31/10/2010 - 11:02

الصورة الطاغية في الذهن العام / عوض عبد الفتاح

الصورة الطاغية في الذهن العام / عوض عبد الفتاح

بدأت الحرب التي قررتها حكومة أولمرت - بيرتس ضد المقاومة اللبنانية وضد البنية التحتية للبنان بإجماع إسرائيلي، رسمي وشعبي، حول عدالة هذه الحرب وبالثقة بقدرة الجيش الإسرائيلي على حسم المعركة نهائياً مع حزب الله.

وأوهمت الشريكة بل المحركة لهذه الحرب، الإدارة الأمريكية، بأن "شرق أوسط جديد ينبلج من الهزيمة الأكيدة للمقاومة"، كما عبرت عن ذلك وزيرة خارجية عصابة المحافظين، كونداليزا رايس.

كان واضحاً لكل من يعرف تفاصيل السياسة في المنطقة وتاريخها، أن هذا الكلام ينم عن جهل بالواقع، وعن تعطش لمخرج من المأزق الذي وصلته إدارة المحافظين في العراق ولبنان. وكانت تطمح لأن تقوم اسرائيل وجيشها بتنفيذ المهمة بنجاح نيابة عنها، لاعتقادها أن ما يقف أمام مشروعها هو "قوى الإرهاب" والمقصود بالمقاومة العربية؛ حماس وحزب الله ومن يقف وراءهما من دول في المنطقة.

هذا الإجماع الصهيوني الذي بدا جارفاً وهذه الأوهام المميتة التي أمسكت بالإسرائيليين، بدأت تتبدد منذ الأسبوع الأول عندما تبيّن استمرار المقاومة في القتال بكل قوة والتفاف الشعب اللبناني حول المقاومة، رغم التدمير الهائل للبنية التحتية وقتل مئات المدنيين. ولكن الجدل الذي بدأ يرتفع صوته في وسائل الإعلام، لا يدور حول أخلاقية الحرب أو عدالتها. فهذه المسائل الأخلاقية لم تشكل يوماً من الأيام معياراً لموقف الحكومة الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي. الأصوات القليلة الضائعة، التي تجرأت على مقاربة الحرب من الجانب الاخلاقي أو صدقيتها، تـُنبذ من القبيلة وتوضع فوراً في خانة الخيانة. وما كان يسعف هذه الأصوات الجريئة (من ذوي المواقف الراديكالية)، وبعض الفئات (الإنتهازية) التي تفضل الصمت أثناء الحرب، هو الإخفاق في تحقيق الأهداف العدوانية والخسارة الكبيرة في صفوف الجيش والمجتمع. أي أن عاملي الربح والخسارة هما معيار المقاربة بالنسبة لأي عدوان.

والحقيقة هي أن من تظاهر حتى الآن في تل أبيب من اليهود ضمن مظاهرات عربية - يهودية مشتركة، هم في غالبيتهم الساحقة من ذوي المواقف المعادية أصلاً للإحتلال ولكنهم يشكلون أقلية بسيطة جداً في المجتمع الإسرائيلي، وحتى الآن لم يحصل تحول جدي على المستوى الشعبي، ولكن الأبواب مفتوحة لتطورات بهذا الإتجاه.

بيد أن النقاش الأساسي الذي بدأ، يتمحور حول من يتحمل المسؤولية عن عدم تحقيق الأهداف الكبرى التي وضعت منذ بداية العدوان. ويوجه نقداً شديداً لإدارة الحرب. يستطيع أولمرت وبيرتس وبقية الطاقم السياسي - الأمني أن يعلنوا الإنتصار كما يريديون، كما جاء في خطابات أولمرت وهو الصيغة التي تم التوصل اليها باعتبارها مخرجاً مناسباً لهذه الحكومة، بعدما تبين لها ولأمريكا أن الجيش الإسرائيلي لن يستطيع القضاء على حزب الله في هذه المرحلة، وأن المسألة تحتاج الى معركة قادمة كما جاء على لسان القيادة العسكرية.

على أية حال، سيكون لإخفاق اسرائيل في سحق المقاومة اللبنانية وتركيع الشعب اللبناني ودفعه للتخلي عن عروبته والتحول الى دولة ودية لإسرائيل، في الوقت الذي تستمر فيه اسرائيل باحتلال أراض عربية وتشن حرباً وحشية على الشعب الفلسطيني، تفاعلات بعيدة المدى سواء على مستوى المجتمع الإسرائيلي، أو على مستوى العلاقات الإقليمية وعلى مكانة اسرائيل الإستراتيجية. فبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، كان الأداء الإسرائيلي العسكري مخيباً. وبالتالي من شأن ذلك أن يضيف الى العراقيل أمام المشروع الأمريكي الإستعماري - المسمى الشرق الأوسط الكبير - أو الجديد. ذلك أن اسرائيل لم تفشل فقط في إستعادة قوة الردع رغم كل الدمار والقتل والمجازر التي ارتكبتها في لبنان بل أن قوة ردعها تلقت ضربة إضافية وأضعفت مكانتها في نظر الجيوش العربية، والشعوب العربية. وهذا ما تحاول اسرائيل الآن التعويض عنه في ما تبقى من أيام أتاحتها لها عصابة المحافظين. فالهدف كما يقولون في إسرائيل عدم السماح بولادة وعي لدى الأعداء (العرب) بإمكانية المسّ بالعمق الإسرائيلي وبهيبة الجيش من جانب قوة عربية صغيرة منظمة تنظيماً جيداً. وهذا الجانب ما تخافه اسرائيل؛ أي أن تكسب القوى العربية الممانعة مثل سوريا، أو القوى الوطنية الشعبية في عموم العالم العربي قوة وزخماً تضغط من خلاله على أنظمتها للتخلي عن تواطؤها وتحالفها مع الإستعمار الأمريكي وتهاونها مع إسرائيل.

لكن على أية حال مهما حاولت اسرائيل فعله في الأيام المتبقية ستبقى صورة الجيش العاجز عن قهر حركة مقاومة صغيرة هي الطاغية في الذهن العام، تنضاف اليها صور المجازر التي ارتكبتها بحق المدنيين اللبنانيين. ولذلك فإن بعض أصوات النخبة العسكرية - والسياسية التي أيدت الحرب بدأت تقول بضرورة التفاوض مع سوريا وأحدهم ذهب أبعد من ذلك إذ نصح بالحديث مع إيران.

خلاصة القول؛ إن تعثر هذه الحرب العدوانية، يحمل احتمالات فتح المسار السياسي لمعالجة جذور الصراع بصورة مختلفة، لكن هل العرب جاهزون لذلك.. وهل يبقى زمام الأمور بيد الحلف العربي - الأمريكي أم سنشهد صعوداً بمكانة قوى الممانعة؟! هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة.

التعليقات