31/10/2010 - 11:02

حوار علني بين "هنديٍّ أحمر" وفلاّحٍ عراقي(!)/أمين الإمام

حوار علني بين
خبر فضائي عاجل:

تمكّن فلاّح عراقي عجوز، من إسقاط مروحيّة "أباتشي" أمريكيّة، في نهار اليوم الخامس من الحرب (24 مارس 2003)، باستخدام بندقيّة تقليديّة "شبه أثريّة"، من صناعة جمهوريّة تشيكوسلوفاكيا السابقة، وذلك في محيط مدينة كربلاء العراقيّة، حيث تدور معركة الأغراض الاستعماريّة "الأنجلو-أمريكائيليّة".

تعليق:

دهشة كونيّة في آفاق العالم، تعيد تاريخ نضال الأشقياء، ضد آلة الجبروت الإمبريالي.

هامش:

سمع العالم بعد سقوط المروحيّة مباشرة، صيحة جبّارة خرجت من قبر هندي أحمر، في وسط أمريكا (!).

[#]....................

دون أن يدري ذلك المسنّ العراقي، فقد تمّكن من تقديم رسالة عميقة، تعجز عنها تصوُّرات العديد من الشعراء والروائيين والتشكيليين، وحتّى المفكِّرين. فالشعراء (مثلاً) قدّموا الآلاف من القصائد الرافضة للحرب، ولا يزالون. إلاّ أن رصاصات الرجولة تلك، والتي خرجت من بندقيّة عتيقة لعجوز عراقي، كانت أكثر بلاغة من تلك القصائد مجتمعة، وليعذرني معشر الشعراء الجميلين الرافضين لـ"قبح أمريكا"، طالما هناك ما هو أجمل، وفقاً لـ"قصيدة البقاء" (إذا صحّ التعبير والافتراض)، من ذلك المزارع الذي يجيد الشعر، ولا يجيد الكتابة والقراءة ربّما (!).

قد لا يعرف البعض، المعنى الحقيقي الذي أراده الأمريكيّون، من إطلاق اسم "أباتشي"، على تلك المروحيّة المُدلَّلة، التي يعشقها دهاقنة "البنتاجون". من عِرْق الهنود الحُمر "شبه المٌباد"، في الولايات المتحدة الأمريكيّة، والذي يشير إلى أصحاب الأرض الأصليين، كانت هناك قبيلة عريقة اسمها "أباتشي". وقد تيمَّن صانعو المروحيّة المٌدلَّلة، بروح الإبادة الذي أزال تلك القبيلة الحمراء من الوجود (تقريباً)، فأرادوا لصنيعهم الحربي، أن يكون رمزاً جديداً وخالداً لإبادة الخصوم. وتشهد الأرض المحتلّة في فلسطين، أن قوّات العدو الإسرائيلي، استفادت كثيراً من هدايا راعيها الأمريكي، عبر مروحيّات الـ"أباتشي"، وقتلت المئات من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء، في العديد من مدن الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. والآن جاء المسنّ العراقي، لينتقم لأهله في فلسطين المحتلّة، ولجميع الشرفاء في العالم العريض... أليس ما فعله، يمثِّل قصيدة شعر رائدة تستحق الاحترام (؟).

[#]....................

ما فعله فلاّح كربلاء، أذاع على الهواء مباشرة حواراً علنياً، فيما بينه وبين هنديٍّ أحمر، ضحك ملء المدى والفضاء، بعد أن استشعر الإذلال، لدى حفدة مُبيدي أسلافه: جورج دبليو بوش، ديك تشيني، كولن باول، دونالد رامسفيلد، كوندوليزا رايس، كارل روف، بول ولفوفيتز، ريتشارد بيرل، دوجلاس فايث، ريتشارد مايرز، وتومي فرانكس.

إذا أحصيتم أفراد عصابة الإبادة، التي تمثِّل أبرز القياديين للحملة الكولونياليّة المستمرّة، في الإدارة الأمريكيّة المثيرة للجدل، تجدون العدد مثل فريق الكرة: 11 صقراً جارحاً.

سؤال اعتراضي: لكن من المدرِّب (؟).

إجابة فوريّة: أعتقد أنّه جورج بوش الأب (!).


