12/06/2017 - 22:05

الإحساس الكوني بالضحك: بين المحلية والعالمية

يدرك جميعنا وجود الصور النمطية، فالبريطانيون متهكمون وحادُّون، ويمتاز الأمريكان بالكوميديا البدنية، بينما يعشق اليابانيون التلاعب بالكلمات. ولكن إلى أي درجة تنبع الفكاهة من الثقافة؟ ألا يمكن أن تكون أكثر كونية، أم أن الأمر يعتمد على الفرد

الإحساس الكوني بالضحك: بين المحلية والعالمية

(pixabay)

ترجمة خاصة: عرب ٤٨

يدرك جميعنا وجود الصور النمطية، فالبريطانيون متهكمون وحادُّون، ويمتاز الأمريكان بالكوميديا البدنية، بينما يعشق اليابانيون التلاعب بالكلمات. ولكن إلى أي درجة تنبع الفكاهة من الثقافة؟ ألا يمكن أن تكون أكثر كونية، أم أن الأمر يعتمد على الفرد أكثر؟

هناك أسباب وجيهة تدفعنا للاعتقاد بوجود حس فكاهي محلي. ولكن دعونا نبدأ بالأمور التي تجمعنا، عن طريق التأمل في أنماط الفكاهة التي تتجاوز جميع الحدود.

هناك أنواع من الفكاهات تُستخدم في السياقات العالمية والعابرة للثقافات بحكم طبيعتها، مثل المطارات. فعندما يأتي الأمر لفعاليات ركوب الطائرة، فإن الطيران تحديداً مليئةٌ بالفكاهة التي تتجاوز الحدود الثقافية واللغوية وذلك لأسباب بسيطة، فالكوميديا التهريجية والعادية والتي تتضمن تجاوزات وزلات اجتماعية كونية كتلك التي يؤديها 'مستر بين' والتي تعتبر فكاهة آمنة ومحترمة يمكننا جميعاً أن نتفاعل معها. كما أن المواقف الصامتة المربكة التي قدَّمها برنامج الكاميرا الخفية الكندي 'للضحك فقط' (Just for Laughs) استعملت المطارات كخيار مضحك وعبر العديد من السنوات.

فهذا النوع من الكوميديا واسع الانتشار ومن غير المرجِّح أن يؤذي معظم الناس. وبالتأكيد، فإن العنصر المهم الذي يدعم هذا الانتشار هو عدم استنادها على لغة محددة.

اللغة والثقافة

معظم النشاطات الفكاهية، وتحديداً الفكاهة التي تدخل بها قيم معرفية، تأتي متضمَّنةً في اللغة والثقافة، فهي تعتمد على اللغة المشتركة أو مجموعة البنى الثقافية السائدة، ويمكن اعتبار التلاعب اللغوي والتعابير أمثلة على ذلك.

وبالطبع، تَعتبِرُ معظم النظريات الحديثة في الفكاهة أن بعض أشكال المعرفة المشتركة هي أحد الأعمدة المؤسسة للفكاهة، فهذه هي الثقافة بطبيعة الحال.

وقد بينت بعض الأبحاث ذلك، فهناك دراسة قاست مستوى الفكاهة لدى طلبة كلية في سنغافورة، وقارنتها مع طلاب في أمريكا الشمالية وإسرائيل، وتم ذلك عن طريق استبيان طلب من المشاركين أن يصفوا النكات التي يرونها مضحكة بالنسبة لهم. ووجد الباحثون أن الأميركان يفضلون ترديد النكات الجنسية أكثر من السنغافوريين، وفي المقابل فإن النكات السنغافورية كانت تركز أكثر على العنف. وفسَّر الباحثون نقص النكات الجنسية عند الطلاب السنغافوريين باعتبارها انعكاساً لطبيعة المجتمع المحافظ، ويمكن تفسير النكات العنيفة بأنها تأكيد ثقافي على مبدأ القوة كسبيل للعيش.

وقارنت دراسة أخرى بين تفضيلات الطلاب اليابانيين والتايوانيين للنكات الإنجليزية، وقد وجدت أن التايوانيين يستمتعون بالنكات أكثر من اليابانيين كما أنهم يبدون متلهفين لفهم النكات المبهمة. ويحاجج المؤلفون أن ذلك قد يعود لطبيعة الثقافة التراتبية في اليابان التي تترك مساحة صغيرة فقط للفكاهة.

الاستصغار وإهانة الذات

هناك العديد من السمات الشاملة التي يمكن أن يعرَّف بها الحس الفكاهي لشعب ما. فالشعب الذي يضحك بشكل متشرك هو شعب تظهر عليه قيم الولاء القوية. والضحك هو أحد أبرز المؤشرات الاجتماعية وإذا ما اجتمع مع الفكاهة فإنه يمكن أن يؤكد على الترابط الاجتماعي، وإن كان ذلك على حساب استصغار الجماعات الأخرى. يمكن أن نرى ذلك في جميع الدول، فعلى سبيل المثال، يميل الفرنسيون للاستمتاع بإلقاء النكات على الفرنسيين، بينما يضحك السويديون على النرويجيين، وبالتأكيد، تمتلك معظم الشعوب دولة معينة يفضلون إلقاء النكات عليها.

