20/08/2017 - 15:32

كيف عززت البطاطا صعود الرأسمالية الليبرالية؟

يعد التزاوج بين الصحة العامة والخيار الفردي نتيجة للأفكار الجديدة التي برزت في عصر التنوير. فخلال القرن الثامن عشر، بدأت الدول الأوروبية تعيد التفكير في أسس الثروة والقوة الوطنية. وفي قلب تلك الأفكار الجديدة كان إدراك ما ندعوه اليوم بالصحة

كيف عززت البطاطا صعود الرأسمالية الليبرالية؟

توضيحية (أ ف ب)

(ترجمة خاصة: عرب 48)

يهمنا الطعام في حياتنا الشخصية، ولكننا غير متأكدين مما إذا كان ينبغي أن تهم حياة الآخرين. فنحن نصر عادةً على أن نظامنا الغذائي هو أمر يخصنا ونستاء عندما يقال لنا أن نأكل المزيد من الفواكه ونستهلك القليل من الكحوليات وألا نتناول الكثير من الطعام على العشاء.

فقد فشلت جهود محافظ مدينة نيويورك، مايكل لبوبيرغ، في عامي 2012 و2013 لمنع بيع المشروبات الغازية كبيرة الحجم، وذلك بسبب الانتقادات التي توجهت له باعتبار ذلك تدخلًا في حق الأفراد في تحديد خياراتهم الغذاية. "يحتاج سكان نيويورك إلى محافظ لا لمربي"، هكذا أشار إعلانٌ ملأ صفحة كاملةً على صحيفة نيويورك تايمز. وعندما مَنعت مدرسةٌ بالقرب من مدينة روثيرهام في شمال إنجلترا بيع حلوى التويزليرز والمشروبات الغازية عن المقصف، احتجت الأمهات الغاضبات، وأصررن على حق أولادهن بتناول الأطعمة غير الصحية.

وفي نفس الوقت، تورط البريطانيون بالتقارير التي تؤكد على أنهم شعب مولع بالسكر ويزدري التمرينات الرياضية التي قد تؤدي إلى إفلاس هيئة الخدمات الصحية الوطنية، وهو ما أدى لوجود دعم كبير لفكرة وجوب قيام الأفراد البدناء بتخفيض أوزانهم قبل أن يتم علاجهم. نحن نوافق على أن خياراتنا الغذائية السيئة تضر الجميع، ولكننا متأكدون في نفس الوقت على حقنا في أكل ما نريد.

إن بداية هذه الطريقة في تفكيرنا بالطعام ترتبط بشكل كبير بصعود البطاطا كنوع من النشويات الوطنية. فعشق بريطانيا للبطاطا يرتبط كثيرًا بفكرة القيمة النفعية للنظام الغذائي الجيد وكيف أن وجود المواطنين الأصحاء يعد محركًا للقوة الاقتصادية. كي نتوسع أكثر في ذلك علينا أن نعود إلى القرن الثامن عشر.

الطعام المتنِّور

يعد التزاوج بين الصحة العامة والخيار الفردي نتيجة للأفكار الجديدة التي برزت في عصر التنوير. فخلال القرن الثامن عشر، بدأت الدول الأوروبية تعيد التفكير في أسس الثروة والقوة الوطنية. وفي قلب تلك الأفكار الجديدة كان إدراك ما ندعوه اليوم بالصحة العامة. ففي حين تمنى حكام القرون الأولى أن يمنعوا حدوث الجماعات التي توتِّر الحياة العامة، أصبح السياسيون في القرن الثامن عشر على قناعة متزايدة بأن تحصيل القوة الوطنية والقدرات الاقتصادية يتطلب ما هو أكثر من شعب منصاع ينفر من العصيان.

واعتقدوا أن ذلك يتطلب وجود قوة عاملة من الجنود والعمال النشيطين والأصحاء. حيث سيضمن ذلك وحده نجاح الصناعة، فقد أكد الناشط الخيري في القرن الثامن عشر، جوناس هانوي، أن "الأسس الحقيقية للغنى والقوى هو عدد العمالة الفقيرة". ولهذا السبب استنتج أن:

"... كل مقترح عقلاني لزيادة عددهم يعتبر جديرًا بالاهتمام. فعدد الناس يمثل المخزون الوطني، فالإقطاع – الذي لا يعمل لأجل أحد – غير مفيد أبدًا، وتنطبق نفس هذه القاعدة على كافة الشعب".

