21/01/2018 - 18:25

فيلم "قضيّة رقم 23" يتحدّى BDS، وقد يفوز بالأوسكار

فيلم

زياد دويري (الوسط) مع بطلي فيلم "قضيّة رقم 23"، كامل الباشا وعادل كرم

نشر موقع فوروورد الأميركيّ، والذي يُعني بالقضايا والأفكار والمؤسّسات التي تهمّ اليهود الأميركيّين كما يعرّف نفسه، حوارًا مع المخرج اللبنانيّ الفرنسيّ الأميركيّ، زياد دويري، إثر الإعلان عن ترشيح فيلمه، "قضيّة رقم 23"، لجائزة الأوسكار. وقد أثار ما جاء في الحوار استغراب واستهجان جهات عدّة، وتحديدًا في لبنان وفلسطين، بسبب تصريح دويري بأنّه لا يرى في إسرائيل اليوم قضيّة، وأنّها مجرّد تفصيل، وأنّ معركته في المرحلة القادمة مع حركة مقاطعتها العالميّة – BDS، ما جعل أصواتًا تطالب وزارة الثقافة اللبنانيّة بسحب ترشيحها للفيلم للأوسكار. كما ذهب البعض إلى أنّ دويري منح هذا التصريح لموقع فوروورد، الذي يتابعه قرابة المليون شخص شهريًّا، ليسهّل مهمّة فوزه بالجائزة، من خلال دغدغة مشاعر مراكز القوى الداعمة لإسرائيل في أمريكا، ذات التأثير الكبير في قطاع صناعة السينما هناك.

وكانت السلطات اللبنانيّة قد أوقفت دويري لدى وصوله إلى لبنان في أيلول (سبتمبر) 2017، وحقّقت معه بشبهة التطبيع، بسبب تصوير أجزاء من فيلمه "الصدمة" في تل أبيب، واعتماده على طواقم عمل إسرائيليّين، مستغلًّا جنسيّته الأميركيّة. كما منعت بلديّة رام الله في تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي عرض فيلم "قضيّة رقم 23" في أحد مرافقها، قصر رام الله الثقافيّ، ضمن مهرجان "أيّام سينمائيّة" الذي تقوم عليه مؤسّسة "فيلم لاب" الفلسطينيّة.

تنشر فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة ترجمة الحوار الذي أجرته شيرلي أفني مع زياد دويري في موقع فوروورد، ضمن زاوية روزنة المختصّة بنقل شؤون الثقافة الفلسطينيّة المنشورة عبر المنابر العالميّة إلى العربيّة.

....................

المصدر: موقع فوروورد.

معدّة الحوار: شيرلي أفني.

ترجمة: فريق التحرير.

 

في تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، حصل الممثّل الفلسطينيّ كامل الباشا على جائزة كأس فولبي لأفضل ممثّل في مهرجان البندقيّة السينمائيّ، وذلك عن دوره في فيلم زياد دويري "قضيّة رقم 23" (أو الإهانة - The Insult). في هذا الفيلم، أدّى كامل الباشا، الممثّل المسرحيّ المغمور نسبيًّا، دور ياسر، اللاجئ الفلسطينيّ المعتدّ بنفسه في بيروت، حيث يتبادل ياسر الشتائم والإهانات مع طوني، المسيحيّ اللبنانيّ، وهو يحاول إصلاح أنبوب التصريف الخارج من عمارة طوني. لكن، ما كان يُفترض به أن يكون لحظة غضب واهتياج عابرة، كالمعتاد في حياة المدينة المليئة بالضغوطات، قد انفجر في كلّ اتّجاه حين قرّر طوني أن يأخذ ياسر إلى المحكمة.

"قضيّة رقم 23"، دراما مكثّفة ومتوتّرة ومدروسة جيّدًا، تتفحّص كيف ألقى الاضطّهاد الإسرائيليّ للفلسطينيّين بظلاله على نفسيّة اللبنانيّين. ترشّح الفيلم، بالفعل، إلى القائمة القصيرة للأوسكار. كان ينبغي أن يُنظر إلى نجاح الفيلم على أنّه انتصار للفلسطينيّين: فهو يقدّم بورتريه مؤنسن بعمق للتعقيد الذي يكتنف التجربة الفلسطينيّة، كما أنّه قدّم الاعتراف الدوليّ لممثّل فلسطينيّ بناء على موهبته.

