31/10/2010 - 11:02

رامسفيلد يهدد سورية!- رسالة عسكرية في زمن الحرب / د. عماد فوزي شُعيبي

رامسفيلد يهدد سورية!- رسالة عسكرية في زمن الحرب / د. عماد فوزي شُعيبي
الواضح أنهم لا يريدون أي موقف مناويء ، أو مواجهة لعملهم العسكري العدواني غير المشرعن دولياً، ويخشون أن تكون سورية تعدّ نفسها لهذا الدور الذي اتهموها به. لذلك فهم يقومون بما يمكن تسميته قطع الطريق استباقياً على سورية في احتمال تبنيها لهذا الدور بالقيام باتهامها به والتحذير من أنه عمل عدواني، وهذا جزء على ما يبدو من الحرب الاستباقية.
عموماً. قد يكون رامسفيلد أراد أن يفسّر أو يعرّج على ما قاله الرئيس الأسد من أنه لا يرى العمل العدواني على العراق باعتباره عاصفة تحنى لها الرؤوس بشكل عقلاني إنما هو حملة منظمة تستهدف عدداً من الدول العربية؛ وهذا يعني اختلاف الطريقة التي يتم التعامل فيها مع هذه الحملة المنظمة؛ أي أن رامسفيلد يريد أن يفسرها بأنها بداية لتدخل سوري يهدف إلى التأثير على الهدف السياسي للحرب، وبهذا التصريح حاول أن يقطع الطرق على مثل هذا الاحتمال.

كما أن رامسفيلد يحاول أن يبرر للرأي العام الأمريكي فشل قواته في استحداث إنجاز سريع بادعاء أنهم لا يحاربون العراق وحده إنما الإشارة هي أن هنالك أطرافاً أخرى تعيق تقدم القوات المبالغ في إمكاناتها، وبالتالي إكمال المزاعم عن معدات روسية قدمت للعراق.

هذه رسالة واضحة من الإدارة الأمريكية لتحذير الشعب في سورية قبل الحكومة إلى مدى الشعور بالقلق من ثورة الانفعال ضد عدوان معلن، والأخطر أن يكون في هذا إشارة لإسرائيل كي تبدأ مناوشات مع سورية وإيجاد مناخٍ معادٍ لمن يعادي الحرب العدوانية، وبالتالي خلط الأوراق بشدة نظراً للمأزق الأمريكي في العراق.

عادةً تكون الرسائل التي ترسل عبر وزير الدفاع هي من النوع الذي يصّنف بأنها رسائل من الدرجة الرابعة لأن ترتيب المواقف يبدأ من الرئيس الأمريكي إلى وزير خارجيته إلى نائبه ثم إلى وزير دفاعه، ومع ذلك فإن علينا أن نتذكر أن هذه رسالة عسكرية في زمن الحرب، وقبلها سبقتها رسالة بضرب الحافلة السورية التي تحمل مدنيين أبرياء، وذلك للإشارة إلى مدى الانزعاج من الصوت السوري الوحيد والعالي ضد الحرب، والذي يتجه اليوم إلى مجلس الأمن ومن بعدها إلى الجمعية العمومية لحشد الموقف العالمي ضد الحرب، ومن باب القراءة الباردة لا يجب علينا أن ننزعج من تهديدات رامسفيلد ، لأنها زفرة المحشور.
ولأن العبرة في النتائج، فرامسفيلد يجب أن يعلم أنهم يستطيعون بدء الحرب لكنهم لا يستطيعون أن يعرفوا متى ستنتهي وإلى أي نتيجة ستؤول؟. ويجب أن يعلم أن العدوانية تولد الضغينة والضغينة تولد الانتقام الذي سيتوارث عبر الأجيال وسيكون فرصة لأعداء الحضارة أن ينموا سواء (بأبناء لادن) آخرين أو بعدوانيين من أمثال الذين يقودون نزعة الحرب في الولايات المتحدة الأمريكية ، وكلا الطرفين متساوٍ في معادلة القتل والتدمير والاعتداء على الحضارة والمدينة والإنسانية.

يجب أن يعلم الوزير المقطب لحاجبيه والمتنمّر أن لكل فعل رد فعل حسب قوانين الفيزياء، وأن الفعل العدواني الذي يقودونه ضد العراق، ستكون له نتائج من أخطر ما يمكن توصيفه على السلم والاستقرار العالميين، ولسنوات طوال، وهو ردّ فعل سيتجاوز رد الفعل الإرهابي الذي نشأ نتيجة الإحباط من الدور الأمريكي في فلسطين والعالم العربي والذي خلق ظاهرة ابن لادن، ويجب عليه أن يتذكر دائماً أن الإرهاب يبدأ(بحالة) ثم يصبح(ظاهرة) والأخطر أن يصبح(تياراً) يجرف العالم والدول إلى أتون حرب غير متعينة الإحداثيات والتي تبدو كمن يقاتل ذبابة في الظلام.