يوافقه على ذلك المفكر الإسباني جوكين تشافير ديوريز، عندما كتب في عام 1801: "لا يوجد أي سياسي لا يوافق على الحقيقة الجلية بأن أكبر عدد ممكن من الرجال المطيعين العاملين سيؤسس لسعادة وقوة وثورة أي دولة". ولذلك وجَّه رجال الدولة والفاعلين الاجتماعيين انتباههم لبناء هذه الطبقة السكانية الصحية. كان هذا المسار الإنتاجي للقرن الثامن عشر.

وليام بوشان

ومن الواضح أن هذا يتطلب دعما واسعًا للغذاء الصحي. كان ذلك إجماعًا متناميًا في أرجاء أوروبا، التي كان يتعرقل معظم سكانها بالعادات الغذائية الفقيرة. فعلى سبيل المثال، أكَّد الطبيب الأسكتنلندي وليام بوشان، على ذلك، في كتابه الصادر في عام 1979 بعنوان "ملاحظات حول النظام الغذائي لعامة الشعب". حيث أعتقد بوشان أن معظم "عامة الشعب" يأكلون الكثير من اللحوم والخبز الأبيض، ويشربون الكثير من الجعة، كما أنهم لا يتناولون ما يكفي من الخضار. والنتيجة المحتومة لذلك، كما يؤكد، هي ضعف الصحة وانتشار الأمراض التي تنخر في أجساد الرجال العاملين والنساء والأطفال، وهو ما أدى في المقابل إلى تقويض التجارة البريطانية وإضعاف الدولة.

فلا يحظى الجنود الضعفاء بالقدرة على التحصُّن من الضربات، ولا يتمكن العامل المريض من تطوير التجارة. ثم بدأ الفلاسفة وعلماء الاقتصاد السياسي والأطباء والمسؤولون وغيرهم بالتأكيد على أن تحقيق دول قوية وآمنة لا يمكن أن يحدث من دون عمل تغييرات حقيقية في الممارسات الغذائية لجميع السكان. ولكن كيف يمكن ضمان التغذية الحسنة للناس؟ وما هي أنواع الأطعمة التي يمكن أن تؤسس قاعدة غذائية أفضل من الجعة والخبز الأبيض؟ شجع بوشان وجود نظام غذائي مبني بشكل كبير على البقوليات والخضروات الجذرية، حيث أكد على كونها أرخص وأكثر صحية من بدائلها.

وكان شديد الحماس للبطاطا بشكل خاص، حيث وضح قائلًا: "يا له من كنز أن يحصِّل رجلٌ فقير مع أسرته الكبيرة على بقرة حلوبة وحديقة مليئة بالبطاطا". تقدِّم البطاطا غذاءً مثاليًا، فقد أشار أيضًا: "لقد تقوَّى أحد الرجال الذين نعرفهم عن طريق تناول الحليب والبطاطا". ويؤكد بوشان أنه بمجرد إدراك الناس لهذه الفوائد فسيدخلون في نظام غذائي من البطاطا، وسيمجِّدونها بكل سعادة وحرية.

وستعود منافع ذلك على الأفراد العاملين وعائلاتهم، الذين ستصبح أجسادهم الصحية مليئة بالقوة والحيوية، وعلى الدولة والاقتصاد بشكل عام، سيفوز الجميع بذلك. فإذا مكَّنا الجميع من السعي لتحقيق مصلحتهم الشخصية فإن ذلك سيؤدي لسياسة أفضل للمجتمع ولاقتصاد أكثر إنتاجية.

البطاطا العجيبة

كان بوشان واحدًا من مجموعة واسعة من المتحمسين للبطاطا في القرن الثامن عشر، فقد عقدت الأندية المحلية في فنلندنا مسابقات تهدف لتشجيع الفلاحين على زراعة المزيد من البطاطا، وعملت الصحف الإسبانية على توضيح كيفية سلق البطاطا على الطريقة الإيرلندية، وكتب الأطباء الإيطاليون العديد من الدراسات حول "البطاطا العجيبة" وأصدر الملوك في أوروبا المراسيم التي تشجع الجميع على زراعة وتناول المزيد من البطاطا.

وفي عام 1794، زُرِعت حدائق التويلري في باريس وامتلأت بالبطاطا. الفكرة في الموضوع أنه كان هناك عدد هائلٌ من الناشطين الاجتماعيين في القرن الثامن عشر، الذين كانوا على قناعة بأن الصحة النفسية والسعادة على الصعيدين الشخصي والمجتمعي يمكن أن توجد في البطاطا.

