12/04/2016 - 22:00

محمّد عفيفة؛ كاريكاتور في اللّوحة

يقدّم الفنّان في معرضه "ذاكرة وسمك"، الّذي أقيم في مركز "دانتي أليغييري" بجبل اللّويبدة في عمّان، ثلاثين لوحة منفّذة بالإكريليك على القماش من القطع المتوسّط، وتمتاز أعماله فيه بقربها لفنّه الذّاتيّ الكاريكاتوريّ.

محمّد عفيفة؛ كاريكاتور في اللّوحة

إنّ العمل على سطح اللّوحة لفنّان يتميّز بفنّ الكاريكاتور ليس بسيطًا، فإنّ الانتقال من فنّ الفكرة والخطّ في الكاريكاتور إلى فنّ الخطّ واللّون والفكرة في اللّوحة، يضع الفنّان في طريق متشعّبة، والاختيار بينهما يعتمد على أسس ورؤية شخصيّة يحاول الفنّان من خلالها إضافة شيء ما إلى عمله، حين لا يسعفه فنّ الكاريكاتور بقوله. ومن باب الإشارة، فإنّ الكاريكاتور يتطلّب جهدًا مضاعفًا لما له من دور اجتماعيّ وفنّيّ يتقاطع مع السّياسة والدّين والاقتصاد، ولما له من عمل وظيفيّ يوميّ يتطلّب المتابعة وعرض الرّسالة بتلخيص وبأبسط ما يمكن، إن كان من خلال تقديمها بسخرية أو جدّيّة.

عن الفنّان

محمّد عفيفة ( 1973)، الفلسطينيّ الأردنيّ؛ فنّان شابّ عمل على نفسه كثيرًا من أجل أن يكون واحدًا ممّن ستشهد لهم الأيّام بما يصنعه من حياة في أعماله، ولما يقدّمه من خطاب بصريّ في نقد الواقع وكشف خفاياه بطريقة لاذعة وصارخة وعميقة، وقد بدأ يتميّز بفنّه الكاريكاتوريّ السّياسيّ بالدّرجة الأولى، وهو يسير نحو تسجيل اسم وطريقة تعبير خاصّة، نستطيع ملاحظة جدّيّتها في أعماله الّتي ستضعه على خطى فنّانين معروفين على مستوى الوطن العربيّ، كعلي فرزات، وأمجد رسمي، ومحمّد عبد المنعم رخا، وجواد حجازي، وغيرهم، وليست إلّا مسألة وقت لنشاهد هذا الفنّان في الصّفوف الأولى من فنّاني الكاريكاتور، الّذي تعكس أعماله واقع فكرة الباحث والنّاقد والرّافض للعبوديّة وتسخير طاقة البشر من أجل الماكينة الاقتصاديّة السّياسيّة، وربّما نلتمس هذا الزّهد البشريّ وبوهيميّة الحياة من خلال أعماله العديدة خلال السّنوات الثّلاث الأخيرة.

'ذاكرة وسمك'

يقدّم الفنّان في معرضه 'ذاكرة وسمك'، الّذي أقيم في مركز ' دانتي أليغييري' بجبل اللّويبدة في عمّان، ثلاثين لوحة منفّذة بالإكريليك على القماش من القطع المتوسّط، وتمتاز أعماله فيه بقربها لفنّه الذّاتيّ الكاريكاتوريّ، وربّما تكون هذه ميزة لصالحه، إذ يحاول توظيف هويّته الكاريكاتوريّة الأساسيّة في اللّوحة الّتي تحتاج ظروفًا ومناخات أخرى؛ لكنّ وضع هذه اللّمسة الخاصّة ستجعل لوحته استكمالًا لمشروعه الشّخصيّ بتبسيط عناصر مشروعه وجعلها فريدة، الإيحاء اللّونيّ المحيط بها، مؤشّرًا على توظيف كافّة الخبرات لانتقال شخوصه من الثّبات إلى الحركة الحرّة داخل اللّوحة، بحيث تبقى أعماله تتأرجح ما بين اللّوحة والكاريكاتور لقرب أسلوبها منه، وللتّعامل مع عناصر اللّوحة بهذه البساطة الّتي تتمحور في ثلاثة عناصر أساسيّة، السّمكة، والإنسان الحيوان،  والكرسيّ.

