15/03/2017 - 17:23

كيف يستفيد إردوغان من الأزمة بين تركيا وهولندا؟

قبل دخول هذا الأسبوع، كان يبدو في الظاهر أن الاستفتاء الذي دعا إليه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، والذي يتعلق بتغيير النظام الدستوري للدولة، مما يمكنه من تحقيق سيطرة شبه كاملة على السلطة، شأنٌ تركي خالص. ولكن لا يبدو هذا أمراً مريحاً

كيف يستفيد إردوغان من الأزمة بين تركيا وهولندا؟

ترجمة خاصة: عرب 48

قبل دخول هذا الأسبوع، كان يبدو في الظاهر أن الاستفتاء الذي دعا إليه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، والذي يتعلق بتغيير النظام الدستوري للدولة، مما يمكنه من تحقيق سيطرة شبه كاملة على السلطة، شأنٌ تركي خالص. ولكن لا يبدو هذا أمراً مريحاً بالنسبة لما يريده إردوغان، إذ سيكون من الأسهل بالنسبة له، أن يُقنع الأتراك بالتصويت لصالح تعزيز سلطاته إذا ما تمكن من توجيه هذه الحملة بطريقة تجعلها معركة موجَّهة ضد قوى أجنبيّة معارضة لحكمه.

ونجح إردوغان الآن في تحقيق ذلك، ففي 11 آذار/ مارس رفضت هولندا السماح بهبوط طائرة وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو على أراضيها، والذي كان في طريقه للمشاركة في تجمع حول الاستفتاء الشعبي يضم مواطنين، يحملون الجنسيتين التركية والهولندية، على أراضي روتردام. وقال رئيس الوزراء مارك روته، إنّ الحكومتين كانتا تتفاوضان على مسألة الحد من مخاطر التجمع لدواعي الأمن والنظام العام، ولذلك فقد حذَّرت جاويش من اتخاذ ردود فعل في حال لم يُسمح له بالدخول. (قال جاويش في مقابلة معه إنه في حالة تم رفض حقِّه في النزول للأراضي الهولندية، 'فإن عقوباتنا سوف تكون قاسية). ثم أوضح روته أن هذا التهديد قد أغلق أبواب الحوار وجعلها مستحيلة.

وكانت ردود الجانب التركي غاضبة، حيث وصف إردوغان أمام جماهير عريضة في أسطنبول الهولنديين بالـ'فاشيين' و'بقايا النازيين'. وأضاف في خطابه قائلاً 'لنرى كيف ستحط طائراتكم على الأراضي التركية الآن'. كما فقد الجانب الهولندي هدوءه أيضاً، حيث رد روته بـ'أنه كان خطاباً غريباً وغير مقبول مطلقاً'.

وتصاعدت حدة الأزمات بشكل أكبر في ذات اليوم، إذ قامت وزيرة الأسرة والشؤون الاجتماعية التركية فاطمة كايا – والتي كانت تنظِّم الاستفتاء في ألمانيا – بالدخول للأراضي الهولندية بالسيارة، وحاولت زيارة قنصلية بلادها في روتردام، مخالفة التصريحات الواضحة من قِبَل الحكومة الهولندية. فمنعتها الشرطة من الدخول، ثم مرت ساعات من الجدل انتهت بإجبار الشرطة لها على العودة إلى الحدود الألمانية. وتجمع على إثر ذلك المئات من المواطنين الأتراك-الهولنديين مقابل القنصلية للاحتجاج، وهو ما أدى إلى بعض الاشتباكات مع الشرطة. وفي تلك الأثناء، أعلمت الحكومة التركية السفير الهولندي- الذي كان خارج البلاد – بأن لا يعود إلى تركيا. ومع نهاية هذا اليوم تفسَّخت العلاقات بين البلدين، ومن المدهش كيفية تدهور الأمور بهذه السرعة.

يوجد حوالي 400 ألف شخص من أصول تركية يعيشون في هولندا، والكثير منهم يحق له التصويت في تركيا. ويبدو أن الدائرة الانتخابية هذه كبيرة لدرجة تجعلها تستحق عدداً من الحملات، في حين تدَّعي الحكومة الألمانية أنه لا مانع لديها من تنظيم اجتماعات لإعلام الناس بشأن الاستفتاء. ولكن التخطيط لمثل هذه الزيارات قد زاد من حساسية هولندا تجاه مسألة الاندماج، وما إن كان المواطنون الأتراك-الهولنديين يمتلكون ولاءات منقسمة. كما يُعتبر إردوغان غير محبوبٍ بالنسبة للهولنديين غير المسلمين، وهو ما يجعله قلقاً تجاه دعم مواطنيه الأتراك - الهولنديين.

