28/03/2017 - 20:59

هل يمكن إنقاذ أوروبا حقًا؟

في الخامس والعشرين من شهر آذار/ مارس من عام 1957، ومع ظلال الحرب العالمية الثانية المُخيّمة فوقهم، قامت ست دول أوروبية بتوقيع اتفاقية تأسيسية تتضمن شكلاً جديداً من التكتّل الدولي. حقق هذا التكتل، الذي أُطلق عليه الاتحاد الأوروبي، نجاحاً

هل يمكن إنقاذ أوروبا حقًا؟

ترجمة خاصة: عرب 48

في الخامس والعشرين من شهر آذار/ مارس من عام 1957، ومع ظلال الحرب العالمية الثانية المُخيّمة فوقهم، قامت ست دول أوروبية بتوقيع اتفاقية تأسيسية تتضمن شكلاً جديداً من التكتّل الدولي. حقق هذا التكتل، الذي أُطلق عليه الاتحاد الأوروبي، نجاحاً لم يتوقّعه مؤسسوه، لا في تدعيم السلام وحسب، بل في خلق سوق وعملة موحدة أيضاً، وتمكّنت من ضمّ حكومات دكتاتورية سابقاً في الجنوب ودولٍ كانت شيوعية في الشرق، كما توسع التكتل من 6 أعضاء إلى 28. وعلى الرغم من أنّ القادة الأوروبيين سيجتمعون في نهاية هذا الأسبوع للاحتفال بالذكرى السنوية الستين لتأسيس الاتحاد، إلا أنهم مدركون أن مشروعهم يواجه خطراً كبيراً.

تأتي التهديدات على الصعيدين الداخلي والخارجي. فعلى الصعيد الداخلي، لم تتم بعد معالجة العيوب البارزة في الأزمة الأوروبية ، كما ساهمت المعاناة الاقتصادية الطويلة في إعاقة تدعيم الاتحاد الأوروبي. وقد بدأ التيار الشعبوي، من الأحزاب المعادية للانتماء الأوروبي، في مهاجمة فكرة الاتحاد نفسها؛ وليس آخرها فرنسا، حيث تتقدّم مارين لوبان بخطى واثقة في الانتخابات الرئاسية، وإن لم يكن فوزها مرجَّحاً في انتخابات أيار/ مايو المقبل. ولعل أكثر نتائج التيار المعادي للانتماء اللأوروبي دراماتيكيّة هو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث لن تحضر رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي الاحتفال في روما؛ فهي تخطط للاستناد للمادة رقم 50 من اتفاقية الاتحاد الأوروبي في 29 آذار/ مارس للبدء بإجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد. سوف تستهلك مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الكثير من الوقت والطاقة خلال السنتين القادمتين؛ وخسارة مثل هذا العضو البارز ستكون ضربة قوية بالنسبة لقوة التكتل ومصداقيته.

وتأتي الضغوطات الخارجية على نفس درجة الخطورة أيضاً. لقد تم التكيّف مع أزمة اللجوء، ولكن ذلك يعود، بشكل أساسي، لاتفاقية الهشّة مع تركيا. كما إنّ الصعود الروسي العنيف تحت حكم فلاديمير بوتين، ومواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الباهتة تجاه كُلٍّ من الاتحاد الأوروبي والناتو، تجعلان هذه المرحلة صعبة بالنسبة لأوروبا، التي تعيش مرحلة من الضعف والتفكك.

 إنها لمفارقة عجيبة أن يتداعي مشروعٌ أُقيم لتدعيم أمن أوروبا ما بعد الحرب العالميّة، في اللحظة التي يتعرّض فيها الأمن الأوروبي للخطر. إنّ هذا بمثابة تنبيه لنا لحجم الخطر القائم في أوروبا اليوم إذا ما فشلت في إصلاح نفسها.

اتحاد أقرب من أيّ وقت مضى

إن الاستجابة التقليدية للمتحمّسين للاتحاد الأوروبي نحو مثل هذه التحديات هو الدفع باتجاه أخذ مسار جدِّي في تدعيم الاتحاد، حيث يحاججون بأنّ على أوروبا فعل ذلك إذا ما أرادت النجاح، ويقولون بأنّه ينبغي على الصعيد نفسه أن تتجه مجموعة أكبر من القوى أن توجّه طاقاتها نحو المركز لتمكِّن الاتحاد من تقوية حدوده الخارجية، وضمان تبني الاتحاد لخطاب قوي موحَّد كالذي يمتلكه بوتين وترامب. ولكن الحقيقة أن كلّا من الناخبين الأوروبيين والحكومات المُنتَخبة لا يريدان ذلك. بل إنّ الرأي العام، بالمجمل، بات ميّالاً إلى عكس ذلك.

إذا كان من غير الممكن وجود "اتحاد متقارب"، فقد يعني ذلك أنّ التقاليد القائمة بروكسل [مقرّ الاتحاد الأوروبي] ستمرّ بمرحلة من التشوّش والاضطراب. لقد تجاوزت الأزمة الأوروبية الجزء الأسوأ، فقد تجاوزنا موجة الهجرات الكثيفة، كما إنّ التعامل مع إدارة ملف خروج بريطانيا مُمكن بطريقة ما . وإذا انتهت الانتخابات هذا العام لصالح إيمانويل ماكرون في فرنسا، ولصالح أنجيلا ميركل أو مارتن شولتز في الألماني، فإن الاتحاد سيكون تحت قيادة ذات توجه مؤيّد لاستمرار الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن هذه الحالة من التشوّش والاضطراب تحمل مخاطرها الخاصة. ففي حال تجددت الأزمة الاقتصاديّة في أوروبا، أو في حال دعت حكومة أخرى لاستفتاء عام حول عضويتها الاتحاد الأوروبي، فإن هذا قد يتسبب بانهيار الاتحاد.

