19/05/2018 - 09:00

البوذية التبتية تختلف عما تعرفه

تُعتبر الرأفة والتعاطف والحنية أشياء مركزية في هذ المعتقد، لكن هناك مساحة للعنف أيضًا، فتذكر الأساطير البوذية التبتية أنه في العصور الوسطى، كان الكهنة يقومون بتكسير عظام طلّابهم، ومن ثمّ مداوتهم "سحريًا" حتى يتملكون على قدرة الاستبصار...

البوذية التبتية تختلف عما تعرفه

تتلخص البوذية التبتية (من التبيت)، في روح ثقافة الشعبية الغربية أو ما توصف بثقافة "البوب"، في صورة لوجه القائد الروحاني الأعلى للبوذيين التبتيين، "الدالاي لاما"، على قسم "المساعدة-الذاتية" في مكتبة ما. أو في صورة ذهنية لكاهن يرتدي ثوبا لونه أحمر داكن، يجلس بهدوء وتغطي رأسه قلنسوة. يحاول الباحثون التدقيق في عقله ليتعلموا كيفية عبث الاستبصار في طمأنينته الفريدة.

وبهذا المعنى، يُنظر للبوذية التبتية في روح الثقافة الشعبية الغربية والعالمية، على أنها أحادية، وتحمل في طياتها طقوسا روحانية حميدة، تتأسس على حكمة بسيطة وحب هادئ ورفض قطعي للعنف. هذا الاعتقاد غير المعقد والشغوف عن ثقافة هؤلاء الناس، هو ما يجعلنا نتصوّر البوذيين التبتيين على أنهم ضحايا، الأمر الذي يدل على فقر كبير بمعلوماتنا على أقل تقدير.

البوذية التبتية "العنيفة"

تُعتبر الرأفة والتعاطف والحنية أشياء مركزية في هذ المعتقد، لكن هناك مساحة للعنف أيضًا، فتذكر الأساطير البوذية التبتية أنه في العصور الوسطى، كان الكهنة يقومون بتكسير عظام طلّابهم، ومن ثمّ مداوتهم "سحريًا" حتى يتملكون على قدرة الاستبصار، بالإضافة لوجود قصص عن رهبان اغتالوا ملوكًا لحماية البوذية.

وتُخبرنا القصص المعاصرة، رغم الإهمال الغربي لها، عن تمرد عنيف مدعوم من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إي"، قام به البوذيون التبتيون ضد الاحتلال الصيني من منتصف القرن الماضي وحتى السبعينيات، بالإضافة إلى أنّ التاريخ الحديث يبيّن لنا تنظم مجموعة من اللاجئين التبتيين في الهند، لمحاربة الصين عام 1962.

طقوس البوذية التبتية

بعيدًا عن حصر البوذية التبتية بهذا القالب (العنيف)، يحتوي المعتقد على كم كبير من ممارسات "التنترا"، أي محاولة الرقي بالكائنات الإنسانية من خلال عملية توسع عقولهم، بالإضافة إلى أفكار باطنية وتقنيات تُستخدم في دفع الراغبين نحو الاستبصار من أجل مساعدة أنفسهم بالتعامل مع هذه الحياة. لكن من الصعب حصر هذه الممارسات الروحانية بقالب واحد، فهناك بعض الكهنة الذين يحافظون على عدم بروز طُرقهم خوفًا من أن يتم فهمهم "بشكل خاطئ".

وقد تكون "مبادرة كالاتشاكرا" أكثر طقس باطني معروف للبوذية التبتية في الغرب، ويتلخص بأن الـ"دالاي لاما" أو أي شخصية دينية رفيعة المستوى، تقوم بنحت أو رسم رمز الـ"ماندلا" برمال ملّونة ومن ثمّ محوها.

ورغم أن معظم الغربيين يستقرئون من خلال هذا النوع من الفن الديني على أنه يؤكد فكرة عدم دوام أي شيء، فإن "رسم" الرمال هذا، يُعتبر جزءا بسيطًا جدًا من مراسم تُحضّر الطلاب الصغار على الانتقال الروحاني.

ويعتبر الغربيون الـ"ماندالا" شيئا سحريًا يستطيع عبر تفكيكه نشر طاقة روحانية إيجابية في العالم الواسع. ويُنظر للكثير من الطقوس الدينية في البوذية التبتية بنفس الطريقة، فاتخاذها للعاطفة والشغف والاستبصار كأشياء تميّزها، يجعل استيعابها في الثقافة الشعبية العالمية، أمرًا سهلًا.

ولا ينفي هذا وجود طقوس "تنترا" من نوع آخر، تعمل على توليد عواطف "سامة" مثل الكره والتفاخر والرغبة لتغذية المهمة الروحانية. فعلى سبيل المثال، في طريقة "الكامامودرا"، التي يزاولها البعض كتجربة روحانية، قد يستخدم الكاهن فيها الولوج الجنسي لـ"تسريع" عملية الاستبصار، ومن المفترض أن يكون الجنس جزءا متحكّما به في هذا الطقس، لكنّ طرق استخدامه وأوقاتها والمنطق من ورائه لا يزال مبهمًا للذين خارج دائرة "المعرفة" الدينية ، ورغم النقاش الذي يدور من حوله في أوساط القيادة الروحية للمعتقد، فإنه من السهل رؤية الثغرة التي قد يستخدمها بعض الكهنة في تحويل الطقس إلى نوع من الاستغلال الجنسي، ليقوموا بممارسة رغبات خاصة بهم، رغم عدم موافقة أو "معرفة" الطرف الآخر.

