19/11/2018 - 11:22

"التسعينيّات" ما زالت تنتظر مَنْ يحاورها

عمل الفنّان أشرف حنّا ضمن معرض "كأنّا يا بدر لا رحنا ولا جينا"

 

لم تكن ندوة "حوار مع التسعينيّات"، وهي أولى الندوات الّتي تُعقد في "جاليري فتّوش" الجديدة في حيفا، لم تكن خوضًا حقيقيًّا وجدّيًّا في هذا العِقد المثير. خاض الحوار في جوانب أخرى مهمّة، أمّا التسعينيّات فلم تُطرح إلّا خلفيّة تاريخيّة تبرّر نفسها؛ من خلال "محطّات" استعرضها المحاوِر حسني شحادة، وهي - على أهمّيّتها - محطّات غير كافية للإمساك بأثر هذا العِقد في ما نعيشه اليوم.

 

مدخل غير مقنع

حاول الحوار أن تكون التسعينيّات مدخلًا لفهم معرض "كأنّنا يا بدر، لا رحنا ولا جينا"، وهو المعرض الفنّيّ الأوّل الّذي يُقام في صالة العرض. حاول أن تكون هذه السنوات ما يصل أعمال المعرض ببعضها بعضًا، ويعطي المعرض قيمة أكبر من مجموع أعماله – لكنّ ذلك لم يحصل. لم تكن التسعينيّات مدخلًا مقنعًا.

لعلّ المشكلة تكمن في أنّنا شاهدنا "حوارًا مع التسعينيّات"، وليس حوارًا بين أبناء التسعينيّات وبناتها وأعمالهم، وقد تحدّث الفنّانون المشاركون: أشرف حنّا، وأشرف فواخري، وأحلام شبلي الّتي قدّمت مداخلة قصيرة في نهاية الندوة، تحدّثوا عن أعمالهم بشكل منفصل، دون تشكيل حوار يبحث في العلاقات بين هذه الأعمال، ودون سعي إلى تشكيل مشترك عن "روح الحقبة"؛ من خلال تشابك أعمالهم؛ فقد عاد أشرف حنّا مع عمله إلى حقبة الحكم العسكريّ، وعاد أشرف فواخري إلى تجربته الفرديّة في علاقته بالإسرائيليّين ودراسته الأكاديميّة، بينما ناقشت أحلام شبلي عملها من خلال العلاقة بين مفهومَي الجسد والدار، أمّا قيّمة المعرض رلى خوري، فقد ظلّت في المنطقة الآمنة لوصف صيرورة إنتاج المعرض، دون أن تخوض في أهمّيّة التسعينيّات، وما تقوله هذه الأعمال عن التسعينيّات.

 

لحظة النبش

لم ينشأ حوار بين الفنّانين، وهذه مسألة تتجاوز الندوة كثيرًا، فاللحظة الّتي يمكن فيها الإشارة إلى "تسعينيّات"، أو "ثمانينيّات"، أو أيّ حقبة زمنيّة أخرى، هي اللحظة الّتي نبدأ فيها بنبش الصلات المفاهيميّة والجماليّة، ونتمكّن من موضعتها في سياقيْها الزمانيّ والمكانيّ؛ من خلال فحص تفاعلها مع واقع التغيّرات الاجتماعيّة والسياسيّة من جهة، والأهمّ فحص صلاتها في سياق حركة الثقافة والفنون والأدب والمعرفة في تلك الفترة، وهي كلّها مساحات متشابكة، ولحظة نبش الصلات هذه ليست لحظة مهمّة لتحديد ماهيّة الحقبة فقط، لكنّ الأهمّ أنّها لحظة فهم الفنّ والثقافة باعتباره حركة.

 

 

ولا يحدث هذا الفنّ بأثر رجعيّ فقط وبقراءة تاريخيّة، إنّما من شأنه أن يُصنع من قلب العمل الثقافيّ أو بموازاته؛ فقد وصلنا مرحلة في التاريخ، لم يعد يمكننا فيها أن نتجاهل قراءة العمل الفنّيّ والثقافيّ؛ باعتباره حركة تتأثّر وتؤثّر، تتشكّل من خلال تجاوبها مع الماضي، وفي الوقت ذاته تشكّل عتبة يدوس عليها - بالمعنى السلبيّ أيضًا - الفنّ القادم مستقبلًا. من الضرورة أن يشكّل الفنّانون صورة عِقد، وأن يموضعوا أعمالهم في سياق تاريخيّ صلب، ليس رياضة تأريخيّة، إنّما هي دفع للفنّانات والفنّانين الناشئات والناشئين، وللأديبات والأدباء أيضًا - وينطبق هذا في رأيي على المشتغلات والمشتغلين في السياسة والنضال الاجتماعيّ - يحثّهم على رؤية أعمالهم وإنتاجاتهم كجزء من حركة أكبر، وهو ما يضيف ويغني المجموع، ويعود بالفائدة والقوّة والقيمة على كلّ واحد من أعمال فترتهم.

 

استمراريّة وانسجام

التسعينيّات فترة مهمّة - تحديدًا لأنّها شهدت إشهار Pulp Fiction، وانتشار لعبة Doom، وانتحار كورت كوباين، ولكن أيضًا... - لأنّها حملت تحوّلات سياسيّة واجتماعيّة جعلت ما نعيشه اليوم؛ من تعدّديّة حزبيّة، وتعدّديّة واسعة في المؤسّسات الأهليّة، وانفتاح مكّنته التقنيّة على الوطن العربيّ.

لقد بلورت حيفا مركزًا مدنيًّا للفلسطينيّين في الأراضي المحتلّة عام 1948، وتشكّلت فيها مساحات عامّة عديدة تجمع فلسطينيّين، أُحكم تشتيتهم الناعم منذ الحكم العسكريّ، وصولًا إلى العزل التخطيطيّ، ومنع تطوير البلدات والمدن الفلسطينيّة في الجليل والمثلّث، وهذه التفاصيل ليست إلّا عناصر قليلة من اتّساع هذه الفترة وعمقها، الفترة الّتي يمكن أن يُكتب عنها الكثير الكثير.

 

 

إنّ ما يُعطي هذه الفترة أهمّيّتها، أنّه يمكننا أن نجد التواصل المباشر بينها و"يومنا هذا"؛ أي يمكن أن نتابع نوعًا من الاستمراريّة والانسجام، على مستوى المؤسّسات والرموز واللغة الّتي نشأت في تلك الفترة، وهذا ليس بالأمر المفهوم ضمنًا، في تاريخ اجتماعيّ دائم التقطّع بفعل الاستعمار.

 

 

مجد كيّال

 

صحافيّ وروائيّ. وُلد في حيفا عام 1990 لعائلة مهجّرة من قرية البروة. صدرت له رواية "مأساة السيّد مطر" عن الدار الأهليّة، ودراسة "كيف يتغيّر النظام الصهيونيّ؟" عن مركز "مسارات".

 

 

 

 

التعليقات