31/10/2010 - 11:02

فهم عملية الابصار يفيد في صنع أدوات لتعويض فقدان البصر..

-

فهم عملية الابصار يفيد في صنع أدوات لتعويض فقدان البصر..
قبل فترة وجيزة، اهتم غير موقع الكتروني علمي، مثل «ساينتفيك أميركان» و «تربيل آيه أس» و «نايتشر»، بالأبحاث الحديثة التي تتناول عملية الإبصار عند الانسان. ومن المرجح أننا لا نولي قدراتنا البصرية المذهلة أهمية كبيرة، بل أن معظمنا لا يعطي الكثير من الوقت للتفكير في الطريقة التي يرى فيها. وفي العقود الماضية، شبّه العلماء جهاز المعالجة البصرية الذي نملكه بكاميرا التلفزيون.

وفي وصف موجز، تعبر الصور العين، بعد أن تعمل الحدقة على تكثيف حزم الأشعة الضوئية، بما يتلاءم مع درجة الإضاءة المتوافرة.

فمثلاً، تضيق الحدقة في الضوء المُبهر، ما يمنع تدفق الضوء الزائد إلى داخل العين، ما يعطيها بعض الحماية أيضاً. وبعده، تعبر الأشعة عدسة العين، حيث تُصنع الصور الأولى التي تنعكس على شبكية العين. عند هذه النقطة، ثمة كثير من الشبه بين العين وعدسة الكاميرا. وفي الشبكية، التي هي نسيج مُعقد ومتصل من الأعصاب، يصل الضوء إلى مناطق مُحددة شديدة الحساسية، تنتشر على أعصاب الشبكية المتخصصة في التعامل مع حزم الأشعة. ومن المعلوم ان الضوء يشبه مسبحة، في كل حبة منها كمية محدودة من الطاقة، تُسمى «فوتون» Photon. ومن الناحية الثانية، فإن الضوء هو أيضاً نوع من الموجات الكهرومغناطيسية أيضاً.

لقد أثارت هذه «الطبيعة المزدوجة» للضوء، أي أنه موجات وكميات من الطاقة، الكثير من النقاشات العلمية والفلسفية. ما يهمنا هنا هو أن فوتونات الضوء «تضرب» مناطق مُحدّدة في أعصاب الشبكية، تُسمى «المستقبلات الضوئية» Photoreceptors. وبذا، تُطلق الفوتونات سلسلة من التفاعلات الكيماوية في أعصاب الشبكية، ما يؤدي إلى إطلاق إشارات كهربائية تُرسل عبر العصب البصري إلى الدماغ لمعالجتها.

ولكن الأبحاث الحديثة لا توافق على هذه الصورة المبسطة، بل يشير العلماء إلى أن الشبكية تؤدي عدداً كبيراً من المعالجات التمهيدية للصور، قبل أن تبعث عدداً من الصور الجزئية إلى الدماغ ليفسّرها. وتوصل العلماء أخيراً، بحسب ما نُشر في المواقع المُشار اليها إلى خلاصة مذهلة، جاءت من تجاربهم على شبكيات الأرانب، التي تشبه الى حد كبير الشبكيات البشرية. كما أوصلت تجارب أُخرى أُجريت على السمندل إلى نتائج مُشابهة.

المعلوم أيضاً أن العصب البصري، الذي «يحمل» الشبكية كهلال صغير على طرفه، هو امتداد من مادة الدماغ خارجة إلى المحيط لتكون على اتصال مباشر بالعالم. فكيف تكوّن الشبكية الصور التي تبعثها؟ وكيف تبدو هذه الصور عندما تصل إلى المراكز البصرية في الدماغ؟ وكيف تنقل الغنى الكبير الذي يميز العالم الحقيقي؟ هل تنقل المعنى ما يساعد الدماغ على تحليل المشهد؟ تشكل هذه بعضاً من الأسئلة التي بدأت التجارب العلمية الإجابة عنها.

وبشكل عام، وُجد أن الخلايا العصبية المتخصصة الموجودة داخل الشبكية تعرض ما يشبه إثني عشر مشهداً من فيلم، تُمثّل تجريدات واضحة عن العالم المرئي. ويحمل كل مشهد صوراً أولية عن جانب من اللوحة البانورامية التي تجددها الشبكية باستمرار وترسلها إلى الدماغ. فمثلاً، قد يحمل مشهد ما يُشبه الصورة المرسومة بالخطوط فيتضمن بعض التفاصيل عن حافة الشيء الذي ننظر إليه. ويتفاعل المشهد الآخر مع الحركة التي تكون أحياناً في اتجاه معين. وتحمل بعض المشاهد معلومات عن الظلال أو عن الأضواء القوية وهكذا دواليك.

