الأسير المحرر سيطان الولي: "رغم مرضي استمد الأمل والصمود من الأطفال المهنئين، وهذا التواصل هو الأجمل وهم يتمثلون القيمة والمعنى..

-

الأسير المحرر سيطان الولي:
...عندما تتعنت الظلمة وتتوشح مروج الوطن بالسواد، يطل قمر في ليالي حزيران من خلف قمم الشام الشاهقة.. يعتلي المجد ويبشر العاشقين بفجر الأحلام والآمال ويذكر القانطين واليائسين ببؤسهم، والمتخاذلين بجبنهم والخائنين بعارهم، وذلك بعدد وحجم الساعات والأيام، والـ23 عاما من الحضور الاستثنائي والغياب القسري في أقبية القتل البطيء.. يلاقيك بجبروت الرجال ولا تخلو ملامحه من نسائم وعبق الطفولة ليضفي عليها نواميس ومعاني لا تليق إلا برجال صبروا وآمنوا تساموا فانتصروا.. قهروا الموت وقزموا الجلاد.. نشدوا وكتبوا وقرأوا وبعثوا الحياة.. فكانوا الرواية والحكاية.. لكن هل هنالك في أمة إقرأ من يقرأ..؟

نعم.. ليس لك عند مقابلته أن تترفع فوق التجريد أو تنجح في التجاسر على جوارحك إلا وأن تغرق في بحر التفاصيل الموجعة، ومهما تكن موضوعيا ومهنيا فقد تخونك كينونتك البشرية وتغالبك الدمعة، وقد تكون حارقة بحرارة صحراء العرب، كلما تذكرت أن هذه الأرواح المعذبة تقاوم بالنيابة عن "أمة العرب".. أعترف أنني قابلته محرجا وخجولا بأسئلة مختنقة ليس لأنه ضعيف، بل لأني كنت استمد القوة من أمثاله، وهو الذي يعاني مرضا عضال وهو منتصب كالمارد ومبتسم كالأطفال، لكنه يقتحمك بقوة وذكاء إلى حيثما تريد ليشل الأسئلة المترددة.. فهو الأسير الولي الصابر الصامد الذي التقيته بين ذويه في بيته بقرية مجدل شمس الذي غاب عنها ثلاثة وعشرين عاما..


* هل طريق جهنم تؤدي إلى الجنة حتما؟ يتساءل البعض ما الذي يدفع بأمثالك إلى هذا الطريق المفعم بالعذابات؟؟

** هذه ليست إلا طرق العزة والكرامة، فأنا ورفاقي مسكونون بالانتماء العميق العقلاني والوجداني للوطن الأم سورية وللهوية العربية السورية، والجنة تحت أقدام الأمهات. وهذه الضريبة الغالية ندفعها بغلاوة الأم كاستحقاق لهذا الحب وهذا الانتماء.. وهي استمرار طبيعي للحالة النضالية والتراث الكفاحي لجماهير الجولان والشعب السوري. وهي التي تمنح للأسير إرادة لا تنضب تجعلك في ظروف القيد تقوى على الصمود والاستمرار.

* قد يتساءل بعض آخر هل هناك ما يوازي هذا الحب والانتماء بالمقابل من قبل سورية الأم وهل بادلتكم الاستحقاق؟؟

** نعم باعتقادي أن موقف سورية كان موازيا للحالة النضالية التي تعيشها جماهير الجولان وأسرى الجولان كحالة تكاملية ما بين النضال المحلي في الجولان المحتل والموقف السوري الإقليمي والدولي، وذلك في الدفاع عن الحقوق العربية والنضال من أجل استعادة الأراضي المحتلة، والذي جعل سورية تقف في مقدمة دول الممانعة والداعمة للمقاومة ضد المشاريع الصهيونية والأمريكية في المنطقة، الأمر الذي يعني مزيدا من الجهد الديبلوماسي والإعلامي، وما بذل من أجل إطلاق سراح الأسرى. وباعتقادي فإن مجرد صمود سورية بوجه المخططات الصهيونية الأمريكية المتواصلة للنيل من عروبة واستقلالية سورية كرأس حربة مناهضة للمشاريع المشبوهة في المنطقة وفي مثل هذه الحالة العربية هو بحد ذاته انجاز ونحن لا نحمل سورية أكثر مما تحتمل.

* هل أنت راض عن دور الأحزاب والفعاليات السياسية في فلسطين والجولان إزاء ملف الأسرى؟

** هذا الجهد نسبي، وهو غير كاف لإطلاق سراح هذا العدد الكبير من الأسرى، خصوصا وأنه أمامنا نموذجا قدمه حزب الله في كيفية التعامل مع ملف الأسرى اللبنانيين، حيث أعطى نموذجا مميزا في إعادة القيمة للإنسان عموما، وللمناضل الأسير على وجه الخصوص. وهذا يعني المطالبة بالثبات على الموقف السياسي في إطار المفاوضات السياسية لإطلاق سراح الأسرى كجزء من الملف السياسي، وكشرط لإتمامه لأن الأسرى هم المحرك الأساسي لكل التحرك السياسي الحاصل، فجدير بالمفاوض العربي أن يطرح قضيتهم بكل قوة وإصرار على طاولة المفاوضات.