[#]....................

الحوار جاء شعراً، حينما استعار كلٌّ من الفلاّح العراقي والهندي الأحمر، بعضاً من أشعار الشاعر الفلسطيني محمود درويش (لا أعرف لماذا؟).

الفلاّح قال أوّلاً، في رسالة إلى المعتدي الذي يودّ اغتصاب بلاده علناً، وعلى "الفضاء" مباشرة، في هيئة أسطر من قصيدة "عابرون في كلام عابر":

أيُّها المارُّون بين الكلمات العابرة
كالغبار المُرِّ، مُرُّوا أينما شئتم ولكن
لا تمرُّوا بيننا كالحشرات الطائرة
فلنا في أرضنا ما نعمل
ولنا قمحٌ نُربِّيه ونسقيه ندى أجسادنا
ولنا ما ليس يرضيكم هنا،
حجرٌ... أو خجل
فخذوا الماضي، إذ شئتم، إلى سوق التحف
وأعيدوا لنا الهيكل العظمي للهُدْهُد، إن شئتم،
على صحن خزف
فلنا ما ليس يُرضيكم، لنا المستقبل
ولنا في أرضنا ما نعمل

وردّ الهندي الأحمر، وهو يوجِّه رسالة أكثر إثارة لنفس المعتدي، في هيئة أسطر من قصيدة "خطبة الهندي الأحمر – ما قبل الأخيرة – أمام الرجل الأبيض":

هُنا كان شعبي. هُنا مات شعبي. هُنا شجر الكستناء
يُخبِّئُ أرواحَ شعبي. سيرجِعُ شعبي هواءً وضوءاً وماء،
خُذوا أرض أُمِّي بالسيف، لكنَّني لن أوقِّع باسمي
معاهدة الصلحِ بين القتيلِ وقاتِلهِ،
لن أُوقِّع باسمي على بيع شبرٍ من الشوك حول حقول الذرة
وأعرف أنّي أُودِّع آخرَ شمسٍ، وألتفُّ باسمي
وأسقطُ في النهر، أعرف أنّي أعودُ إلى قلب أمِّي
لتدخُلَ، يا سيِّد البِيض، عصْرَكَ...
فارْفعْ على جُثَّتي تماثيلَ حُرّيَّةٍ لا تردُّ التحيَّة،
واحفِر صليب الحديد على ظلِّي الحجريِّ،
سأصعدُ عمَّا قليل أعالي النشيد،
نشيدِ انتحارِ الجماعات حيث تُشيِّعُ تاريخَها للبعيد،
وأُطلِقُ فيها عصافيرَ أصواتِنا: ها هُنا انتصر الغُرباء على الملحِ،
واختلط البحر في الغيمِ، وانتصر الغرباء على قشدة القمحِ فينا،
ومدُّوا الأنابيب للبرق والكهرباء
هُنا انتحر الصَّقرُ غمَّاً، هُنا انتصر الغرباء علينا.
ولم يبقَ شيءٌ في الزمانِ الجديد
هُنا تتبخَّرُ أجسادُنا، غيمةً غيمةً، في الفضاء
هُنا تتلألأُ أرواحُنا، نجمةً نجمةً، في فضاء النشيد

لم يصمت الهندي الأحمر مكتفياً بما استشهد من "درويشيّات"، بل أضاف مقطعاً صغيراً آخر، يلخِّص كل الصلف الراهن في العالم:

إلى أين، يا سيِّد البِيض، تأخذُ شعبي،... وشعبَك؟
إلى أيِّ هاويةٍ يأخذُ الأرضَ هذا الروبوت المُدجَّج بالطائراتِ وحاملةِ الطائرات،
إلى أيِّ هاويةِ رحْبةِ تصعدون؟
لكم ما تشاؤون: روما الجديدة، إسْبارطة التكنولوجيا
و
آيديولوجيا الجنون


** المقطع الأخير سبق أن استشهدت به، في طرح طويل من قبل، بعنوان: [العالم بين شفتي أمريكا كرشفة "الكوكاكولا" وقضمة "الهمبرجر"].


____________________________________
* أمين الإمام : كاتب صحافي سوداني، سكرتير التحرير في صحيفة "الوطن" السعوديّة

التعليقات