لا يمكن القول إزاء اتهامات رامسفيلد لسورية إلا أن البنتاغون يبدو في مشهد من يتخبط، ويريد أن يضرب ذات اليمين وذات الشمال، كي يبرر ـ ولو لنفسه ـ أسباب فشله، فيمضي ليتهم الآخرين في موقف لا يمكن أن يُعتبر في علم النفس إلا كونه ارتكاساً طفلياً.

سياسة سورية، مرة أخرى، ليست بهذه الخفة، ولديها من عوامل القوة(التي قد لا تكون عسكرية بالضرورة، وهي ليست كذلك فقط إزاء دولة عظمى) ما لا يجعل للتهديدات الرامسفيلدية وزناً بالضرورة.

والمهم لمن يستمع لرامسفيلد ألا يرتج، فالرجل تجاوز حدود السياسة، وقد سبق أن فعل الأمر نفسه مع فرنسا وألمانيا، وعلى السياسة الأمريكية ومراجعها أن تعيده إلى حجمه الطبيعي، فأولى قواعد السياسة أنك إذا فتحت حرباً لا يجب عليك أن تفتح حروباً أخرى، وأولى قواعدها أن تترك لنفسك فرصة أو خياراً أو أفقاً، فما البال إذا كانت حملة مكافحة الإرهاب في بدايتها، وعمل الأمريكيين سيخلق لهم في العالم كله أعداء بالجملة، ومن قواعد السياسة ألا يحرق العسكريون للسياسيين أوراقهم.

ومرة أخرى، فالحرب امتداد للسياسة وإن بوسائل أخرى وعلى سياسيي الولايات المتحدة أن ينبهوا العسكر إلى أنهم يعملون عندهم وليس العكس، وإلا فإن كلاوز فيتش سيسير على رأسه، وأمريكا ستزيد في اضطرابِ مستقبل وجودها كدولة عظمى المزيد لأن العسكر يريدونها أن تسير بدورها على كتفيها لأنها ستغدوا بلا رأس.

ishueibi@scs-net.org


الواضح في البنتاغون أنهم يتخبطون، ويريدون التغطية على فشلهم في استحداث تقدم نحو بغداد، وفشلهم في قياس حسابات القوة، إذ حشدوا250 ألفاً في وقت يحتاج العمل العسكري ضد مدينة كبغداد، أقله إلى عشر فرق، وهاهم توقفوا بانتظار قدوم قواتهم الإضافية الـ120 ألفاً.

يجب أن يفهم رامسفيلد أن السياسة السورية ليست بهذه الخفة التي يحاول أن يتهمها بها، وهي عقلانية إلى أبعد حدّ بما لا يعطي أي مبرر لتناولها. ولكنها أيضاً لا ترتعد فرائصها إزاء تصريحاته وإشاراته العنترية ؛ فهي سياسة دولة ذات سيادة لا تخترق شرعة الأمم المتحدة ولا تعتدي على أحد وتنتهج السلام خياراً استراتيجياً، أضف إلى هذا وذاك أنها لا تعتبر السياسة إملاءات أمريكية واستجابات عربية، بل تعتبرها مكاسرة إرادات، وسياسات دزل وليست سياسات قطعان ورعاة.

العبرة دائماً في النتائج، فقد تستطيع دولة عظمى أن تشن حرباً على دولة كالعراق، وقد تستطيع أن تحتل أجزاءً منه، ولكنها لن تستطيع أن تحتله بصورة كاملة والأهم هو أنها لا تستطيع أن تبقى فيه، ولهذا فالعبرة ليست في الاحتلال إنما في النتائج السياسية المترتبة على العمل العسكري،.
إن درس لبنان يجب أن يكون ماثلاً لصقر البنتاغون(الذي لا يتردد إزاء الصحافيين في ممارسة دوره القمعي وكأنه يريد أن يذكرهم أنه وزير للدفاع أو- بكلمة- وزير للحرب). وإذا كان وولفيتز و(الراحل) ريتشارد بيرل قد ورطاه في حرب بلا نتيجة، وهو الآن يريد أن يرفع عن كاهله تلك المسؤولية بأن يوهم الآخرين بأن هنالك قوى أخرى تدعم العراق، وهذا ما يفسر فشل قواته في القيام بعملها المقرر في المدة الزمنية التي أقنعونا أنهم سينجزونها بها، إلاّ أن علينا ألاّ نرتجّ وألاّ نردد أوهامهم كي لا ينطبق علينا القول:"من يخاف من العفريت يطلع له". أي ألاّ نستبطن الموقف فيصبح المستحيل واقعاً.

التعليقات