04/06/2017 - 23:00

التاريخ الروسي في حملات زعزعة الاستقرار...

كان ديدن الاتحاد السوفيتي منذ نشأته هو تنفيذ الحملات التي تهدف إلى زعزعة استقرار الأعداء وتصفيتهم. فبعد الثورة الروسية، أسس لينين "الأممية الثالثة" لدعم الأحزاب الشيوعية عبر العالم. حيث عمِلَ الاتحاد السوفيتي على حملات نشر معلومات مضلِّلة

التاريخ الروسي في حملات زعزعة الاستقرار...

ترجمة خاصة: عرب 48

كان ديدن الاتحاد السوفيتي منذ نشأته هو تنفيذ الحملات التي تهدف إلى زعزعة استقرار الأعداء وتصفيتهم. فبعد الثورة الروسية، أسس لينين 'الأممية الثالثة' لدعم الأحزاب الشيوعية عبر العالم. حيث عمِلَ الاتحاد السوفيتي على حملات نشر معلومات مضلِّلة من أجل تقويض الحكومات الوطنية وتشويه سمعة الزعماء وغيرها من الأهداف.

وتكثَّفت هذه الحملات بعد الحرب العالمية الثانية، حيث ادَّعى السوفييت أن الولايات المتحدة استخدمت صواريخاً جرثومية خلال الحرب الكورية، كما وظَّفوا الحركة الدولية التي قامت ضد الحرب الأمريكية على فيتنام لاستغلال الناشطين وزعزعة استقرار حلفاء الولايات المتحدة.

كما دعم السوفيت خلال السبعينات التنظيمات الأوروبية الإرهابية كالألوية الحمراء في إيطاليا وفصيل الجيش الأحمر في ألمانيا، وهي نظيمات  نسَّقت حملات اغتيال واختطاف وتفجير وغيرها من الأعمال الإرهابية.

وعملت الولايات المتحدة بكل تأكيد على تشغيل حملتها الخاصة لإضعاف الاتحاد السوفيتي وحلفاءه، فمنذ بداية الحرب الباردة، قامت الولايات المتحدة بتجنيد اللاجئين من الجبهة السوفيتي لكي تحاول إثارة الثورات في المشرق. كما بثَّت حملة إعلامية داعمة للغرب في الجبهة السوفيتية وبعدة لغات. ودعمت الولايات المتحدة الجماعات والشخصيات المختلفة (مثل حركة التضامن البولندية أو اليهود من سكان الاتحاد) الذين كانوا يتمنون الرحيل من الاتحاد السوفيتي.

كما دعمت الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة حركات حقوق الإنسان والديمقراطية الناشطة في جمهوريات السوفييت السابقة. كانت قناعة الروس هي أن الأمريكان يهدفون لإنشاء حكومات موالية لهم في الجمهوريات وتطويق روسيا بشعوب تعادي الاتحاد السوفيتي ومسلَّحة من الولايات المتحدة لكي تكون متاحة لتجنيد الجنود التابعين لأمريكا.

ووصل الروس إلى نقطة الذروة في عام ٢٠٠٤ مع الثورة البرتقالية في أوكرانيا. لقد قدَّر الروس جهود أوكرانيا لدورها كجدار حامٍ للروس، ومن وجهة نظرهم، كانت المصلحة الوحيدة التي يمكن أن تجنيها الولايات المتحدة في أوكرانيا هي إضعاف الموقع الذي وصلت إليه روسيا.

التكيتكات القائمة على التجربة

والآن وتحت قيادة فلاديمير بوتين وتحت غيره الكثير ممن بدأوا عملهم في جهاز الاستخبارات الروسية، بدأ الروس بزيادة جهود زعزعة الاستقرار في جميع أرجاء العالم. (لقد خدم بوتين في شرق ألمانية وكان السبق في العديد من عمليات الاتحاد السوفيتي في أوروبا). أسس الروس أيديولوجيةً مبنية بطريقة غامضة حول المسيحية بدل الماركسية، وتوظِّفها لتقوية الأجنحة اليمينية المتطرفة والحكومات التي تقف ضد الولايات المتحدة. وبالرغم من كونها أيديولوجية جديدة، إلا أن استراتيجياتها ما زالت قائمة على المبدأ القائل بأنه كلما كان الانقسام موجودة في دولة ما، كلما ضعُفَت قوتها، وبالتالي تصبح روسيا أكثر أماناً. إنه لأمر منطقي أن يحاول الروس إعادة تشكيل الدول الأخرى من خلال التركيز على التضليل وتمويل الأحزاب اليمينية، خاصة بعد انهيار أسعار النفط وتضخم حالة غياب الأمر في روسيا.

