16/10/2016 - 22:02

متحف الشارع: جمال لكلّ المقدسيّين

وعن اختيار أماكن توزيع اللوحات، بيّنت الحلّاق أّنهم اختاروا خمس لوحات للفنّان محمّد الجولاني، وعلّقوها في المناطق الحيويّة التي يسكن فيها عدد كبير من المقدسيّين، أو تلك التي يمرّ بها كثير منهم، بالإضافة إلى حافلات النّقل العامّ.

متحف الشارع: جمال لكلّ المقدسيّين

لوحة للفنّان محمّد الجولاني ضمن "متحف الشارع"

محمّد أبو الفيلات

لم يعد تذوّق الفنّ حكرًا على فئة معيّنة من المجتمع المقدسيّ، كما لم يعد الاستمتاع به يتطلّب تخصيص وقت من البرنامج اليوميّ للمواطن، إذ إنّ برنامج 'متحف الشارع' كسر كل القوالب المعهودة في المعارض الفنّيّة، وأدنى الأخيرة من الناس حتّى عرضها لهم في الشوارع التي يسلكونها يوميًّا.

'متحف الشارع' برنامج يهدف إلى إخراج الأعمال الفنّيّة الفلسطينيّة الشابّة من ضيق صالات العرض والمتاحف إلى أفق الشارع؛ ليزيد من فرص التشابك والتعارف بين الفنّانين الفلسطينيّين ومجتمعهم، وهو من تنفيذ مؤسّسة الرؤيا الفلسطينيّة، ويموّله برنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ.

في الشّوارع والحافلات

افتتح 'متحف الشارع' الخميس الماضي، 13 تشرين الأوّل (أكتوبر)، بتعليق لوحات الفنّان المقدسيّ محمّد الجولاني في عدّة مناطق في المدينة المقدّسة (البلدة القديمة، وباب الساهرة، وشارع صلاح الدين، والشيخ جرّاح، وقرية الطور، وقرية بيت حنينا)، بالإضافة إلى تعليقها داخل حافلات النقل العامّ، وسيستمرّ عرضها مدّة شهر كامل، لتستبدل بعد ذلك، دوريًّا، بأعمال فنّانين آخرين.

منسّقة المشروع في مؤسّسة الرؤيا الفلسطينيّة، داليا الحلّاق، قالت لفُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة: 'إنّ برنامج ’متحف الشارع‘ يأتي ضمن مشروع ’رسائل من القدس‘، الذي يهدف إلى تعزيز الهويّة الفلسطينيّة عند الطلّاب ما بين 13-16 سنة، والذي نعقد خلاله العديد من الدورات والمحاضرات لتعزيز هذا المفهوم. وقد ارتأينا تنفيذ برنامج ’متحف الشارع‘؛ لنخرج الطلّاب من جوّ المحاضرات والغرف المغلقة، ولتوسيع الفئة المستهدفة حتّى تشمل فئات المجتمع كافّة.'

حماية الهويّة

تتعرّض مدينة القدس إلى حملة تهويديّة شرسة من قبل الاحتلال الإسرائيليّ، تهدف إلى طمس طابع المدينة العربيّ والإسلاميّ، بالإضافة إلى سلخ المواطن المقدسيّ عن هويّته الفلسطينيّة، لا سيّما طلّاب المدارس، إذ استبدلت بلديّة الاحتلال المناهج الفلسطينيّة بأخرى إسرائيليّة في بعض المدارس لتحقيق غايتها تلك، بالإضافة إلى بُعْد المرجعيّات الفلسطينيّة السياسيّة والثقافيّة عن مدينة القدس، ما أدّى إلى ما يمكن تسميته بالتجهيل للهويّة الفلسطينيّة.

توضح داليا الحلّاق لفُسْحَة أنّهم في اكتشفوا في مؤسّسة الرؤيا ضعفًا في مفهوم الهويّة المقدسيّة لدى الكثير من الناشئة، فأرادوا من خلال مشاريعهم، ومنها مشروع 'متحف الشارع'، تعريف الطلّاب المقدسيّين بهويّتهم الفلسطينيّة وتراثهم وجغرافيّة وطنهم، التي سيطر عليها الاحتلال فدمّر بعضها أو أسكنها مستوطنيه.

