقوله تاريخها المظلم وما تقوله وتمارسه على أرض الواقع من جهة أخرى. انه يسار يتبنى الأيديولوجية القومية الشوفينية ويتلفع بالليبرالية وبالفكر الديمقراطي الحديث. وللتذكير فإن هذا التيار الصهيوني (حركة العمل ومشتقاتها) هو الذي قاد المشروع الصهيوني الإستيطاني الإجلائي في فلسطين وظلّ يقود الدولة لوحده حتى عام 1977، عندما هزم أمام حزب الليكود اليميني ليتناوب أو يتقاسم السلطة معه منذ أوائل الثمانينيات.

ربما، وهو إحتمال كبير، أن بعض من بادر وأشرف على هذه الوثيقة لم يتوقع هذه الحملة القديمة والحديثة المعادية لمضامينها وتوجهاتها، رغم ما ورد فيها من نواقص خطيرة بالنسبة لنا ولأوساط سياسية عربية أخرى، مع أن بعض من شارك فيها جهد ليكون سقفها السياسي أقل من ذلك. ولذلك يُخشى أن يجري التراجع عن المضامين الهامة التي وردت فيها والتي يمكن أن ترضي الحد الأدنى من التطلعات لدى عرب الداخل وتؤرق النخب السياسية والمثقفة الإسرائيلية التي تشعر أن في هذه الوثيقة ما يهدد إمتيازاتها المكرسة ليس بسبب ديمقراطية إسرائيل، بل بالضبط بسبب طابعها القومي العنصري. فالوثيقة تتحدث عن المساواة الكاملة والفكر الصهيوني يموت خوفاً من المساواة.

إنه من المثير للدهشة أن كمية المقالات والكتابات التي وردت في وسائل الإعلام العبرية منذ صدور الوثيقة، والتي رأى بعضها فيها بأنها إعلان حرب على دولة إسرائيل، لم تستفز او لم تحفز حتى الآن اياً من وقع عليها او من بادر اليها بالتصدي لهذا التحريض بصورة منهجية ومنظمة لا بوسائل الإعلام الإسرائيلية ولا العربية سوى ردود وتعليقات لا تغني ولا تُسمن من جوع.

والسؤال لماذا لم يقم رئيس لجنة المتابعة بتجنيد الأقلام والمنابر للدفاع عن الوثيقة. لا شك لو كانت الوثيقة صادرة عن لجنة المتابعة وبصورة منظمة لكان هناك استنفار واسع للردّ على الحملة المعادية التي تهدف الى تخويف العرب والبحث وردعهم عن التقدم في تفكيرهم وفي نضالهم.

فماذا اعتقد هؤلاء الأخوة، وهل كتابة هذه الوثيقة كان مجرد تمرين فكري وإستعراض للقدرات. ألا يدرك هؤلاء أن كل مشروع هنا وكل خطوة يقوم بها الفلسطينيون العرب في إسرائيل هي عمل نضالي وتحتاج الى كفاح مثابر وحميّة وتعصّب؟ أم أن ردود الفعل المعادية أربكت بعض هؤلاء وجعلتهم يندمون على ما قاموا به؟ حتى الآن لم يقم أكاديميٌ واحدٌ او رئيس سلطة محلية على حدّ علمي (يذكر أن الوثيقة صدرت باسم اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية) في الدفاع عن هذه الوثيقة.

إن الحملة الحالية تشبه الى حدٍّ بعيد، تلك الحملة التي شنها ما يسمى باليسار او التيار الليبرالي الصهيوني عبر كتابه وأكاديميه على برنامج التجمع الوطني الديمقراطي في أواخر التسعينيات. وبالتحديد ضد ما يشمله البرنامج من المطالبة بإلغاء الطابع اليهودي لدولة إسرائيل، وتحويلها الى دولة كل مواطنيها وتحقيق الحقوق القومية الجماعية لعرب الداخل وإنتزاع حقهم بتنظيم أنفسهم وإدارة شؤونهم الداخلية. وكتب أنذاك ناحوم برنيغ عن رئيس حزب التجمع عزمي بشاره مقالاً تحريضاً واصفاً عزمي بشاره بأنه الناصري الأخير ( القومي الأخير ). أي أن النقاط التي يجري الهجوم عليها في الوثيقة هي النقاط أو الأفكار التي استحدثها التجمع.

وكان التجمع تصدى بلا هوادة لهؤلاء، وعرّى إزدواجية معاييرهم ومواقفهم وأيديولوجيتهم الحقيقية وجنّد بعض الأكاديميين اليهود المعادين للصهيونية او غير الصهيونيين. وكان الأستاذ الجامعي عادي أوفير ( جامعة تل ابيب ) الذي القى كلمه في أحد مهرجانات التجمع في أوج إحدى حملات التحريض عليه على هذه الخلفية قال ما معناه أن هذه النخب الإسرائيلية لا تدافع في الواقع عن ديمقراطيتها بل تدافع عن قوميتها- عن صهيونتها بإعتبار أن الحركة الصهيونية هي حركة قومية إستيطانية عنصرية.

نعم هذه النخب المسمى ليبرالية تلتقي مع اليمين المتطرف في الدفاع عن الأيديولوجية القومية لدولة إسرائيل التي هي مصدر بلاء الشعب الفلسطيني، والمواطنين العرب في الداخل.

المطلوب هو التصدي بلا هوادة لهؤلاء والدفاع عن الفهم الصحيح للديمقراطية وللحقوق القومية، والمضيّ قدماً في تطوير الرؤية الوطنية والديمقراطية وعدم التراجع أمام الهجوم الليبرالي واليمين الصهيوني على حدّ سواء.

التعليقات