إن زراعة بذور عدم الثقة كان على الأقل أمراً مهماً بالنسبة للحملة الروسية بقدر أهيمته للناشطين الذين افتعلوا ذلك. فمن خلال نشر الشائعات حول انخراطهم مع الناشطين، جعل الروس – عن عمد – مسألة وقوع الناشطين تحت التأثير الروسي أمراً غير واضحاً. لقد كانت هذه قوةً هائلةً مضاعفة بحكم أنها جعلت الجميع في حالة من الشك، وأصبحت جميع الممارسات تُرى من عدسة العمليات الروسية. وحتى لو لم يكن هناك أحد تحت سيطرة الروس، فإن حالة عدم الثقة هي انتصارٌ بحد ذاتها.

خذ هذا المثال المعروف: في الولايات المتحدة، ربما تواصل دونالد ترامب مع الروس وربما لم يفعل، ولكن هذا لا يعني أي شيء بالنسبة لأهداف روسيا، فبمجرَّد قدرة الروس على رفع هذه الاحتمالية، فإنهم يكونون قد نجحوا في زعزعة استقرار النظام.

وهم القوة

تكمن المشكلة في هذه الاستراتيجية التي وظَّفها الروس في أنها لا تؤدي غرضها، أو – من باب الدقة – تبقى نتائجها المطلوبة مجرَّد أمر محتمل. ولكن الروس لم يحصلوا إلا على الحد الأدني من الدعم وحتى أعظم استراتيجياتها كانت بسيطة. ففي الحرب العالمية الثانية، قام هتلر أولاً بتدمير جميع هذه العمليات منذ أول أيام حكمه، والأمر الثاني هو فشل الاستخبارات السوفيتية في توقع (أو أن ستالين رفض أن يفهم) الغزو القادم .

خلال الحرب الباردة، وبالرغم من النجاح الحقيقي الذي حققه الاتحاد السوفيتي في زعزعة الاستقرار، إلا أنه سقط في النهاية، وبقيت الولايات المتحدة. ويعود ذلك لسبب بسيط، وهو أن هذه التكتيكات تكون مفيدة لنظام يحظى بقوة حقيقية، بحيث يستعمل هذه التكيكات كعاملٍ مساعد، ولكن السوفييت كانوا قوةً بديلة أمام القوة الحقيقية، وهو ما جعل هذه التكتيكات غير ذات جدوى.

لقد كانت سياسة السوفيتية المسماة بـ 'التحريض والبروبوغاندا' ناجحة قبل الحرب العالمية الثانية، ولكنها لم تمنع من حدوث الحرب، كما لم تكن مهمة لنجاح الحلفاء، فالأمر هنا يعتمد على أدوات أكثر قوة كالدبابات والطائرات.

ونفس الشيء ينطبق على فترة الحرب الباردة، فقد نجحت جهود زعزعة الاستقرار السوفيتية، ولكنها لم تكن مجدية. فاستراتيجية الاحتواء الأمريكية حصرت الاستراتيجيات السوفيتية في خانة الدفاع. وقد انهار الاتحاد السوفيتي لأنه لم يتمكن من الحفاظ على اقتصاده وبنيته، ولم تتمكن أي جماعة إرهابية في أوروبا من تغيير ذلك.

يميل الروس لتصعيد عمليات خفية تهدف لزعزعة الاستقرار باعتبار ذلك بديلاً عن القوة الحقيقية، وهي ذات العمليات التي توظِّفها الولايات المتحدة ولكن كقوة مساعدة. خذ أوكرانيا على سبيل المثال، فمع حالة ضعف الاقتصاد الروسي ونمو سلطة الولايات المتحدة على مناطقها الغربية، فلن تتمكن روسيا من صنع أي شيء لتغيير الأوضاع في أوكرانيا، وبدلاً من ذلك ستلجأ لجهودها المتخفية لزعزعة استقرار أوروبا والولايات المتحدة.

إن رجال الاستخبارات الروسية الذين يقودون روسيا اليوم والذين حققوا نجاحات تكتيكية خلال الحرب الباردة يشعرون بالارتياح من هذا التكتيك، ولكنهم يغفلون عن أن نجاحه خادع وبعيد عن الغاية المرجوة. فهذه التكتيكات لم تحقق غايتها إطلاقاً كقوة رئيسية، نعم بإمكانها إثارة الإضراب وكسب الوقت، ولكنها لا تغير واقع القوى السائد. وفي النهاية، لا يمكن التعويض عن القوة العسكرية والاقتصادية بمحض استراتيجيات قائمة على التلاعب.

التعليقات