ولكن لم يقل هؤلاء المهووسين بالبطاطا أنه ينبغي إجبار الناس على تناولها. وبدلًا من ذلك، بدأوا يشرحون بروية، عن طريق المنشورات والدروس العامة والخُطَب والإعلانات، فائدة البطاطا كغذاء صحي ستأكله وأنت مستمتع به. لم تكن ثمة حاجة للتضحية بصحة أحد من أجل ضمان صحة الشعب بأكمله، لأن البطاطا كانت لذيذة جدًا. فقد كان الاختيار الفردي والمصلحة العامة في تناغم كامل، فالبطاطا مفيدة لك، وهي مفيدة للمجتمع أيضًا.

وبالطبع يمثل هذا إلى حد ما التوجه الذي نتبناه في الصحة العامة والغذاء الصحي في هذه الأيام. حيث نميل لتقديم النصائح – أوقف السمنة! تدرب أكثر! – بدلًا من التدخل الفج كما شوهد في المكسيك، عندما تم فرض ضريبة 10% على المشروبات السكرية، أو مثل قرار المنع الذي اقترحه بلومبيرغ.

فأملنا هو أن تساعد حملات التعليم العام، الناس، على اختيار تناول الطعام الصحي. فلا أحد يحتج على كتيب الإرشادات الغذائي التي تنشرها إدارة الصحة العامة في إنجلترا، والتي تقدم نصائح حول الغذاء الصحي، وذلك لأنها مفيدة ويمكنك تجاهلها بكل سهولة. ما نأمله هو أن يقوم الجميع، بإرادته الحرة، بالدخول بنظام صحي أكثر، وأن يؤدي هذا التلاقي في الخيارات الفردية الجيدة إلى شعب أكثر قوة وصحة بشكل كامل. ولكن قناعتنا الحديثة بأن التقاء الخيارات النفعية الفردية سيؤدي إلى شعب أكثر قوة وصحة تعود تاريخيًا للأفكار الجديدة التي برزت في القرن الثامن عشر عبر أعمال بوشان وغيره.

فليست مصادفة أن يبرز هذا الإيمان في التلاقي الرائع بين الخيار الفردي والمنفعة العامة من تلك اللحظة التي تطورت فيها مبادئ الاقتصاد الكلاسيكي الحديث. وكما حاجج آدم سميث، فإن الاقتصاد الناجح هو نتيجة لفتح الباب أمام الجميع لتحقيق مصالحهم الخاصة، حيث كتب في عام 1776:

نحن لا نتلقى عشاءنا بفضل كرم الجزار أو العصَّار أو الخباز، بل من اهتمامهم بتحصيل منفعتهم الشخصية.

وكانت نتيجة تحقيق كل شخص لمنفتعه الخاصة هي تشكل نظام اقتصادي ناجح، حيث يؤكد في كتابه "نظرية المشاعر الأخلاقية":

كل فرد... لا يعتزم على تحقيق المنفعة العامة، ولا يعرف كيفية تحقيقها... يريد فقط أن يحقق أمنه الخاص، وعن طريق توجيه هذه الصنعة بالطريقة التي تتم عليها، فإنه يسعى لتحقيق مصلحته فقط، وبهذه الطريقة – وكما هو الحال في المسارات الأخرى – يتم تحريكه عبر يد خفية لتحقيق نتيجة لم تكن جزءًا مما يريد القيام به.

رجالٌ أقوياء ونساءٌ جميلات

بحسب رؤية علماء الاقتصاد الكلاسيكيين من أمثال آدم سميث، فإن أفضل طريقة لضمان تحقيق اقتصاد وطني قوي هي أن نترك كل فرد ليبحث عن منفعته الخاصة. وأسوأ شيء يمكن القيام به هو محاولة التدخل في السوق، حيث يعتبر التدخل في سوق الغذاء أمرًا مضرًا، وقد يستثير حالة العجز التي كانوا يريدون تجنبها. بدأت تتجلى هذه الفكرة في بدايات القرن الثامن عشر وأصبحت فكرة منتشرة لدى التنويريين التقدميين. فكما نعرف، أصبح الإيمان في السوق الحر حجرًا أساسيًا في الرأسمالية الحديثة، وقد شكَّلت هذه الأفكار عالمنا بشكل عميق.

