15/03/2018 - 19:32

أن يرتد الفيلسوف عن معتقده... أربعة نماذج

يُخطئ الفلاسفة في بعض الأحيان؛ ويعد الإقرار بإمكانية الخطأ جزءًا كبيرًا من أن يكون الفرد فيلسوفًا حقيقيًا. نستعرض في هذه المقالة تراجع أربعة فلاسفة عما اعتقدوه سابقًا بصورة جذرية.

أن يرتد الفيلسوف عن معتقده... أربعة نماذج

يُخطئ الفلاسفة في بعض الأحيان؛ ويعد الإقرار بإمكانية الخطأ جزءًا كبيرًا من أن يكون الفرد فيلسوفًا حقيقيًا. وفي حين يقوم معظم الفلاسفة بإجراء تعديلات مستمرة ومراجعات لتصحيح أخطائهم، إلا أنها طفيفة وسطحية في معظمها، يصنع آخرون تحولات كبيرة في طريقة تفكيرهم.

ونستعرض في هذه المقالة تراجع أربعة فلاسفة عما اعتقدوه سابقًا بصورة جذرية.

روبرت نوزيك

روبرت نوزيك

كان روبيرت نوزيك فيلسوفًا أميركيًا، كتب في كل موضوع تعامل معه في حياته تقريبًا. إنه فيلسوف معروف بمغامراته المنعزلة في الفلسفة السياسية في كتاب "الفوضوية، الدولة واليوتوبيا". في هذا الكتاب يدعو نوزيك إلى دولة الحد الأدنى التي لا تنتهك الحريات الشخصية، إلى مكان يستطيع الناس فيه اختيار قوانينهم المجتمعية بحرية وسهولة. وفي مرحلة من المراحل، كان يفكر كيف أن ضريبة الدخل تشبه "العبودية بدوام جزئي"، بحكم أن العمال يحصلون على أجور ويُؤخذ جزء منهما للدولة من دون وجود فرصة للانسحاب أو الرفض أو الاستثناء. إن فكرة الدولة المثالية لديه هي الدولة الخالية من الضرائب.

وفي كتابه الأخير "الحياة التجريبية"، يناقش نوزيك مواضيع عديدة منها الجنس والموت وحتى السياسة. يستعيد أفكار كتابه السابق ويعلن أن "الموقف التحرري الذي تبنيته ذات مرة يبدو الآن غير ملائم بشكل حقيقي، يعود ذلك جزئيًا إلى أنه لا يتلاءم بشكل كامل مع الاعتبارات الإنسانية والنشاطات التعاونية التي تركت مساحة لأشياء أخرى".

إن تعديلاته على مواقفه السابقة متقنة ولكنها غير ملحوظة. لم يقم بتغيير موقفه بشكل أساسي لكنه يقر بوجود مشكلة ما. يحتفي نوزيك بفكرة أن الدولة يمكن أن تلغي مبدأ التمييز ضد الجماعات المتعددة، مقرًا بأن تحقيق الحرية الشخصية قد يتطلب جهود جماعة وسيطة، ويتنازل باعتبار الضرائب أو التبرعات الإلزامية لجمعيات خيرية محددة، وسيلة لضمان سير المجتمع.

وفي حين أكد في مقابلة حديثة على القراء أنه لم يهجر الليبرتارية، إلا أنه تخلى عن أفكاره الصلبة مع تقدم العمر.

لودفيغ فتغنشتاين

لودفيغ فتغنشتاين

لعل أكثر تحول جذري في قائمتنا هو الذي مر فيه فتغنشتاين، وهو فيلسوف نمساوي عاش في القرن العشرين ونشر كتابًا واحدًا خلال حياته، وهو كتاب تراكتاتوس.

في هذا الكتاب، يحاجج بأنه عندما نتواصل مع شخص آخر فإننا نستخدم كلمات لوضع "صورة" في أذهاننا. عندما كتبت أن "كأس عصير الليمون تحتوي على مكعبي ثلج"، يمكنك تخيل ما كنت أعنيه بشكل واضح، في حال استخدمت الكلمات الصحيحة. كما يحتفي الكتاب بالوضعية المنطقية وحل بعض مشاكلها، وهو ما كان يرجو الوصول إليه فلاسفة "حلقة فيينا" (تجريبيو فيينا)، الذين سعوا لتطبيق قواعد العلم الوضعي والمنطق على الفلسفة.

كان فتنغشتاين فخورًا بكتابه ومقتنعًا أنه حل الفلسفة من خلاله عبر تقليل جميع مشاكله الدلالية. اعتزل الكتابة لبضعة سنوات بحكم عدم وجود إضافات فلسفية لديه. لكنه غير رأيه فيما بعد.