لكن، وللمفارقة، أُزيل فيلم "قضيّة رقم 23" من قائمة الأفلام المقرّر عرضها في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2017 في رام الله، واتّهمت حركة مقاطعة إسرائيل - BDS، دويري، بتطبيع العلاقات مع إسرائيل (حيث صوّر أجزاءً من فيلمه "الصدمة - The attack " عام 2012). إنّ هذه الاستجابة المربكة والمشوّشة للعالم الواقعيّ، تؤكّد مزيد التأكيد أهمّيّة هذا الفيلم الراهنة، ومدى صلته باستكشاف الطرق التي تعبّر بها السياسات والانقسامات والصدمة عن نفسها في هذه المنطقة: بفوضى عارمة. ببنائه المتوتّر المدروس، يفضح "قضيّة رقم 23" هذه الفوضى، ويكاد يقدّم إشارات ترشدنا إلى كيفيّة الشروع بتنظيفها.

يتحدّث دويري معنا، من منزله، حول الحادثة التي ألهمت هذا الفيلم، وحول صراعه مع حركة مقاطعة إسرائيل - BDS، وعن تفاصيل الكتابة المشتركة للسيناريو بينه وزوجته وشريكته في الكتابة، لوقت طويل، جويل توما، وعن طلاقهما.

شيرلي: أنت لا تنحاز إلى جانب بالمعنى التقليديّ؛ فكلّ من طوني وياسر يعاني معاناة كبيرة، وبإمكان المشاهد أن يلمس كلتا الشخصيّتين في أوقات مختلفة. في الحقيقة، بقدر ما يكره ياسر وطوني بعضهما البعض، بقدر ما تكون أوقات في الفيلم يشعر المشاهد بأنّه معجب بهما فعلًا، لأنّهما يتمتّعان بالنزاهة والكرامة.

زياد: بالضبط. لقد كانت نزاهة ونبالة، la noblesse مشاعرهما أمرًا حاضرًا في الكتابة منذ البداية. هاتان الشخصيّتان نبيلتان ومحترمتان. إنّ ما صنعناه قصّة "شخصيّة - character" جيّدة للغاية؛ فثمّة شخص يسعى للعدالة عبر القضاء وشخص لا يؤمن بذلك، وهذه ثيمة شائقة جدًّا. هكذا بدأ الفلم.

 

شيرلي: ثمّ تبدأ الخطابات المتنافسة للمحامين الذين يمثّلونهم في المحكمة، والذين يؤطّرون في مرافعاتهم الجراح العميقة في المجتمع اللبنانيّ. هل كانوا يتلاعبون بالحقيقة لتفوز دعايتهم؟

زياد: قد نشعر لوهلة بأنّهم يستعملون المحكمة لخدمة أجندتهم الخاصّة، لكنّ الأمر ليس كذلك في الحقيقة، فمعظم طرق المحامين تعتمد على التلاعب، إلّا أنّهم يقولون الحقائق أيضًا.

شيرلي: حين كتبت أنت وجويل توما "قضيّة رقم 23" كنتما في خضم مراحل الطلاق، وهذا أمر مدهش. كيف فعلتما ذلك؟

زياد: في الواقع، كان هذا قرارًا متبادلًا، ولم نختلف حوله. أعني أنّنا وصلنا إلى النتيجة نفسها، وهذا ما جعل الأمر أسهل. لقد كانت هذه أسهل عمليّة كتابة عملنا عليها سويًّا! لأنّنا ببساطة كنّا نعرف المادّة التي نريد كتابتها جيّدًا.

شيرلي: لقد نشأتما على طرفي النقيض من الطيف السياسيّ، أليس هذا صحيحًا؟

زياد: هي نشأت في عائلة يمينيّة، أو بالأصحّ، عائلة كانت يمينيّة أثناء الحرب... لا أعني يمينيّة بالمعنى السلبيّ الذي نتحدّث عنه اليوم. ولأجل ذلك، فقد كان عليها أن تعيد فحص واختبار الطريقة التي نشأت وتربّت عليها، وأن تعيد تفحّص مَنْ هو العدوّ. وكذلك فعلت أنا، فقد جئت من عائلة يساريّة مسيّسة للغاية ومؤيّدة للفلسطينيّين، وكان عليّ أن أواجه تصوّرات أمّي وأبي المناضلة المتشدّدة عن العالم.