* إذا كان هذا حال أسرى السلطة الفلسطينية فماذا عن أسرى القدس والداخل؟

** هؤلاء يعيشون ازدواجية في التعامل، فهم إسرائيليون يحملون الهوية الزرقاء إذ يتم استثنائهم من الإفراجات السياسية وعمليات التبادل الحاصلة أو التي ستحصل، ومن جهة ثانية يتم التعامل معهم كفلسطينيين في ظروف وشروط حياتهم الاعتقالية، مما يتطلب من المفاوض الفلسطيني الإصرار على إطلاق سراحهم لأنهم كانوا وما زالوا فلسطينيين ناضلوا واعتقلوا في إطار منظمة التحرير الفلسطينية.

* ماذا عن الحالة المعنوية وهل هناك اهتمام والتفاف حولك من قبل أهالي الجولان؟

** هذا الاهتمام الكبير ليس إلا تعبيرا صادقا عما نعهده من جوهر وأصالة جماهير الجولان واهتمامهم بأسرى الجولان من خلال الاحتضان الشعبي الواسع والعميق والفياض بالمحبة التي غمرت بها حتى الطوفان. فإنني مغمور بهذه المحبة المشفوعة بالأمل لتحرير أسرى الجولان المعتقلين وكذلك الاحتضان من قبل ممثلي ومندوبي أهلنا وجماهير شعبنا الفلسطيني في كافة مناطقه. أما الحالة المعنوية فرغم مرضي وظروفي الصحية أتمتع بمعنويات عالية وقوية جدا مستندة إلى الإرادة الصلبة المستمدة من محبة الناس وتحديدا أطفال الجولان. وأنا أراهن عليهم وعلى محبة الناس، وهي علاجي إلى جانب العلاج الطبي. وآمل أن أستطيع حمل هم رفاقي أسرى الجولان تحديدا، والأسرى عموما، وسأبذل كل ما بوسعي باتجاه إطلاق سراحهم إلى جانب تحقيق أحلامي في اندماجي في المجتمع وتكوين أسرة والعيش وفق مقتضيات الحياة والواجب الوطني والاجتماعي بالاستناد إلى ثقافتي وهمي المرتبط في مسيرة تحرير الجولان.

* كيف تم اكتشاف المرض الذي كان سبب إطلاق سراحك؟

** تم اكتشاف المرض بتاريخ 08/07/2007 من قبل الطبيب وجدي جميل صفدي من مجدل شمس، وهو صديق وزميل دراسة، وذلك تم من خلال إجراء روتيني بادر إليه الصديق وجدي في إحدى زيارته لي في سجن نفحة كإجراء روتيني للإطمئنان على صحتي، وتبين من خلال الفحص السريري وجود كتلة في الخاصرة اليمنى، وتأكد لاحقا أنها كتلة سرطانية. ونتيجة لإهمال إدارة سجن نفحة على مدار ثمانية أشهر حتى نقلت الى سجن "الجلبوع"، وهناك أجريت لي الفحوصات اللازمة، وذلك بضغط من الدكتور وجدي والمحامي مجد كمال ابو صالح، مما استدعى استئصال الكلية بعملية جراحية. وهنا قدم المحامي التماسا إلى لجنة الإفراجات وطالب باستكمال العلاج في الخارج وبموازاة ذلك كان هناك الضغط الشعبي لأهل الجولان وتفعيل الدبلوماسية السورية والجهد الإعلامي غير المسبوق لوزارة الإعلام السورية، انتهت بجلسة قدم خلالها المحامي مرافعة قانونية استنادا للملف الطبي، وتم على أثرها تحريري.

* كلمة أخيرة لمن توجهها ؟

** أولا إلى كل من احتضنني وغمرني بهذه المحبة من الجولان الحبيب وفلسطين العزيزة، وثانيا أتوجه إلى أصحاب القرار أن لا يتوقفوا عن العمل ليل نهار في سبيل إطلاق سراح الأسرى، وأن يكونوا على رأس أجندتهم السياسية في أي عمل تفاوضي، وأن لا يكون منفصلا بأي حال من الأحوال. والتحية إلى رفاقي صدقي وبشر وعاصم من المجموعة القديمة، والى وئام عماشة وشام شمس وكميل خاطر وعطا فرحات ويوسف شمس وكل الأسرى على أمل اللقاء القريب...

التعليقات