وبالرّغم من هذا الاختلاط الأسلوبيّ في أعماله، بين بساطة الخطّ الّذي يشكّل حضورًا ثابتًا في أعماله وبين الكاريكاتور، إلّا أّننا نجد أنّ محاولاته العديدة للارتقاء بعمله لفنّ اللّوحة قد تكلّل معظمها بالنّجاح، وقد اقترب أسلوبه من أعمال نجدها لدى فنّانين آخرين مثل: Cecil Skotnes، و Elke Trittel، و Nathaniel Mather.

مسرحة السّياسة

إنّ العلاقة ما بين الكرسيّ والعناصر الأخرى، وفي مقاربتها مع فنّه الكاريكاتوريّ، توحي بالبعد الرّمزيّ السّياسيّ، وتسلّط الضّوء على التّفرّد بالسّلطة والإصرار الأبديّ في هذه المعركة الوجوديّة ما بين الرّئيس والمرؤوس على دليّة السّلطة، الّتي تشبه الحياة والموت، الفقر والغنى، العبد والسّيّد، واللّعب على شكل يقترب من المسرح، وهي تبقى كذلك إن تتبّعنا أعماله الّتي تتراقص وكأنّها على الخشبة، لتنقل لنا صورًا سريعة عن هذا التّغيير والتّحوّل السّريع، وكذلك التّسلسل الزّمنيّ عبر محور العمل في أبطاله الثّلاثة، كالكرسيّ والسّمكة والمرأة، ومشاهدتهم من زوايا متعدّدة وفي مواقع مختلفة، لكنّهم يكملون نفس الرّواية.

وبالرّغم من حاجة الفنّ لأساليب أقرب إلى الرّسم التّوضيحيّ أو الكاريكاتوريّ للتّعبير عن الواقع السّياسيّ، عادةً، إلّا أنّنا نجد العكس هنا، حيث الهروب من التّعبير عن الواقع السّياسيّ بالشّكل المباشر إلى حالة أخرى، ربّما يحاول صاحبها أن يخلّد عمله، أو أن يقلّل من بشاعة الواقعيّة ومواجهة اليوميّ في العمل عبر تغليفه بالجمال، وتكثيفه لإخفاء كلّ هذا القبح اللّحظيّ الّذي يلوّن بالأحمر كلّ يوم، والّذي نجده يجتاح جزءًا كبيرًا من أعماله، بشكل مقصود أو غير مقصود، إن كان في خلفيّات اللّوحة أو في العناصر الّتي يرسمها على السّطح، بحيث لا يخلو الأحمر منها.

ثمن الحياة

وكما أنّ للسّلع ضريبة، فإنّ للحياة ضريبة أيضًا وللمواقف ضريبة كبرى، يدفع ثمنها صاحب الكلمة الحرّة، وليس بالضّرورة أن يكون الثّمن المدفوع السّجن أو الاغتيال، لكن هناك أشياء كثيرة لا يعرف عنها العديد من النّاس، تُدفع كلّ لحظة من أجل هذه الصّور المرسومة الّتي تعبّر كثيرًا عن رأي عدد كبير من النّاس، ولكن في ظلّ التّجاوز السّياسيّ في المنطقة، فإنّنا نجد أشخاصًا لا يزالون يصرّون على قول كلمتهم وإن جرحت، أو جرحتهم بعد نطقها، فلن يتوانوا عن ذلك، ولكن ما يبقى هو الخالد، والخلود يحتاج لكلّ قطرة عرق، ولكلّ صوت أنين ليرصده الزّمن لصاحبه وبعد أن يموت يحيا فينا مرّةً أخرى.

التعليقات