إسرائيل تقرر فرض "انتخابات للمجالس المحلية" على سكان الجولان السوريين

تحاول إسرائيل استغلال الأزمة السورية بهدف 'كسر الموقف الوطني لإهالي الجولان المحتل'، عبر الترويج لمقولة أنّ 'سورية التي كانت قائمة قد انتهت، وأن الجولان سيبقى جزءا من إسرائيل".

إسرائيل تقرر فرض "انتخابات للمجالس المحلية" على سكان الجولان السوريين

اعتصام في ساحة مجدل شمس المحتلة (أرشيف 1981)

في سياق مساعيها لتوظيف الأزمة السورية والحصول على 'اعتراف دولي' بأن الجولان السوري المحتل، هو جزء من إسرائيل، كشفت الحكومة الإسرائيلية عن نيتها إجراء انتخابات للمجالس المحلية في قرى الجولان السوري المحتل، وفق القانون الإسرائيلي، وبالتزامن مع الدورة الانتخابية القادمة للسلطات المحلية آواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2018.

جاء ذلك في رسالة بعث بها رئيس حزب 'شاس' ووزير الداخلية الإسرائيلي، أرييه درعي، الثلاثاء، إلى رؤساء المجالس المحلية المعينة في القرى الأربع، مجدل شمس، بقعاثا، مسعدة، وعين قنيا، أبلغهم فيها أن 'وزارة الداخلية تقوم حاليا ببحث الخطوات اللازمة لإدارة المجالس المحلية في المرحلة الانتقالية، حتى موعد الانتخابات القادمة'.

يُشار إلى أن المجالس المحلية في القرى العربية السورية أقيمت بعيد الاحتلال في منتصف السبعينات من القرن الماضي، واضطرت سلطات الاحتلال، طوال الفترة الماضية، لأن تقوم بتعينها مباشرة عبر وزارة الداخلية، إثر رفض الأهالي منح الشرعية لها والمشاركة في الترشح أو الانتخاب وفق القانون الإسرائيلي.

وعلى ما يبدو، ترغب سلطة الاحتلال من وراء هذه الخطوة بـ 'الحصول' على اعتراف من الأهالي بـ 'شرعية الاحتلال'، على خلاف موقفهم المعلن والواضح من أن الجولان جزء لا يتجزأ من الجمهورية العربية السورية، ولا يحق لدولة الاحتلال فرض قوانينها على سكانه العرب السوريين وإلزامهم  بالتنازل عن هويتهم الوطنية السورية.

وتحاول إسرائيل استغلال الأزمة السورية بهدف 'كسر الموقف الوطني لأهالي الجولان المحتل'، عبر الترويج لمقولة أنّ 'سورية التي كانت قائمة قد انتهت، ولم يعد بالإمكان إعادة تشكيلها، وأنّ تقسيمها بات أمراً واقعاً'، وأن الجولان سيبقى جزءا من إسرائيل.

إجماع دولي على الرفض

وتشير دراسة، بهذا الخصوص، صدرت عن 'المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات'، أواخر نيسان/ أبريل 2016، إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو 'قد استشاط غضباً عندما اطّلع على مسودة ورقة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، للحل في سورية، والتي جاءت في 12 بندًا، ونصّ الأول فيها على: 'احترام سيادة سورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، ولا يجوز التنازل عن أي جزءٍ من الأراضي الوطنية... وأنّ الشعب السوري مازال ملتزماً باستعادة مرتفعات الجولان المحتلة بالوسائل السلمية'. وقد أدرك نتنياهو من هذه المسودة أنّ هذا البند لا يعبّر فقط عن موقفي المعارضة والنظام السوري بشأن استعادة سورية للجولان المحتل فحسب، وإنما يعبّر أيضاً عن موقف الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي'.

وأضافت الدراسة: 'وفي هذا السياق، قام نتنياهو بخطوتين استعراضيتين؛ تمثّلت الأولى بزيارة هضبة الجولان السورية المحتلة في أثناء قيام الجيش الإسرائيلي بتمرين عسكري فيها، فأعلن من هناك أنّ الجيش نفّذ عشرات الهجمات ضد أهداف في سورية خلال الفترة الأخيرة، بخلاف السياسة الإسرائيلية المتبعة التي دأبت، طوال السنوات الماضية، على عدم الإعلان عن عمليات إسرائيل العسكرية في سورية . وقد عدّ محللون إسرائيليون أنّ نتنياهو وجّه تصريحه هذا أساسًا إلى القيادتين، الأميركية والروسية، بغرض تذكيرهما بضرورة أخذ مصالح إسرائيل في الحسبان، في أيّ حلٍ سياسيٍ للحرب في سورية، ولا سيما في ما يخص مطلب إسرائيل الاحتفاظ بالجولان المحتل. أما الخطوة الثانية التي جاءت، بعد نحو أسبوع من خطوته الأولى، فكانت عقد اجتماعٍ للحكومة الإسرائيلية في الجولان، صرّح فيها أنّ هضبة الجولان ستبقى بيد إسرائيل 'إلى الأبد'.