وتعد الفكاهة الجنسية والعنصرية أمثلة أخرى على هذا النوع من الاستصغار. يمكن أن تتنوع النكات التي يستخدمها الناس عبر الثقافات، ولكن هذه الظاهرة في ذاتها تعزز التضامن الاجتماعي. كما يعد الاعتراف بالحدود الاجتماعية المقبولة أمراً مهماً ومدعِّماً للتماسك الاجتماعي. وبما أن الاستصغار ليس هو الموجِّه الأساسي لعملية التفاعل هذه فإن هذا يفسر لم يفشل الناس عادةً في إدراك أنهم يؤذون جماعةً ما أثناء قيامهم 'بمجرد إلقاء النكات'. ولكن مع تداخل العالم واتساع رقعة التواصل وقبول الاختلافات، يصبح هذا النوع من الفكاهة أقل تقبلاً في الثقافات التي تقبل التنوع.

كما يُعد استصغار الذات وإهانة الذات أمراً مهماً أيضاً، وذلك إذا ما بقيت في حدود الاعتدال وضمن المعايير الاجتماعية المقبولة. تجادل نظرية التناقض الحميد أن الأشياء التي تشكِّل تهديداً للمعايير الاجتماعية والثقافية يمكن أن تكون أمراً فكاهياً.

والأمر المهم هنا هو أن ما يشكِّل المستوى الحميد من الأذى يرتبط بشكل كبير بالثقافة ويختلف من شعب لشعب، وبين جماعات معينة ضمن الشعب وعبر التاريخ الخاص بالشعب. فما كان يعتبر في السابق أمراً مقبولاً كفكاهة محلية يمكن أن يصبح الآن أمراً غير مقبول. فبالنسبة للبريطانيين، قد يكون مقبولاً أن تسخر من ثقافة المبالغة في التهذيب لدى البريطانيين سواءً في الحياة العادية أو عند مقابلة الغرباء، ولكن إلقاء النكات على طبيعة التاريخ الاستعماري لبريطانيا سيكون أمراً مثيراً للنزاع، حيث سيمثِّل ذلك اعتداءً على المعايير الاجتماعية دون أن يكون هناك أي تعاطف محمود.

هناك عامل آخر أيضاً وهو حاجتنا لإظهار فهمنا للشخص الذي نقوم بالتنكيت معه. وما أقتنع به هو أننا نمتلك رغبة لإظهار مهارات معرفتنا بما يفكر الشخص الآخر، أو قراءة أفكاره بحسب اللغة العلمية. ولذلك فإن الانحيازات الثقافية والقدرة على إظهارها تعتبر عناصر أساسية في إنتاج الفكاهة والحصول على التقدير، فهي تعطينا القدرة على إلقاء النكات مع أبناء بلدنا على نحو يختلف مع القيام بذلك مع أبناء الثقافات الأخرى.

فعلى سبيل المثال، يعرف معظم سكان المملكة المتحدة أن التعبير الشعبي 'لا تذكر الحرب' يشير إلى مقطع من برنامج فولتي تاورز (Fawlty Towers). وإذا عرفت أن 'مقابض الشوكة' هي أمر مضحك فهذا يؤكد أنّك مواطن بريطاني. والشيء ذاته ينطبق على معرفة 'أنا أحب لوسي' أو استحضار اقتباس من سينفيلد يمثلُ نوعاً من الانتماء بين العديد من سكان الولايات المتحدة، بينما يشير ذكر 'تشافو ديل أوكو' أو 'تشابولين كولورادو' إلى نفس الشيء بالنسبة للمكسيكيين والكثير من سكان أمريكا اللاتينية.

تعتبر هذه التفاصيل الثقافية المشتركة – والتي تشكَّلت معظمها من خلال التلفزيون – جانباً مهماً من الشعور الوطني بالفكاهة، فهي تخلق شعوراً بالانتماء والحميمية، إنها تجعلنا نشعر بالمزيد من الثقة اتجاه فكاهتنا ويمكن أن تُستعمل لبناء المزيد من النكات عليها.

يمكن أن يُعتبر الشعور المشترك بالفكاهة واحداً من أبرز المؤشرات على درجة التفاهم الموجودة بيننا كشعب. وبالتأكيد، فإن الفكاهة المحلية تميل لإظهار الوحدة داخل البلد الواحد أكثر من الميل لإظهار اختلاف شعب ما عن الشعوب الأخرى بأي معنى من المعاني.

التعليقات