شيرلي: وكيف قرّرتما مَنْ سيكتب وجهة نظر مَنْ؟

زياد: الجزء الشائق أنّنا قرّرنا منذ البداية أن نقلب الأدوار، فهي مَنْ كتب الحوارات للمحامي الذي يدافع عن ياسر، وأنا، تحديدًا لأنّني نشأت في بيئة من الناشطين المؤيّدين للفلسطينيّين، قرّرت أن أكتب مشاهد الرجل المسيحيّ. إذًا، فقد بدّلنا مواقعنا، وهذا ما سمح لنا أن نحافظ على نوع من التعاطف مع الخصم.

جويل توما، كاتبة سيناريو فيلم "قضيّة رقم 23" إلى جانب طليقها، زياد دويري

 

شيرلي: "التعاطف مع الخصم"، إنّ السؤال عمّا إذا كان ذلك ممكنًا يشغل حصّة كبيرة من حركة الفيلم. يقوم الفيلم على حادثة حقيقيّة، لكن في حالتك، أنت أهنت شخصًا ما واعتذرت إليه، وانتهى الأمر بذلك.

زياد: لقد بدأ الأمر بشرارة صغيرة جعلتني أفكّر بالأمر كلّه، ثمّ أخذت تكبر في رأسي؛ بدأت أفكّر "ماذا لو بدأنا بحادثة تافهة" ثمّ تركناها تتصاعد، ثمّ تأخذ البلد كلّه بعد عدّة شهور إلى حافّة حرب أهليّة. في لبنان، من السهل أن يحدث شيء كهذا؛ في الحقيقة، لقد حدث في السابق، فقد أدّت لعبة كرة قدم عام 1860 إلى حرب أهليّة. أتعلمين؟ اللبنانيّون عاطفيّون ومتحمّسون جدًّا... هذا أمر جيّد وسيّء في الوقت نفسه.

شيرلي: كما تقول في الفيلم : "نحن نعيش في الشرق الأوسط، كلمة ’عدوانيّ’ وُلدت هنا"!

(ضحك)

ثمّة خطاب يهوديّ معاد للفلسطينيّين قد تسلّل إلى المجتمع اللبنانيّ، وكان تكرار طوني للمقولة الإسرائيليّة المأثورة: "كما يقول اليهود، أنتم لا تفوّتون فرصة تفويت الفرصة"، سبب تصعيد للخلاف مع ياسر. إلى أيّ درجة ساهمت آثار الخطاب الإسرائيليّ المعادي للفلسطينيّين في تشكيل هذه الصراعات؟

زياد: انظري معي، إنّ تاريخ لبنان وإسرائيل والفلسطينيّين متداخل ومتشابك، لا يمكنك أن تفصليه عن بعضه البعض. الأمر يشبه تاريخ الألمان واليهود، أو تاريخ السود في أمريكا. لقد اعتدت في السابق على التفكير بأنّ "الصراع الكبير" يجب أن يكون دومًا بين العرب وإسرائيل.

شيرلي: أليس هذا صحيحًا؟

زياد: اليوم، بتّ أرى إسرائيل إحدى التفاصيل؛ إنّها ليست القضيّة. معركتي داخليّة، وأعني بذلك أنّها داخل الإسلام: الإسلام الأصوليّ، عقليّات الرجال، تحرّر المرأة وتحريرها. قبل أن تخوض المعركة الكبرى، عليك أن تنظّف بيتك؛ ولأكون صادقًا، أعتقد بأنّ بيت العرب وسخ جدًّا، لكي أكون صادقًا. أنا أعرف أنّك قد لا تستعملين كلماتي لأنّك متمسّكة بما هو صحيح سياسيًّا - politically correct.

كامل الباشا خلال استلامه جائزة أفضل ممثّل من مهرجان البندقيّة السينمائيّ

 

شيرلي: لا، سأنشرها كما هي، إنّها مثيرة للاهتمام ومستفِزّة. لكن من جانب آخر، فإنّك قد تغذّي الخطاب الإسرائيليّ الذي يقول بعدم أهليّة العرب للحكم، وهو خطاب كثيرًا ما يستعمله اليمين الإسرائيليّ. هل تخاف أن يُنظر إليك بصفتك مؤيّدًا لإسرائيل أو مؤيّدًا للصهيونيّة؟

زياد: لا مشكلة عندي في ذلك. أنت تعلمين بأنّهم يمكن أن يتّهمونني بأيّ شيء لعين يريدونه (whatever the f—k they want). وأنت تعلمين، معركتي اليوم ليست مع إسرائيل. معركتي مع الـ BDS، وهم لا يخيفونني؛ أنا من أخيفهم.