ويبدو أنه كان من المحتوم أن يوصي آدم سميث بالبطاطا. فقد كانت فكرته عن السوق الحرة ترتكز على أن الوصول للرفاهية الوطنية لا يتحقق إلا عندما يكون الناس سعداء ويسعون لتحقيق مصالحهم الخاصة، والسعادة والراحة تتطلب وفرةً في الطعام اللذيذ والمغذي، وهذا هو ما تقدمه البطاطا بحسب رؤية سميث. فلم تكن البطاطا أكثر إنتاجية من القمح فقط – وقد حسب سميث ذلك بدقة – بل كانت مغذية بشكل هائل. حيث يشير قائلًا بأن "أقوى الرجال وأجمل النساء" في بريطانيا يعيشون على البطاطا. ويخلص إلى نتيجة مفادها أنه "لا يمكن لأي طعام آخر أن يتفوق على جودتها الغذائية، أو أن يحقق تناسقها العجيب مع صحة الإنسان".

يربط سميث المنافع الشخصية للأفراد، المستمدة من الاستهلاك الأكبر للبطاطا، بتحقيق الإزدهار الاقتصادي. فإذا زرعت الأراضي بالبطاطا، فإنها ستزيد عدد السكان، و"العمال الذين سيتغذون على البطاطا" سينتجون فائضًا أكبر يعود بالنفع لهم ولملاك الأراضي والاقتصاد. فبحسب رؤية سميث، وكما هو الحال مع وليام بوشان ومناصري البطاطا الآخرين، إذا اختار الأفراد تناول المزيد من البطاطا، ستعود فائدة ذلك على الجميع. فإدخال المزيد من البطاطا سيؤدي لمخرجات اقتصادية أفضل.

وانسجامًا مع النزعة الفردانية التي ارتكز عليها النموذج الاقتصادي السياسي لسميث، لم يوصي سميث بأن يتم إجبار الناس على زراعة وتناول البطاطا، بل أكد على التلاقي الطبيعي بين المصالح الفردية والوطنية. وبالتأكيد، تم تشخيص التوترات الممكنة بين المصالح الشخصية والعامة مباشرةً من قِبَل مناصري البطاطا في القرن الثامن عشر، حيث اعتنوا بتتبع جميع الآراء التي تعتبر أنهم يُخضعون الحرية الفردية للإرادة الجماعية.

أكد رئيس المجلس البريطاني الزراعي في تسعينيات القرن الثامن عشر، جون سنكلير، على أن البعض قد يتصور ضرورة ترك المزارعين أحرارًا حيال رغبتهم بزراعة المزيد من البطاطا. حيث أقرَّ أنه: "إذا كان ينبغي على المجتمع أن يملي على المزارع كيف يزرع أرضه"، فقد يكون ذلك "مصدرًا لأذى لا نهائي".

إن تقديم المعلومات لخيار الفرد الحر، "بدلًا من إجبارهم، لا بد أن يؤدي لأفضل النتائج". فالنصيحة وتقديم المعلومة، بدلًا من سن التشريعات، ستظل بالتأكيد الأسلوب الأفضل لتغيير أنظمة الغذاء الوطنية لمعظم صانعي السياسات. أي عن طريق التوجيهات الغذائية، لا منع المشروبات الغازية.

شهد القرن الثامن عشر ميلاد الأفكار التي استمرت في صنع تأثيرها على عالمنا اليوم. فالقناعة بأن سعي كل شخص لتحقيق مصالحه الاقتصادية والغذائية سيؤدي لارتفاع شامل في رفاهية وصحة الشعب، تقبع جميعها في قلب نموذج التفكير الجديد الذي نشأ في القرن الثامن عشر حول الاقتصاد والدولة.

سياسات البطاطا

كانت هذه الفكرة – أي أن المكاسب الخاصة يمكن أن تؤدي لمنافع عامة – هي التي دعَّمت اهتمام القرن الثامن عشر في البطاطا باعتبارها محركًا للنمو الوطني، كما تفسِّر لماذا قامت الدولة والمؤسسات التعليمية في القرن العشرين في أوروبا بتأسيس معاهد بحث رسمية في البطاطا، وتمويل البعثات العلمية إلى جبال الأنديز التي تهدف لإكتشاف أنواع جديدة وأكثر إنتاجية من البطاطا، وذلك بالإضافة للترويج لاستهلاك البطاطا.