فشلت في تحقيق ذلك

وتابعت: ' سارعت دول عديدة، بما فيها الصديقة لإسرائيل، إلى الإعلان عن رفضها تصريحات نتنياهو بشأن الجولان السوري المحتل. وكانت ألمانيا أولى هذه الدول؛ إذ أكّد الناطق باسم وزارة الخارجية الألمانية أنّ ضم إسرائيل الجولان السوري المحتل يتناقض مع القانون الدولي، ومع ميثاق الأمم المتحدة، وأشار إلى أنّ المبدأ الأساسي في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة يؤكد أنه لا يحقُّ لأيّ دولةٍ ضم مناطق تابعة لدولة أخرى. كما أكّد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية أنّ الإدارة الأميركية لا تعترف بأنّ الجولان جزءٌ من إسرائيل، وأنّ سياسة الولايات المتحدة الأميركية بشأن الجولان ثابتة، تحت مختلف الإدارات، ديمقراطيةً كانت أم جمهورية، وأنّ مصير الجولان ينبغي أن يُحدَّد بواسطة مفاوضات بين إسرائيل وسورية. وأكد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أنّ ضم إسرائيل الجولان السوري المحتل، واستمرار احتلالها له، يتناقضان مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة'. وقد استنكر كلٌّ من النظام السوري والمعارضة السورية عقد الحكومة الإسرائيلية اجتماعها في الجولان السوري المحتل، وأكدا، في تصريحاتٍ عديدة لهما، رفضهما أقوال نتنياهو جملةً وتفصيلًا'.

مظاهرة في مجدل شمس المحتلة (أرشيف 1982)

وختمت الدراسة بالقول: ' على الرغم من محاولات إسرائيل المستمرة استثمار الحرب في سورية، من أجل تحقيق أهدافها، وفي مقدمتها الحصول على شرعية دولية لضمها الجولان السوري المحتل، فإنها فشلت فشلًا ذريعًا في تحقيق ذلك. فلم تعترف أيّ دولة، أو أيّ هيئة دولية بهذا الضم. من جهة أخرى، لا يجب أن يصرف انشغال سورية والسوريين بأزمتهم الداخلية الدامية انتباههم، أو يقلّل من إصرارهم على استعادة أرضهم المحتلة، كما يجب ألا يكون صراعهم ضد الاستبداد سبباً في ضياع البوصلة؛ فإسرائيل تبقى عدوهم، وهي تفعل ما تستطيع لإطالة أمد أزمتهم وإضعاف وطنهم وتمزيقه، في محاولة للظفر بجزء منه. وفضلاً عن ذلك، يجب ألا يقود العنف غير المسبوق الذي يستخدمه النظام السوري ضد شعبه إلى استصغار الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي المحتلة السورية والفلسطينية، أو أن يقود ذلك إلى التطبيع مع إسرائيل بذرائع وحجج واهية. قضية الجولان المحتل وطنية سورية، وهي أيضاً قضية عربية. فهضبة الجولان أرضٌ عربية احتُلت في سياق حرب عربية - إسرائيلية عام 1967. وتتحيّن الدولة الصهيونية الفرص، لكي يسلّم العرب والعالم بضم الجولان والقدس للسيادة الإسرائيلية. ويجب أن يتذكّر ذلك كلُّ من يتهاون في مسألة التطبيع مع إسرائيل'.

'الثوابت الوطنية' في مواجهة الاحتلال

ولم تتضح بعد 'خفايا' هذا القرار الاحتلالي الجديد، وما هي 'الأدوات' التي ستلجأ سلطات الاحتلال إليها لفرض تنفيذه، وإن كان سيؤدي إلى اندلاع 'مواجهة جديدة' بين الأهالي وسلطات الاحتلال، شبيهة بتلك المواجهة، البطولية والاستثنائية بكافة المعايير، التي خاضها الأهالي قبل نحو 36 عامًا إبان ما يُعرف بـ 'الإضراب الكبير'، ردا على قانون الضم الذي سنه الكنيست الإسرائيلي في الرابع عشر من كانون أول/ديسمبر1981 باقتراح من حكومة مناحيم بيغن.