شيرلي: لماذا؟

زياد: لأنّني أقول الحقيقة في "قضيّة رقم 23". انظري معي، لقد ارتكب الفلسطينيّون مجازر أيضًا. صبرا وشاتيلا ليست هي أمّ جميع المجازر. لقد ارتكب الفلسطينيّون أيضًا الكثير من الفظاعات التي لا يجرؤ أحد أن يتحدّث عنها، لأنّ علينا دومًا أن نستحثّ التعاطف مع الشعب الفلسطينيّ. لكنّني في هذا الفيلم أستعمل مشهدًا مصوّرًا لمذبحة قام بها الفلسطينيّون بحقّ المسيحيّين اللبنانيّين. إنّه مشهد وثائقيّ يمتلك صلاحيّة مثل أيّ مشهد عن صبرا وشاتيلا، أو عن معسكر اعتقال أوشفيتز أو تريبلينكا، أو عن معركة ووند ني (الركبة الجريحة)، أو عن أيّ شيء آخر. إنّها حقيقة.

شيرلي: حقيقة نعم، لكنّها ليست إدانة لشعب. مع ذلك، فإنّ أداء كمال الباشا كان تصويرًا دقيقًا ورائعًا لرجل شريف يحاول الوصول إلى تفاهم ما ليتجاوز صدمته الخاصّة، ولهذا يبدو لي الإصرار على مقاطعتك أمرًا غريبًا.

زياد: فاز كمال الباشا بجائزة عن أدائه لشخصيّته الفلسطينيّة المحترمة، وقد صعّبت الـ BDS عليه الاحتفال بذلك في أرضه. هذه هي الـ BDS، يذهبون لينبحوا في أوكسفورد وبيركلي ومانشستر، ويقولون "أوه، نريد حريّة التعبير"، ثمّ تقول أفعالهم النقيض من ذلك تمامًا. كين لوتش فعل النقيض، روجر ووترز فعل النقيض أيضًا، هذا نفاق.

من مشهد المحكمة في فيلم "قضيّة رقم 23"

 

شيرلي: هل كنت تشير إلى هؤلاء الناشطين بطريقة ما حين كان المحامي عن المسيحيّ يقول: "المضطّهِد يذلّ المضطّهَد بكرمه؟"

زياد: ربّما كان 80% من الحوار الذي وضعته على فم المحامي مجرّد ردّ فعل على الـ BDS. لقد كنت أرى الحياة دومًا على أنّها تقع على أطياف الرماديّ، فليس ثمّة خير مطلق كما تعلمين، وليس ثمّة شرّ مطلق. لكنّني بدأت أتغيّر، أنا أشعر بأنّ فيلمي القادم يجب أن يكون عن الخير المطلق والشرّ المطلق، وذلك لأنّني أصبحت أكثر راديكاليّة. إنّ العالم يمرّ بوقت مجنون، هذا العالم ثنائيّ القطب، وقد بدأت أفكّر بأنّه قد يكون أسود وأبيض في نهاية المطاف.

شيرلي: ما هو مشروعك القادم؟

زياد: أريد أن أصوّر أشخاصًا مثل أولئك في الـ BDS بصورة سلبيّة للغاية، هذا للوقت الحالي. زياد لن يكون صانعًا للسلام، ولن يكون الفتى الطيّب المسالم، هذا هو الأمر. أعتقد بأنّني أحمل أجندة ضدّهم، وأظنّني سأفعل ذلك في فيلمي القادم.

 

روزنة: إطلالة على الثقافة الفلسطينيّة في المنابر العالميّة، من خلال ترجمة موادّ من الإنجليزيّة إلى العربيّة وإتاحتها لقرّاء فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة، بإشراف الشاعر والمترجم أسامة غاوجي.

الصور الواردة في هذه المقالة من اختيارات هيئة التحرير، لا المصدر الأصل.

التعليقات