إن مجموعة البطاطا الخاصة بالكومنويلث البريطاني، مثل مجموعة الألماني غروب لوسويتز، أو معهد "إن آي فافيلوف" للأبحاث في صناعة البطاطا، جميعها تذكرنا بالتاريخ الطويل الذي ربط بين البطاطا والعادات الغذائية الشخصية والصحة الوطنية.

فهذه العلاقات بين البطاطا والاقتصاد السياسي والدولة القوية تفسر أيضًا هوس الحكومة الصينية الحالي بالبطاطا. حيث تعدُّ الصين الآن من أبرز منتجي البطاطا، والتي وصلت إلى الصين في القرن السابع عشر، ولكن كان يُنظر إليها لفترة طويلة كطعام للفقراء، في حين بقي الرز من النشويات الخاصة بالطبقات العليا. فقد عملت الدولة الصينية منذ بضعة عقود على زيادة استهلاك البطاطا واندفعت في ذلك أكثر منذ عام 2014. حيث نشأت هناك بروبوغاندا إعلامية للبطاطا فيما يتعلق بزراعتها واستهلاكها.

وكما كان الأمر في أوروبا القرن الثامن عشر، تعزز هذا الترويج الجديد للبطاطا الصينية مع نشوء حالة من القلق على الحاجات الأوسع للدولة، ولكنها تشكلت عبر الحديث عن فائدة تناول البطاطا بالنسبة للأفراد. حيث بدأت القنوات التلفزيونية الرسمية بنشر الوصفات التي تحفز الناس على النقاش حول ألذ طرق تحضير صحون البطاطا. ولا تكتفي كتب الطبخ بوصف دور البطاطا في مساعدة الصين على تحقيق الأمن الغذائي، بل توضِّح مدى لذتها وقدرتها على علاج السرطان.

وكما حصل في القرن الثامن عشر، بدأت تنتشر في الصين اليوم فكرة أن الجميع – أنت والدولة والمجتمع بأكمله – سيستفيد من هذا الغذاء الصحي. وفي حال سعى الجميع لتحقيق مصالحهم الخاصة – كما دعا مناصرو البطاطا في الماضي والحاضر – سيتناول الجميع المزيد من البطاطا وسيصبح كافة المجتمع أكثر صحة. وسيتمكن هؤلاء الناس الأصحاء من العمل بقوة، وسينمو الاقتصاد وستصبح الدولة أقوى. سيستفيد الجميع من ذلك، وذلك فقط إذا اتبع الجميع مصالحهم الفردية الخاصة.

أظهر القرن الثامن عشر بروز طريقة جديدة في التفكير حول طبيعة ثروة وقوة الدولة. أكدت هذه الأفكار الجديدة على العلاقة القوية بين الصحة والنجاح الاقتصادي للأفراد والازدهار والقوة الاقتصادية للدولة. وما يأكله الناس – كما هو الأمر مع من ينتجون في بيئة العمل – له أثر على باقي الناس.

وفي نفس الوقت، وضمن هذه الدعاية الجديدة، ارتكز النموذج الرأسمالي بشكل أساسي على فكرة الاختيار، فينبغي أن يُترك الأفراد ليحققوا مصالحهم الخاصة، سواء أكانت اقتصادية أم غذائية. وتؤكد النظرية أنه في حال تحقق ذلك على المدى الطويل، فسيختار الناس في النهاية مخرجاتٍ تعود بالفائدة على الجميع.

إن لمحة تاريخية عن البطاطا تمكننا من رؤية الاستمرارية طويلة المدى التي توحد الاقتصاد السياسي والنظام الغذائي الفردي ضمن دولة ذات نموذج ليبرالي موسع. كما تساعدنا في فهم رواج البطاطا في الصين المعاصرة، باعتبارها تمثل إعادة توجيه حقيقية نحو اقتصاد السوق.

إن العلاقة بين الحياة اليومية والفردانية والدولة التي تشكلت في أواخر القرن الثامن عشر لا زالت تشكل الجدالات الحالية حول كيفية بناء التوازن بين الحرية الشخصية الغذائية وتحقيق صحة البناء الاجتماعي. والعهد المغري بأننا نستطيع كأفراد وجماعات أن نأكل بطريقة معينة لنحقق الرفاهية الصحية والاقتصادية لا زال عنصرًا قويًا في عالمنا النيوليبرالي.

التعليقات