02/04/2018 - 23:47

دار النمر للفنون والثقافة: ثقافة إدماج

دار النمر للفنون والثقافة: ثقافة إدماج

من معرض لاريسا صنصور، "ثلاثيّة الخيال العلميّ"، الذي تستضيفه دار النمر هذا الشهر

 

المصدر: LIFE.

ترجمة: فريق التحرير.

 

يمكن للفنّ أن يكون ترياقًا شافيًا. فالفنّ، بأطيافه التعبيريّة الواسعة، يُعَدّ آليّة تكيّف وتلاؤم تلهم الأفراد وتوحّد المجتمعات. إلّا أنّ الكثيرين ينتقدون عالم الفنّ المعاصر، بمعارضه الأنيقة، وأسعاره الباهظة، ونُخبه المغلقة، باعتباره عالمًا مليئًا بالادّعاءات المزيّفة وبعيدًا عن الجمهور. إنّنا محظوظون في لبنان لأنّ الدخول إلى معظم المساحات الفنّيّة مجّانيّ. ولدى لغير المعتادين على هذه المساحة – أولئك الآتين من خلفيّات محرومة، وغير القادرين على الحديث بلغة العالم الفنّيّ، والذين لا يعرفون أنّه يمكن لهم رؤيته – فإنّ مساحات الفنّ والثقافة لا تبدو جذّابة ولا مرحّبة بهم.

 

مبنى دار النمر في بيروت | taste.of.beirut

 

لا تكتفي دار النمر للفنون والثقافة، المساحة الثقافيّة الحيويّة في قلب بيروت، بتقديم مجموعة متنوّعة من المعارض والفعاليّات الجميلة، بل تقدّم حسًّا حيويًّا بالإدماج والشمول، للفلسطينيّين بخاصّة، إحدى أكثر المجموعات الاجتماعيّة تهميشًا في لبنان؛ فالدار تحتفي بتراث المنطقة الغنيّ والمركّب، مع تركيز خاصّ على الثقافة الفلسطينيّة، التي تواجه والهويّة الفلسطينيّة صنوفًا من محاولات التشويه والمحو. منذ انطلاقتها، اكتسبت دار النمر سمعة راسخة لروحها القائمة على التفاعل وسهولة الوصول إليها، ما يظهر بوضوح من خلال طبيعة معارضها ورتمها، من عروض لأفلام، وورشات عمل، وعروض أداء حيّ، ومحادثات، وجولات ميدانيّة. والدخول إلى هذه الفعاليّات مجّانيّ، كما معظم الفعاليّات، باستثناء بعض ورشات العمل التي يجب أن تغطّي تكاليف موادّها.

افتُتحت دار النمر، رسميًّا، في أيّار (مايو) 2016، بفكرة رامي النمر ومبادرة منه، الرجل المصرفيّ وراعي الفنون، الذي تنحدر عائلته من فلسطين. على طول 40 سنة، جمع النمر مجموعة كبيرة من القطع الأثريّة، الإسلاميّة والمسيحيّة والمشرقيّة، التي تمتدّ تواريخها إلى نحو عشرة قرون من الحضارة. وتشمل هذه المجموعة مخطوطات، وعملات معدنيّة، وأوان خزفيّة، ومنسوجات مختلفة، وأعمال خشبيّة مرصّعة باللؤلؤ، وأعمال مشغولة من المعادن، بالإضافة إلى مجموعة من الأعمال الفنّيّة الفلسطينيّة الحديثة والمعاصرة، وقد اختيرت هذه المجموعة وفق قيمة هذه الأعمال، جماليًّا وتاريخيًّا.

في معرضها الافتتاحيّ، "أطراف الخيوط"، تتكشّف ملامح الحِرَف الفلسطينيّة والتاريخ السياسيّ الكامن وراء التطريز التقليديّ (وهو أوّل معرض يُبَثّ عبر الأقمار الصناعيّة من المتحف الفلسطينيّ في بيرزيت). إنّ مشاركة الثقافة الفلسطينيّة مع مجتمعها وبقيّة مناطق البلد، تُعَدّ جزءًا من مهمّة المؤسّسة المستقلّة غير الربحيّة ورسالتها. وعلى الرغم من أنّ هذه المساحة تعرض أعمالًا لفنّانين من مختلف الجنسيّات، فإنّها تعمّدت أن يكون معرضها الأوّل فلسطينيًّا.

 

من تجهيزات معرض "الكلمة الرمز: فلسطين"

 

تقول المديرة التنفيذيّة لدار النمر، رشا صلاح: "[إنّنا نريد] أن نكسر التصوّرات النمطيّة حول فلسطين في لبنان، لنُبرز أنّ للفلسطينيّين وجوهًا وجوانب متعدّدة... ففلسطين لها ثقافتها وتاريخها وتراثها، ومن المهمّ إظهار ذلك، بغضّ النظر عمّا يحدث على المستوى السياسيّ".

في خريف 2016، أقامت دار النمر عرضًا للأعمال الفنّيّة، ليكون جزءًا من محفل قلنديا الدوليّ الثالث، المحفل الفلسطينيّ الذي يُعقد كلّ عامين، والذي عُقِدَ لأوّل مرّة في ذلك العام على مستوى دوليّ، عبر 16 مؤسّسة فنّيّة في أربع دول. نُظّم البرنامج الفنّيّ حول موضوع العودة، في محاولة لاستعادة علاقة الفلسطينيّين بمحيطهم الطبيعيّ، من خلال التركيز على البحر. ومنذ ذلك الوقت، شهدت هذه المساحة الفنّيّة عرض أعمال فنّانين عديدين، من فلسطين بخاصّة والمنطقة بعامّة.