هل هناك بدائل أفضل؟ والإجابة هي، كما يقترح تقريرنا الخاص، هو السعي وبطريقة أكثر منهجيّة نحو اتحاد أوروبي أكثر مرونة. وهذا يعني – بكلمات أوروبية - تشكيل نظام "متعدد المستويات" مع دولٍ أوسع من الإطار الأوروبي تشارك بدرجات مختلفة من سياساتها؛ بحيث تكون قادرة على الحركة من مستوى لآخر بكل سلاسة.

انفصال بريطانيا الكبير

مؤخراً، تزايد الاهتمام بفكرة أوروبا "متعددة السرعات"، ولكن ما كان يقصده معظم زعماء الاتحاد الأوروبي بهذا التعبير هو أن يصبح بإمكان الأعضاء الأساسيين تحقيق سياسات مشتركة في عدة مساحات كالدفاع والمالية والرفاهية؛ وهو ما يعني أنّ جميع الدول ستتجه نحو ذات المصير. ولكن التصور الأوسع عن نظام أوروبي "متعدد الطبقات" سيشتمل على دول غير عضوة في الاتحاد أيضاً. تتكون القارة الأوروبية من 48 دولة 750 مليون نسمة، وليس فقط 28 دولة 510 مليون نسمة كما هو الحال في الاتحاد، الذي لا يشمل 19 دولة و340 مليون مواطن في أوروبا.

سيتكون مركز أوروبا من تلك الدول التي تتشارك عملة موحّدة، ولنتمكن من حلّ مشاكل أوروبا الحالية، سنحتاج تكاملاً أكبر وتشاركاً مؤسسياً أوسع؛ بدءاً من اتحاد بنكي مناسب إلى سند مديونية مشترك. سيشتمل الإطار القادم على مجموعات أوسع بكثير من أعضاء الاتحاد الأوروبي الحاليين، والذين لا يُبدون استعداداً للتضحية بقضايا السيادة، والمطلوبة للالتحاق بالاتحاد، وهو ما لن يفعله البعض للعديد من السنوات القادمة وقد لا يفعلونه أبداً.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يتَّسع الإطار المتعدد الأوروبي لبلاد شديدة التنوع والاختلاف، وهو ما يعني ضرورة تغيير العقليات أكثر من تعديل الاتفاقيات: أي تغيير الخطاب الذي تتبناه النخب الأوروبية الرسمية، بالإضافة لتقبّل قائمة من الدول المتنوعة، وليس مجرد قائمة محددة مسبقاً. هذه أشبه ما تكون بلعنة على بروكسل، حيث تعتبر فكرة اختيار وانتقاء أعضاء الاتحاد الأوروبي بناءً على رغبتهم في الانضمام فكرةً غير مرحبٍ بها، ولكن الأوروبيون بدؤوا يميلون إلى ذلك مؤخّراً بشدة. فدول مثل النرويج وسويسرا تتمنى أن تكون بالقرب من السوق الأوروبي الموحَّد، ولكن دولاً أخرى مثل بريطانيا قد لا تُبدي استعداداً لقبول قواعد السوق الموحَّد، ولكنها لا تزال ترغب بالتبادل التجاري الحر قدر الإمكان مع الاتحاد الأوروبي، وقد تسعى لتحقيق دور أكبر في مساحات أخرى كالدفاع والأمن. وبلاد مثل تركيا ودول البلقان الشرقي وأوكرانيا وجورجيا، جميعهم يفضِّلون حالة تشاركية مشابهة بدلاً من الوضع الحالي غير المريح، حيث يتم إعلامهم بأنه مؤهّلون لأن يُصبحوا أعضاء كاملين ولكنهم يعلمون أنه لن يُسمح لهم بالدخول أبداً.

وحتى يكون الأمر عملياً، ينبغي على الإطار الأوروبي متعدد الطبقات أن يكون براغماتياً اتجاه القوانين التي يفرضها كل إطار. فعلى سبيل المثال، أولئك الآتين من المجموعات البعيدة الخارجيّة قد لا يقبلون بقوانين التحرك بحرية بالنسبة لمواطنيهم، ولكن هذا ليس مبرراً لمنعهم من الدخول في السوق الأوروبي الموحَّد. ولا ينبغي أن يتمّ التعامل مع الدول الآتية من خارج المركز باعتبارهم أعضاء من الدرجة الثانية: فهذه المجموعة أو الطبقة تتضمّن دولاً مثل الدنمارك والسويد، وهما من أنجح الدول الأوروبية. كما ينبغي إيجاد طرق للدول التي تمتلك قوة عسكرية ودبلوماسية (مثل بريطانيا ما بعد الخروج من الاتحاد) للمشاركة في السياسات الخارجية والدفاعية.

إن مفتاح استمرارية المشروع الأوروبي للـ60 سنة قادمة هو المرونة في كلا الاتجاهين. وكما غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي، فقد تغادر دولة أخرى يوماً ما، وسيكون من الصعب التعامل مع خطوة أخرى مشابهةٌ لذلك. وإذا لم يتمكن الاتحاد من احتواء الاختلاف فلا بد أن يواجه مصير التفكك.

التعليقات