حوار مع د. حسن جبارين | الثورة الدستورية وحركة الاحتجاج الإسرائيلية

استمع أيضاً على

في الحلقة الثالثة والأربعين من بودكاست الأسبوع في "عرب 48"، استضفنا مدير مركز عدالة الحقوقي، د. حسن جبارين للحديث معه عن أزمة الهوية الإسرائيلية، والصراع اليهودي يهودي حول مشروع الانقلاب على القضاء.

ماذا نسمّي ما يجري لدى المجتمع الإسرائيلي؛ ثورة دستورية، انقلاب على القضاء، إصلاح قضائي؟

د. جبارين: الحديث يدور عن تغيير جذري لأمور دستورية مركزية، لذلك بالإمكان الحديث عن ثورة دستورية يمينية، لأنه عمليا ما يميّز الدستور الإسرائيلي غير المكتوب، أن اليمين يريد أن يغيره تغييرا جذريا، وعلى وجه الخصوص مسألة تعيين القضاة للمحكمة العليا.

د. حسن جبارين

حكومة نتنياهو تريد أن تجعل للحكومة سيطرة كاملة على تعيين القضاة، وتريد أن يكون التعيين على أساس سياسي مثلما هو تعيين القضاة في المحكمة العليا الأميركية، إلا أن المعارضين يقولون إن هذه المقارنة غير صحيحة بين أميركا وإسرائيل.

وتسعى الحكومة أيضًا إلى أن يتم تجريد المحكمة العليا من صلاحية إلغاء قوانين تُسن في البرلمان، وكذلك أن يتم تغيير مكانة المستشار القضائي للحكومة، وعلى المستشار القضائي أن يكون محاميا للحكومة وليس أن يقول لها ما تفعل أو ما لا تفعل، وهذه كلها تغييرات جذرية بالإمكان تسميتها ثورة دستورية يمينية.

لماذا يحدث هذا الآن؟

د. جبارين: لأن اليوم هناك حكومة يمينية صرف بدون أي توازن مع المركز الإسرائيلي، دائما كانت الحكومات هي خليط ما بين مركز يسار وبين قوى يمينية.

والحكومة مبنية على 3 أعمدة هم (الليكود، التيار الاستيطاني، والحريديون)، الليكود لا توجد لديه مصلحة جدية وجذرية لتغيير مسألة القُضاة، كثير من مؤيدي الليكود ينتمون إلى الطبقات الفقيرة الاجتماعية اليهودية، وليس لهم مصلحة جدية فعلا في التغيير القضائي، ولكن هناك مصلحة جذرية بذلك عند حركة الاستيطان والحريديم، والطرفان يريدان التأكيد على يهودية الدولة أكثر من كونها إسرائيلية.

اليمين الاستيطاني يريدها دولة يهودية تسيطر على كل ما يُسمى "أرض إسرائيل"، وله مصلحة جذرية في توسيع الاستيطان، ولا يريد أن تكون المحكمة أو القانون عثرة أمام تطوير الاستيطان، ولا يريد أن يكون نقاشا قانونيا حول مصادرة أراضي فلسطينيين كانت خاصة أو عامة.

والحريديون أيضًا لهم مصلحة عليا جدية في التغيير القضائي، وعلى وجه الخصوص في قضية التجنيد، ولا يريدون تعميق الجانب اليهودي مقابل الجانب الإسرائيلي، ولا يريدون تدخل المحكمة العليا في المحاكم الربّانية. وهذه الفرصة الأولى والوحيدة لليمين أن يمرر هذا المخطط.

الوسط - يسار يعاير ويتحدى اليمين بقضية التجنيد، لأنه يعتبر الجيش والمحكمة العليا هما أهم مؤسستين تؤكدان على الهوية الإسرائيلية ولذلك نرى أن دفاعهم مستميت عن المحكمة العليا والجيش، إذن فهو خطاب ديمقراطي عسكري. اليمين يتحدى اليسار بخطاب "أنتم أقل يهودية"، واليسار يتحدى اليمين بخطاب "أنتم أقل إسرائيلية".

وهل كانت المحكمة العليا عثرة أمام حركة الاستيطان؟

د. جبارين: صحيح أن المحكمة العليا هي من أقرت جميع القرارات الأساسية للجيش الإسرائيلي كجيش احتلال، مثل بناء جدار الفصل العنصري، وسياسة هدم البيوت، وسياسة الاعتقالات الإدارية، وسياسة الحواجز، وسياسة الطرد، وسياسة فرض الحصار على غزة وإلى آخره، وكل هذه أمور صحيحة، والمحكمة العليا هي الذراع القانوني للجيش وهي من تشرعن عمليات الجيش، ولكن اليمين الاستيطاني لا يكتفي بذلك.

المحكمة العليا من أجل أن تكسب شرعية دولية، هي لا تستطيع أن تتحول إلى حركة استيطان يهودي، لذلك لديها قرارات تحاول أن تأخذ شرعية دولية من خلالها، يعني مثلا هي أبطلت قانون تسوية الأراضي، وهذا القانون كان مركزيا لحركة الاستيطان من أجل السيطرة على الأراضي الفلسطينية الخاصة، والمحكمة أبطلت هذا القانون وهي خطوة نادرة.