تهدف دار النمر، جزءًا من رسالتها، أن تقدّم معرضًا سنويًّا يركّز على ثيمة معيّنة من مجموعتها الفنّيّة. عُقد المعرض الأوّل للمجموعة من نيسان (أبريل) إلى تشرين الأوّل (أكتوبر) 2017، بعنوان "مداد: فنّ الخطّ العربيّ في الحياة العامّة والخاصّة"، وضمّ 75 قطعة فنّيّة من الخطّ العربيّ، يعود بعضها إلى القرن الثامن، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الأعمال الجديدة التي خطّت خصّيصًا لهذا المعرض. عام 2018، يركّز المعرض على الذكرى السبعين للنكبة، عبر عرض مجموعة من وثائق الأرشيف الفلسطينيّ، الذي قام على إعداده الفنّان والقيّم الفلسطينيّ جاك بيرسكيان.

 

ندوة بعنوان "موسيقى يتيمة: الموسيقى العربيّة والافتقار إلى البنية التحتيّة"

 

هذا العام، عُقد معرض "الكلمة الرمز: فلسطين"، خلال شهر شباط (فبراير)، تلاه مزاد علنيّ لبعض القطع الفنّيّة، الذي ستعود أرباحه إلى مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة. في الشهور الآتية، سيُعقد معرض للفنّانة الفلسطينيّة المعاصرة الشهيرة المقيمة في لندن، لاريسا صنصور، والذي سيستعيد ذكرى الراحل توفيق عبد العال، بالإضافة إلى معرض لمصوّر فوتوغرافيّ دوليّ مليء بالمفاجآت.

بالإضافة إلى كونها محورًا نشطًا للثقافة، تركّز دار النمر على البحوث والحوارات والانخراط الفكريّ، مع تركيز مساوٍ على تنويع زوّارها على نحو انتقائيّ، ولا سيّما من المجتمعات الفلسطينيّة المختلفة؛ إذ تستضيف الدار، جزءًا من برنامجها التوعويّ، طلّابًا من المدارس الحكوميّة والخاصّة، ومدارس وكالة الغوث (الأونروا)، والجامعات، بالإضافة إلى الباحثين وكلّ مَنْ يمكن أن يهتمّ بأنشطتها المختلفة.

لا تقلّ جودة الأعمال التي تعرضها الدار عن المساحات الثقافيّة المرموقة الأخرى في لبنان، لكنّ الدار تولي عناية كبيرة لجعل بيئتها مضيافة ومرحّبة بكلّ المهمّشين والمستثنين من العالم الفنّيّ عادة. "صحيح أنّنا نقدّم معارضَ رفيعة المستوى مثل ’مداد’، لكنّنا استضفنا أيضًا فرقة للرقص من عين الحلوة [مخيّم للّاجئين الفلسطينيّين]، ليقدّموا أداءهم، وليدور الحديث عنهم [في الإعلام]. إنّهم بذلك يشعرون بأنّهم مشتركون معنا، وبأنّهم محلّ احترام... كما يشعرون بأنّهم جزء من هذه المساحة. لا تريد الدار أن تكون محلّ رهبة، بل أن تكون متاحة للجميع وسهلة الوصول"، تقول رشا صلاح.

 

جانب من معرض "مداد: فنّ الخطّ العربيّ في الحياة العامّة والخاصّة"

 

وتضيف أنّ جميع جوانب هذه المساحة تهدف إلى الإدماج والشمول؛ فالكتّاب، باللغتين العربيّة والإنجليزيّة، يحاولون أن يبقوا واضحين في عباراتهم، لتكون مفهومة للجميع، لا لنخبة محدودة فقط، " فأن تضع مجموعة من الكلمات الكبيرة التي لا يفهمها الناس... فذلك يعني لديّ أنّك تستثني جزءًا كبيرًا من المجتمع المحيط بنا".

يقول موقع دار النمر إنّه يستضيف الإنتاج الثقافيّ "الذي يتفاعل مع القضايا الاجتماعيّة والتيّارات السياسيّة التي تشكّل المنطقة"، وهم يطبّقون ما يقولونه في تعاملهم بالفعل. "بالنسبة إلينا، يجب أن تكون للفنّ رسالة. على الفنّ أن يفتح العقول، ويطرح الأسئلة، ويفتح أبواب النقاش"، تقول صلاح. وهذه الرسالة ليست حاضرة في القطع الفنّيّة نفسها وحسب، بل في قدرة المركز على مشاركة الفنّ مع جمهور واسع، دون أن يتجاهل أولئك الذين يمكن أن يستفيدوا استفادة بالغة من النظرة الواسعة والشعور الجميل بالانتماء.

 

روزنة: إطلالة على الثقافة الفلسطينيّة في المنابر العالميّة، من خلال ترجمة موادّ من الإنجليزيّة والفرنسيّة إلى العربيّة وإتاحتها لقرّاء فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة، بإشراف المترجمين، أسامة غاوجي ومعاد بادري.

* الصور والفيديوهات الواردة في هذه المقالة من اختيارات هيئة التحرير، لا المصدر الأصل.

 

التعليقات