ويُرسل كل مشهد من خلال مجموعة ألياف العصب البصري إلى مراكز بصرية متخصصة في الدماغ حيث تحدث معالجات أكثر تعقيداً. ويملك النظام السمعي البشري بنية مماثلة، فيحمل كل عصب سمعي المعلومات من مجال محدد من الطبقات الصوتية، ويوصلها الى الدماغ الذي يعمد إلى جمعها مع بعضها بعضاً. وأظهر الباحثون الذين يدرسون قشرة الدماغ البصرية أن الملامح كالحركة واللون والعمق والشكل، تُعالج في مناطق مختلفة، فيؤدي خلل في إحدى تلك المناطق إلى نقص في ملمح محدد. ولكن قدرة الدماغ على التقاط الملامح تبدأ في الأفلام التي تكونها الشبكية، كما ورد أعلاه.

في المقابل، يصعب القول أن العلماء صنعوا نموذجاً كاملاً عن عملية الأبصار. وتحمل الأفلام الإثني عشر، التي تصنعها الشبكية، المعلومات إلى الدماغ الذي يستعملها في تفسير العالم المرئي. ولا يمكننا حالياً أن نحدد كيف تندمج الأشكال في مناطق الابصار، سواء في الشبكية أم في الدماغ. فمن الممكن أن تكون الأفلام عبارة عن ألغاز، نوعاً من الهيكل العام الذي يكسوه الدماغ بما يلزم لاحقاً.

وعلى رغم أن صور الشبكية تبدو وكأنها تلتقط الوقائع التي تصلها بصرياً في مشهد ما (طاولة عشاء، شلال، وجوه تتكلم) فإن الكثير من العناصر المهمة تبقى ناقصة، فلا يظهر أي شيء يتعلق بالشعور وطريقة التفكير والبنية والتركيز على المشهد وغيرها. وقد تكون هذه الخصائص متأصلة في مشاهد الفيلم التي يفسرها الدماغ لاحقاً، أو ربما لم تتوصل التجارب الحديثة الى استكشاف الدور الذي تلعبه الشبكية ومشاهدها في التقاط الميزات مثل الشعور.

ومع ذلك، فمن الواضح أن صور الشبكية تشكل لغة بصرية طبيعية. ويعني فهم هذه اللغة الكثير اليوم، فمثلاً، تحاول مجموعات من العلماء العمل على إعادة البصر إلى الضرير عبر أدوات اصطناعية تلاقي العصب البصري مُباشرة، بمعنى أنها تنهض بدور الشبكية. وسجل الكثير من التقدم على هذا الصعيد، إلا أن النتائج لا تزال غير ناضجة، فالصور التي تصنعها الأدوات الاصطناعية لترسل الى العصب البصري، ما زالت تعاني الكثير من الابهام. وشرع بعض التجارب البشرية في جامعة جنوب كاليفورنيا في معهد «دوهني آي» في تلافي هذا النقص. وتعتبر نتائج هذه التجارب بعيدة إلا أن نجاحها يوصل الى صنع أدوات تستطيع تزويد الدماغ صوراً مماثلة لتلك التي تقدمها الشبكية عادة، بمعنى أنها تحتوي على لغة بصرية طبيعية.

ويكمن التحدي الآخر في اكتشاف كيفية وصل كل مشهد بألياف العصب البصري. وفي الوقت نفسه، يساعد هذا الفهم الباحثين على معرفة المزيد عن الطريقة التي يرى فيها الدماغ والعين معاً بوضوح، كما يحدث في الخدع البصرية، ومع الأشياء التي تتحرك بسرعة، والطريقة التي تترابط فيها الصور التي نشاهدها على شاشة التلفزيون والكومبيوتر (وهي مُتقطعة أصلاً) وغيرها.

البصر يفوق الواقع؟

خلاصة، يمكن القول أن عمل الشبكية لا يتوقف على إرسال الإشارات البسيطة إلى الدماغ بل يتعدى ذلك.

وبشكل مدهش، تستخرج الشبكية اثنتي عشرة صورة مختلفة لمشهد ما، وهي تشبه أفلام الأشباح، إذ تعطي ملامح عامة ويشفع لها أنها تصنع بفضل عدد قليل من الفوتونات.

ويستخدم الدماغ هذه التجريدات لبناء عالم بصري بدقة عالية، إضافة الى كونه عالماً بصرياً غنياً بالمعاني. إن فهم هذه اللغة البصرية الأساسية التي تحملها الأفلام التي تصنعها شبكية العين، يساعد الباحثين الذين يهتمون بصنع أدوات اصطناعية قد تسمح، يوماً ما، العلماء بمساعدة الضرير على استعادة بصره.

"الحياة"

التعليقات