وأبطلت المحكمة هذا القانون وقوانين أخرى، لأنه كان واضحا للمستشار القضائي للحكومة، أن هذه القوانين تتناقض بشكل مباشر مع القانون الدولي وتؤدي إلى تفعيل القانون الجنائي الدولي، هناك أمور تتناقض مع القانون الدولي ولا يوجد لها الجانب الجنائي، لكن عندما نتحدث عن قانون مثل "تسوية الأراضي" بالضرورة سيتم تفعيل القانون الجنائي الدولي، لذلك ألغت المحكمة هذه القوانين.

المحكمة العليا الإسرائيلية في لغتها الخطابية، هي تُقر أن الضفة الغربية وغزة ليسا إسرائيل، بينما الجانب السياسي يقول إنها أرض إسرائيل، كيف يحدث هذا؟ أن يكون خطاب الحكومة يتناقض بمسألة مركزية مع المحكمة العليا؟ هذا نموذج ليس قائما في العالم إلا في إسرائيل. ورغم هذا التناقض هناك سكوت لأن المحكمة العليا تدرك أنها إذا شملت الضفة وغزة كجزء من إسرائيل، عليها أن تجاوب على سؤال "ما هي المكانة القانونية، لأهل الضفة وغزة"؟ مواطنون أم أبارتهايد؟

اليمين لا يريد قوننة للعمليات المركزية التي تخص الاستيطان، رغم أن هناك قوننة ولا شك أن المحكمة العليا تفتح أبوابها للنقاش، صحيح أنها ترفض أغلب هذه القضايا ولكنها تفتح على الأقل النقاش حولها، ولكن اليمين حتى هذا النقاش لا يريد له أن يُفتح.

ماذا عن حركة الاحتجاج الإسرائيلية والمعارضة؟

د. جبارين: هذه أول مرة تكون حركة احتجاج إسرائيلية جدية منذ عام 1948، وهذه حركة احتجاج لا مثيل لها في العالم، لأننا لم نعرف أي حركة احتجاج حول العالم من أجل مناصرة محكمة!

نضال هؤلاء حول الهوية الثقافية الإسرائيلية، هناك صراع بين جانبين، الأول يريد أن تكون الهوية إسرائيلية يهودية، والثانية يريدها هوية يهودية صرف.

الجانب العلماني الذي يمثل الدولة العميقة؛ الجيش، الموساد، الشاباك، الجامعات، البورصة، المثقفون، السوق الإسرائيلي، هذه المجموعات تريد أن تحافظ على هوية إسرائيلية يهودية. والجانب الآخر يريد أن يؤكد على هوية الدولة اليهودية الصرف، والصراع هو هوياتي.

وبالنسبة لجانب الاحتجاج، ليست المسألة الفلسطينية مهمة لهم أبدًا، وليس بالصدفة هم يرفعون الأعلام الإسرائيلية بكثافة، لأن نضالهم من أجل أسرلة الدولة اليهودية، بالتأكيد ليس من أجل تحويلها إلى دولة جميع المواطنين! لذلك من أجل الحفاظ على الوضع القائم يجب الحفاظ على المحكمة العليا لأنها الحامية لهوية الدولة كيهودية أمام العرب والفلسطينيين، وهي الحامية للمجتمع اليهودي الإسرائيلي من أجل الحفاظ على الجوانب العلمانية له كمجتمع. لذلك تقول هذه الحركة نحن دولة يهودية ديمقراطية، وهو مصطلح قانوني بنته المحكمة العليا.

أما اليمين ليست مهمة بالنسبة له الجوانب الليبرالية، المهم له هو الجانب الديني وهو الذي يعطيه الشرعية بالسيطرة على الضفة الغربية، وبدون الجانب الديني لا يمكن آيديولوجيا أن يأخذوا مصداقية للسيطرة على الضفة الغربية والقدس، وادعاء المستوطنين أنها ليست مناطق محتلة لأن التوراة تعطي الحق لليهود فيها.

ما هو موقف الفلسطينيين في الداخل من الصراع اليهودي - يهودي؟

حركة الاحتجاج تريد الحفاظ على الوضع الراهن، واليمين يريد تغيير الوضع الراهن.

حالة الحفاظ على الوضع الراهن هي الحفاظ على يهودية الدولة وفوقيتها على الفلسطينيين في الداخل، وهي تأكيد على الاحتلال، وقرارات هدم البيوت، والأحكام الإدارية، وحصار غزة، ومنع لم الشمل، وبالنسبة لحركة الاحتجاج إن هذه المحكمة شرعية ولا نقد عليها، لذلك لا نستطيع دعم الحفاظ على الوضع الراهن الذي يؤكد على دنيويتنا وعلى الاحتلال. ولست بحاجة للتفسير كثيرا لماذا نحن لسنا مع اليمين لأنه أصلا هذا يؤثر على حياتنا الوجودية.