وعن اختيار أماكن توزيع اللوحات، بيّنت الحلّاق أّنهم اختاروا خمس لوحات للفنّان محمّد الجولاني، وعلّقوها في المناطق الحيويّة التي يسكن فيها عدد كبير من المقدسيّين، أو تلك التي يمرّ بها كثير منهم، بالإضافة إلى حافلات النقل العامّ، بغية إيصال الرسالة إلى أكبر عدد من المواطنين.

التقريب بين الفنّان والمجتمع

الفنّان المقدسيّ صاحب اللوحات المشاركة في المتحف، محمّد الجولاني (33 عامًا)، قال لفُسْحَة: 'رحّبت كثيرًا بفكرة متحف الشارع عندما عرضتها مؤسّسة الرؤيا الفلسطينيّة، إذ إنّ هذا المشروع يعمل على تقريب الفنّان من المواطنين، فيتعرّف الناس من خلاله على فنّانيهم الذين يكون، في أغلب الأحيان، مجهولين بالنسبة لهم، كون المجتمع المقدسيّ بعامّة لا يهتمّ بالفنّ بسبب الضغوطات والمشاكل التي يواجهها، سواء من الناحية السياسيّة أو الاقتصاديّة.'

في حافلات النقل العامّ

وعن اختياره للّوحات المشاركة، وضّح الجولاني أنّه وبعد تفكير عميق انتقى خمس لوحات من بين 40 لوحة كان قد رسمها على مدار 10 سنوات، أي منذ دخوله عالم الفنّ، وكان اختيار اللوحة وفقًا لما تتضمّنه من رمزيّة فلسطينيّة، لكن في ذات الوقت، بعيدة عمّا قد يجد فيه الاحتلال مسوّغًا لإزالتها من الشارع، فاستبعد اللوحات التي تصوّر، بشكل واضح ومباشر، الاضطّهاد الإسرائيليّ وإجراءات الاحتلال القمعيّة في مدينة القدس، كتفتيش المواطنين والتنكيل بهم يوميًّا.

نجد اللوحات تتناول، مثلًا، المرأة الفلسطينيّة وملابسها التراثيّة، أو لعبة الزهر (الشيش بيش)، أو أسوار مدينة القدس ومعالمها.

'ينقص المشروع أن يُعَمَّم على جميع المدن الفلسطينيّة وألّا يُحصر في مدينة القدس وحدها، بهدف إيصال الفنّ إلى كلّ المجتمع الفلسطينيّ، وهو ما يمكنه أن يعزّز ذائقة المواطن الفلسطينيّ الفنّيّة ويجعله قادرًا على التمييز بين ما هو فنّ حقيقيّ وما هو غير ذلك،' قال الجولاني، مضيفًا: 'على المشروع أن يستضيف أعمال فنّانين فلسطينيّين مغتربين حتّى يجمع ما بين الفنّان والمجتمع جماليًّا، إذا تعسّر أن يجمعهم المكان.'

جمال لغير 'النخبة'

المواطنة المقدسيّة ليلاس طهبوب، قالت لفُسْحَة: 'عندما مررت ببلدة القدس القديمة ووجدت لوحة الشيش بيش معروضة في الطريق تفاجأت كثيرًا وفرحت كثيرًا، فلطالما خُصِّصَتِ اللوحات للإعلانات، لكنّها لم تُخَصَّص أبدًا للفنّ والثقافة، إضافة إلى ذلك، فإنّ اللوحة كانت متماهية مع طابع المدينة التراثيّ، ما زاد اللوحة والمدينة جمالًا وتميّزًا.'

داخل البلدة القديمة

وأضافت طهبوب أنّ ما زاد من انبهارها أنّها عندما استقلّت حافلة النقل العامّ، وجدت لوحة أخرى قد عُلِّقَتْ داخلها، ما دفعها إلى عدم الالتفات إلى غيرها، وراحت تدقّق في تفاصيلها، موضحة أنّ المعارض الفنّيّة في أغلب الأحيان تكون مقتصرة على فئة معيّنة من المجتمع، والتي أطلقت عليهم صفة 'النخبة'، 'حتّى أنّ تلك المعارض لا يُعلن عنها على النحو اللازم، ولا تكون مفتوحة أمام الجمهور، إلّا أنّ ’متحف الشارع‘ أتاح للجميع التمتّع بالفنّ الفلسطينيّ.'

يذكر أنّ 'متحف الشارع' سيستضيف الشهر المقبل لوحات للفنّان الفلسطينيّ ساهر الكعبي من مدينة نابلس، وستكون لوحاته رسومات لفنّ الخطّ العربيّ.

التعليقات