ويُشير التنوع في الطقوس والممارسات الكثيرة للبوذية التبتية، بخلاف المعتقد الغربي السائد، إلى أنها ديانة غير "أحادية"، وحتى الـ"دالاي لاما" الشهير لا يُمثّل جميع الناس في المعتقد، فهو قائد مدرسة واحدة من أربع مدارس في البوذية التبتية، واسمها الـ"غيلوبا".

وبصدفة تامّة أصبح الـ"دالاي لاما" الحالي الوجه الممثل للديانة كلها، ويبدو أنه وحّدها تحت إطار واحد، رغم أنه كان يعظ سابقًا بتبجيل مدرسته فقط، ومعاقبة كلّ من يتكلّم عن مدارس أخرى.

البوذية بعيون غربية

وتعود بعض أصول الاعتقاد بجمالية البوذية بشكل عام في الغرب إلى التواجد (الاستعمار) الغربي في الشرق الأقصى، في القرن التاسع عشر، حيث كتب بعض الغربيين في تلك الفترة عن البوذية بمنظورهم الغربي المسيحي، كتبا روحانية وغير دقيقة عن ممارسات الديانة.

ووصف الغربيون الذين واجهوا البوذية التبتية في أواخر القرن التاسع عشر، بأنها صيغة عكسية للـ"جمالية" التي يعرفونها عن البوذية، حتى أنهم سمحوا لأنفسهم بإسقاط اسم البوذية عنها، حيث وجدوها قريبة من الديانة اللامية، التي تتمثل بمجموعة من الكهنة التبتيين الذين رأتهم أعين الغرب على أنهم عدائيون.

البوذيون التبتيون في المنفى

وعقب احتلال الصين الشيوعية للتبيت، عام 1950، بدأ البوذيون التبتيون بالانتقال للغرب بشكل بطيء، لكن بخلاف البوذيين "العاديين" لم يأتوا بمجموعات كبيرة ولا كأفراد، بل كطواقم كاملة حافظت على مبناها الهرمي، مع الـ"دالاي لاما".

وكان هدف هؤلاء المهجّرون الأساسي، المحافظة على النوع الخاص بهم من البوذية، والامتناع عن الانخراط بأنواع البوذية التي وجدوها في البلاد التي استقبلتهم.

وسيطر الـ"دالاي لاما" الحالي الذي أتى عام 1979 إلى الولايات المتحدة على الرأي العام الغربي تجاه البوذية التبتية، حيث أنه استطاع أن يوجّه عيون الغربيين للأفكار الروحانية العميقة التي يحتوي عليها المعتقد، بطريقة لاءم فيها "التوقعات الغربية" من البوذية التبتية كديانة، حتى يتمّكن من حماية المجتمع البوذي التبتي من التفكك واعتناق مذاهب أخرى، حيث أنه صرّح بشكل مستمر على أن مقاومة شعبه ضد الاحتلال الصيني يجب أن تكون سلميّة وروحانية.

وحاول أيضًا، خلق فكرة المدينة الفاضلة التبتية، التي تستند على ديانة يلخصها الإنسان الغربي على أنها مذهب موحّد يعتمد على كهنة مسالمين ومبتسمين، يرشدونه ليتمكن من الحصول على حياة أفضل. وإيمان الغربيين بهذا، من شأنه أن يستعطفهم تجاه قضية التبت واحتلال الصين لها، وهذا ما أراده الـ"دالاي لاما".

وبهذا تسهّل الديانة البوذية التبتية للغربيين إنشاء معتقدات وممارسات مهجنة خاصة بهم.

وفي نفس السياق، يحاول غربيون منذ خمس سنوات، فهم التطهير العرقي العنيف الذي يقوم به البوذيون في ميانمار (بورما) تجاه الأقلية المسلمة من أبناء الروهينغا، دون الاكتراث للتاريخ والحضارة البوذية، لأن هذا النوع من البوذية (العنيفة) لا يتماشى مع أهواء الغرب، وبهذا يُصبح هؤلاء "العنيفين"، بوذيين غير صالحين فحسب.

الصراع داخل البوذية التبتية 

رغم التوحّد الجزئي للبوذيين التبتيين حول احترام الـ"دالاي لاما"، لكن هناك مجموعات ناشئة منهم، بدأت تشكك في نهجه تجاه شعبهم، وترى أن المقاومة السلمية ليست بالضرورة حلًّا لمواجهة الاحتلال الصيني.

وهذا قد يشكل عائقًا أمام التبتية البوذية حيث أن الحملات الإعلامية الصينية قد تستطيع بسهولة خلق اضطراب في مفهومها لدى الغربيين، والترويج للـ"ضرورة" التي أجبرت الصين على احتلالها للتبت عام 1950 لكونها استطاعت أن تحميها من البوذية "المظلمة"، لأن الغرب قد اعتاد على صورة "براءة" المعتقد.

خلاصة، إن فهم البوذية التبتية يستلزم عقودًا من الدراسة والإبحار بالمعتقد، وقد يكون هذا مستحيلًا. لكن علينا ببساطة أن نعي أن طريقتنا بعرض الديانة البوذية في ثقافة الـ"بوب" العالمية، هي انعكاس لتاريخ الغرب نفسه مع الديانة وليس بالضرورة حقيقة محضة، يحاول فيها عرض مفهومه للبوذية وليس الديانة ذاتها. 

التعليقات