لا نستطيع أن نكون في ساحة تل أبيب في هذا الموقف، لأننا ضد الشعار الذي يريد الحفاظ على الوضع القائم، وهذا الشعار هو إشكالي ويتناقد مع نضالنا على الساحة الدولية الذي يقول إن إسرائيل دولة أبارتهايد واستعمار، والمحكمة العليا هي ليست الجواب، ونريد للمجتمع الدولي وللمحمة الجنائية الدولية أن يتدخلان.

هناك من يدعو للانضمام لحركة الاحتجاج، وهذا يضعهم أمام أسئلة مثل، هل نستطيع تبني الشعار المركزي الذي يقول إن الحفاظ على المحكمة العليا يساوي الحفاظ على الديمقراطية؟ وهل نستطيع أن نتبنى شعار يهودية وديمقراطية؟

بحكم متابعتي لنضال وتحركات شعبنا لعشرات السنوات، دائما التحرك العام كان سليما، واليوم الناس لا ترى نفسها في تل أبيب وفي حيفا في مظاهرات حركة الاحتجاج، الفلسطينيون لا يشاركون وهذا ليس صدفة أنهم لا يشتركون، خصوصا وأنه لا يوجد من يمنعهم من المشاركة، ولكن لأن شعارات هذا الاحتجاج لا تتماشى وجدانيا مع شعبنا لذلك الناس لا تشارك بالاحتجاج، رغم أن الجميع يتابع الأخبار واليسار الإسرائيلي يدعو جماهرينا للمشاركة.

في حال مرّت هذه الثورة الدستورية، ماذا سيتغير على نضالنا الحقوقي القانوني في المحاكم الإسرائيلية؟

من جهة المحكمة العليا الإسرائيلية، حدث عندها تغيير آخر 15 عاما، وعمليا أصبحت أكثر محافظة وهي أقرت جميع القوانين العنصرية التي سُنت في الكنيست آخر 20 سنة، أقرت مرتين قانون منع لم الشمل، وقانون النكبة، وقانون لجان القبول، وقانون رفع نسبة الحسم، وقانون إطاحة أعضاء الكنيست، وأقرت قانون المقاطعة، وقانون القومية، وكذلك اتخذت قرارات إدارية عنصرية.

نحن الآن أصلا في مرحلة أنه المحكمة يمينية، ونحن لا نترقّب تحول المحكمة من يسارية إلى يمينية، المحكمة في الشؤون الفلسطينية في الداخل هي محكمة يمينية محافظة آخر 15 عاما.

مع ذلك، إن التغيير قد يسيء وضعنا أكثر، الجانب الأول؛ في القرارات الإدارية سترى الحكومة أنه لديها حرية كاملة بدون تدخل وهي ليست بحاجة لقوانين بالكنيست، مثلا ممارسة اعتقالات إدارية عند العرب، وتطبيق قانون القومية، وتقييد حرية التعبير عند الفلسطينيين في الداخل، وستصبح القرارات سياسية.

والجانب الآخر الذي سيسوء أمره في الضفة الغربية هو أنه المكان الوحيد الذي لم تنتنه العملية الاستعمارية كاملة فيه، ويريد اليمين أن يرسخ سيادته في منطقة "ج" في الضفة الغربية، وهو يريد أن يعطي الشرعية لمصادرة أراضي خاصة من أجل توسيع الاستيطان، ولكي يتم ذلك عليهم تحييد سلطة القانون.

ما العمل؟

حركة الاحتجاج هامة رغم كل التحفظات التي ذكرناها، لأنها توسع الحيز لخطاب ديمقراطي، يعني مجرد أن الحركة تقول يجب الحفاظ على سلطة القانون وعلى مبدأ فصل السلطات، وعدم التدخل السياسي في قرارات المحاكم، هذا الخطاب بحد ذاته هو توسيع لحيز ديمقراطي.

هناك فرصة تاريخية يجب أن ننتهزها، من جهة ممنوع الانضمام لحركة الحفاظ على الوضع الراهن "حركة الاحتجاج"، وبنفس الوقت ممنوع الغزل باليمين، ويجب أن نستغل هذه الفرصة دوليا، والعمل على نضال مواز شعاره ضد العنصرية وإنهاء الاحتلال.

برأيي، إذا قمنا اليوم عبر لجنة المتابعة، بمسار نضالي ضد العنصرية وإنهاء الاحتلال وبالمقابل أن تكون مؤتمرات دولية في حيفا والناصرة بمشاركة شخصيات دولية التي تؤكد على نضالنا ضد العنصرية والاحتلال، وتحت هذه الشعارات يمكن إخراج شعبنا إلى مظاهرات احتجاجية. ونحن ضد الوضع الراهن وضد سياسة اليمين، لأننا ضد العنصرية ومع إنهاء الاحتلال.

تقديم: طارق طه


للصيغة الصوتية من الحلقة