بعد موته، تم نشر كتابه الآخر "بحوث فلسفية". يعبر كتاب "بحوث فلسفية" عن أفكار كان يتبناها في أواخر حياته، وهي تعارض أعماله الأولى بالكامل. في نقطة معينة من هذا الكتاب كتب أن "مؤلف كتاب تراكتاتوس كان مخطئًا"، بحكم ردته عن مواقفه الأولى.

وفي كتاب "بحوث فلسفية"، يحاجج فتغنشتاين بأن اللغة هي سلسلة من الألعاب. فعندما تتحدث مع شخص ما فإننا نستخدم كلمات محددة لتوصيل معنى محدد. إن الطريقة الوحيدة التي يأمل فيها هذا الشخص فهمنا هو في حال فهم القواعد التي نلعبها، وكيف يتم استخدام الكلمات بالعلاقة مع هذه القواعد.

فعلى سبيل المثال، إذا كتبت "إنه ثرثار حقيقي"، فقد أكون أتحدث بطريقة ساخرة، أو بشكل حرفي، أو أكذب، أو بصيغة المبالغة. عليك أن تعرف ما هي "اللعبة" التي نلعبها كي تتمكن من فهمي. هذا يبتعد كثيرًا عن نظرية الصورة في كتاب تراكتاتوس، ووجه استنكارًا  لما "افتقد للمصداقية" في نظرته القديمة للأمور.

جان بول سارتر

جان بول سارتر

كان سارتر واحدًا من العقول الرائدة وراء الفلسفة الوجودية في القرن العشرين. فقد كتب عددًا من الكتب والمقالات والمسرحيات التي تصف طريقة التفكير وكيف يمكن تعلمها.

في أعماله الأولى، يعرفنا سارتر على فكرة الحرية المطلقة. ففي حين يقر بأننا محدودين ببعض الظروف الفيزيائية والاجتماعية، يضعنا ضمن مسؤولية كاملة عن أنفسنا ويعلن أننا "ملزمون بالحرية". يعطي مثالًا لهذا النوع من الحرية المتطرفة بالرجل الذي يفهم بأنه هو الشخص الوحيد المسؤول عن خياراته، ويدرك امتلاكه لحدود قليلة حول ما يمكنه اختياره.

وفي حين كان يؤكد دائمًا على أن القيود الاجتماعية والاقتصادية والفيزيائية تحدد واقع حريتنا، إلا أن القيود التي يعترف بها تصبح متعددة ومقيدة مع الوقت. يعود ذلك جزئيًا إلى تأثير شريكة حياته سيمون ديبوفوار وانخراطه المتزايد مع اليسار الفرنسي.

إن التغيرات التي مر بها لا تمثل تحولًا جذريًا عن أفكاره بقدر ما هي تطور على فهمه للجانب العملي من أعماله. ولكن في حين ازداد فهمه لكيفية تأثير القيود الاجتماعية والاقتصادية على حريتنا، بدأ بالتوقف عن تعريف نفسه بالوجودية المحضة وأعلن عن نفسه بوضوح بأنه كان فوضويًا دائمًا. وهو إعلان هائل لشخص أنتج الفلسفة الوجودية.

جون مسلر

جون مسلر

كان مسلر كاهنًا كاثوليكيًا في القرن السابع عشر في فرنسا. كان مسلر كاهنًا هادئًا وجدير بالثقة، أمضى عمله طيلة الأربعين عامًا بلا أي شكوى. وبعد موته، وجد كتاب في غرفته يحتوي على أكثر من 600 صفحة يروج فيه للإلحاد، نشر بعنوان "الوصية".

يعتبر ميسلر بكونه أول فيلسوف ملحد يؤلف كتابًا يعرِّف فيه عن موقفه. حيث يصف في هذا الكتاب الدين بـ "القصر المبني على الهواء" واللاهوت بأنه "تجاهل للأسباب الطبيعية القائمة في النظام". وجد أن مشكلة الشر لا يمكن أن تُحل، وأنكر وجود حرية الإرادة والروح، وأشار إلى أن طبقة النبلاء والكهنة يستحقون القتل باسم الحق والعدالة.

كما يحاجج بأن المسيحية في ذلك الوقت كانت مجرد أداة لضمان لا فعالية الطبقة الدنيا ضد العدالة، والتي ينبغي الثورة عليها. كما يدعو لشكل من الشيوعية البدائية كحل للعدالة الاجتماعية.

وفي حين يبقى السؤال حول مدى تحوله أمرًا مجهولًا، إلا أنه يقر في نصه أنه دخل في المؤسسة الإكليريكية ليرضي أسرته، وهي لا تقف ضد الأربعين سنة التي أمضاها كواعظ مسيحي. لم يقم أي أحد آخر في هذه القائمة باستنكار أربعين سنة من العمل في كتاب واحد، ويأتي رفضه لها بقوة صادمة بالرغم من ثقل أسلوب كتابته.

 

التعليقات