وقد أثار ذلك الضم معارضة شديدة من أهالي القرى والبلدات السورية في الجزء المحتل من الجولان. وفي  1981/3/25، عقد اجتماع حاشد في بلدة مجدل شمس، حضره آلاف المواطنين من جميع القرى، أصدروا خلاله وثيقتهم الوطنية، 'التي حددوا بموجبها موقفهم من الاحتلال ومشاريعه، وكيفية تعاملهم معه، وكذلك مع بعضهم البعض'، في إطار ما اصطلح على تسميته لاحقا بـ 'الثوابت الوطنية لأهالي الجولان المحتل'. وهذا نصُّ 'الوثيقة الوطنية' كاملاً:

الوثيقة الوطنية للمواطنين السوريين في مرتفعات الجولان السورية المحتلة

مواجهات مع الاحتلال في مجدل شمس (أرشيف 1982)

 نحن المواطنين السوريين في المرتفعات السورية المحتلة، نرى لزاماً علينا أن نعلن لكل الجهات الرسمية والشعبية في العالم أجمع، ولمنظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها، وللرأي العام العالمي وكذلك الإسرائيلي، ومن أجل الحقيقة والتاريخ، بصراحة ووضوح تامين، عن حقيقة موقفنا من الاحتلال الإسرائيلي ودأبه المستمر على ابتلاع شخصيتنا الوطنية، ومحاولته ضم الهضبة السورية المحتلة حينا، وتطبيق القانوني علينا حيناً آخر، وجرّنا بطرق مختلفة للاندماج بالكيان الإسرائيلي والانصهار في بوتقته، ولتجريدنا من جنسيتنا العربية السورية التي نعتز ونتشرف بالانتساب إليها ولا نريد عنها بديلاً، والتي ورثناها عن أجدادنا الكرام الذين تحدّرنا من أصلابهم وأخذنا عنهم لغتنا العربية التي نتكلمها بكل فخر واعتزاز وليس لنا لغة قومية سواها. وأخذنا عنهم أراضينا العزيزة على قلوبنا وورثناها أباً عن جد منذ وجد الإنسان العربي في هذه البلاد قبل آلاف السنين-أراضينا المجبولة بعرقنا وبدماء أهلنا وأسلافنا. حيث لم يقصّروا يوماً في الذود عنها وتحريرها من كل الغزاة والغاصبين على مر التاريخ. والتي نقطع العهد على أنفسنا أن نبقى ما حيينا أوفياء ومخلصين لما خلفوه لنا منها وأن لا نفرّط منها بشيء منه مهما طال زمن الاحتلال الإسرائيلي، ومهما قويت الضغوط علينا من السلطة المحتلة لإكراهنا أو إغرائنا لسلب جنسيتنا ولو كلفنا ذلك أغلى التضحيات.

وهذا موقف من البديهي والطبيعي جداً أن نقفه. وهو موقف كل شعب يتعرض كله أو جزء منه للاحتلال. وانطلاقاً من شعورنا بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقنا تجاه أنفسنا وأبنائنا وأجيالنا القادمة أصدرنا هذه الوثيقة:

1- هضبة الجولان المحتلة هي جزء لا يتجزأ من سورية العربية.
2- الجنسية العربية السورية صفة حقيقية ملازمة لنا لا تزول. وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء.
3- أراضينا هي ملكية مقدسة لأبناء مجتمعنا السوريين المحتلين. وكل مواطن تسوّل له نفسه أن يبيع أو يتنازل أو يتخلّى عن شبر منها للمحتلين الإسرائيليين يقترف جريمة كبرى بحق مجتمعنا، وخيانة وطنية لا تغتفر.
4- لا نعترف بأي قرار تصدره إسرائيل من أجل ضمّنا للكيان الاسرائيلي ونرفض رفضاً قاطعاً قرارات الحكومة الإسرائيلية الهادفة إلى سلبنا شخصيتنا العربية السورية.
5- لا نعترف بشرعية المجالس المحلية والمذهبية، لكونها عُيّنت من قبل الحكم العسكري الإسرائيلي وتتلقى تعليماتها منه، ورؤساء وأعضاء هذه المجالس لا يمثلوننا بأي حال من الأحوال.
6- إن الأشخاص الرافضين للاحتلال من خلال مواقفهم الملموسة، والذين هم من كافة قطاعاتنا الاجتماعية، هم الجديرون والمؤهلون للإفصاح عما يختلج في ضمائر ونفوس أبناء مجتمعهم.
7- كل مواطن من هضبة الجولان السورية المحتلة تسول له نفسه استبدال جنسيته بالجنسية الإسرائيلية، يسيء إلى كرامتنا العامة وإلى شرفنا الوطني وإلى انتمائنا القومي وديننا وتقاليدنا، ويعتبر خائناً لبلادنا.
8- قررنا قراراً لا رجعة فيه وهو: كل من يتجنس بالجنسية الإسرائيلية، أو يخرج عن مضمون هذه الوثيقة، يكون منبوذاً ومطروداً من ديننا ومن نسيجنا الاجتماعي ويحرَّم التعامل معه، أو مشاركته أفراحه وأتراحه أو التزاوج معه- إلى أن يقرّ بذنبه ويرجع عن خطئه، ويطلب السماح من مجتمعه، ويستعيد اعتباره وجنسيته الحقيقية.
9- لقد اعتمدنا هذه الوثيقة، مستمدين العزم من تراثنا الروحي والقومي والإنساني الأصيل الذي يحضنا على حفظ الإخوان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوفاء العميق للوطن.

جماهير الجولان السوري المحتل

1981-03-25

التعليقات