بالإضافة إلى هذه الأزمة، بدأت هولندا تحضيراتها للانتخابات الوطنية في 15 آذار/ مارس، ويعبتر موضوع القلق من الإسلام أحد الموضوعات الأساسية في الحملة الانتخابية.

طالب المرشح الشعبوي اليميني المتطرف، والمعادي للمسلمين، خيرت فيلدرز، والذي يمتلك حزبه 'حزب الحرية' فرصة كسب أصوات أكثر من أي طرف آخر، منذ أسابيع، بمنع المسؤولين الأتراك من عمل حملات من أجل الاستفتاء في الأراضي الهولندية. كما اتخذت معظم التيارات الحزبية الأساسية في هولندا موقفاً مشابهاً لذلك. كما حذَّر محافظ روتردام أحمد أبو طالب – مغربي الأصل – أنه لن يسمح بأي زيارة تركية تتضمن تظاهرات واسعة.

ولكن الأتراك اعتبروا هذه الردود نوعاً من النفاق، فالكثير من الأتراك يتذكرون كيف سُمِح لنشاطين من حزب العمَّال الكردستاني – والذي تراه كل من تركيا والبلاد الغربية منظمة إرهابية – بالتظاهر بشكل طبيعي في هولندا ودول أوروبية أخرى. وعندما تم منع دخول الوزيرة كايا من قِبَل الشرطة الهولندية، احتجت عليهم واتهمتهم بـ'انتهاك الديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي'، ويرى الأتراك مسألة احتجاز أحد وزراء الحكومة عملاً مهيناً وغير مقبول.

ليست هولندا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي منعت حملات سياسية للاستفتاء التركي، ففي الأول من آذار/ مارس، منعت كل من سويسرا والنمسا، سياسيين أتراك من عقد تجمعات في بلادهم. وفي وقت سابق من هذا الشهر، ألغت سلطات العديد من المدن الألمانية تجمعات خطط لها وزراء أتراك، مبررةً ذلك بأسباب أمنية. حيث جاءت هذه الإيقافات وسط حالة قلق ألمانيا المتزايدة اتجاه دينيز يوجيل، المراسل الألماني-التركي لدى الصحيفة الألمانية 'دي فيلت'، والذي تم اعتقاله في تركيا في أواخر شهر شباط/ فبراير ولا يزال في السجن، بعد أن وجِّهت له تهم الترويج لمنظمة إرهابية والتحريض على العنف، في حين طالبت الحكومة الألمانية بإطلاق سراح يوجيل.

وكرد فعل على إجراءات الحظر، اتهم إردوغان السلطات الألمانية أيضاً، بتوظيف 'أساليب نازية'، في حين ردت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قائلة إنّ المقارنة التي قدَّمها إردوغان تعبِّر عن استهانة بمعاناة ضحايا النازية، 'لا مبرر لمثل هذا التعليق الخارج عن السياق'.

بعد عودة كايا إلى ألمانيا، اتهم أبو طالب القنصلية التركية بـ'الكذب' عليه بإعلامه أنه لن يأتي أي مسؤول رسمي في ذاك اليوم، كما قال إنّ الوزيرة والوفد القادم معها قد ساروا في مواكب مختلفة اتجاه روتردام لتجنب الشرطة الهولندية. لقد أصبحت الآن غير مرحباً بها من قِبَل الحكومة.

في هذا اليوم الحافل بالتأزم الدبلوماسي، كان الشخص الوحيد الذي احتفل بما حصل هو فيلدرز، ففي تغريدة له على موقع تويتر، احتفى فيلدرز بخطوة الحكومة نحو إعاقة دخول جاويش، وأبدى إعجابه بتطبيقها للضغوطات السياسية المطلوبة، 'هذا أمر رائع، ولو يكن حزب الحرية موجوداً لما أمكن اتخاذ مثل هذا القرار'.

 من المؤكد أن فيلدرز يوظف هذه المواجهة ليعزز من احتمالات نجاحه في الانتخابات، ولكن السياسي الآخر الذي سيستفيد من الحدث هو إردوغان. فأشار الوزير التركي للشؤون الاتحاد الأوروبي عمر جليك في 11 آذار/ مارس أن الحظر الهولاندي قد زاد من فرصة نجاح الاستفتاء، حيث قال 'نحن نعلم كيفية استجابة الأتراك لمثل هذه الأحداث'، وأضاف، 'وبفضل ما قام به الهولنديون، سيميل الناس للتصويت بنعم.

التعليقات