14/07/2018 - 10:24

المحكمة العليا الأميركية: لليمين در

اختيار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يوم الإثنين الماضي، القاضي بريت كافانو، مرشحًا لرئاسة المحكمة العليا للولايات المتحدة، يُؤكد على أنه يسير في طريقه نحو التصعيد من فرض هيمنة المحافظين على المؤسسات الحكومية لسنوات، وربما لعقود من الزمن

المحكمة العليا الأميركية: لليمين در

جانب من الاحتجاجات ضد تعيين كافانو (أ ب)

إن اختيار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يوم الإثنين الماضي، القاضي بريت كافانو، مرشحًا لرئاسة المحكمة العليا للولايات المتحدة، يُؤكد على أنه يسير في طريقه نحو التصعيد من فرض هيمنة المحافظين على المؤسسات الحكومية لسنوات، وربما لعقود من الزمن.

وكان قد عمل كافانو (53 عامًا)، لمدة 12 عاما، قاضيا في محكمة الاستئناف الفدرالية في مقاطعة دائرة كولومبيا، وعُرفت مواقفه الأيديولوجية على أنها في أقصى اليمين. ومن المرجح أن تتم المصادقة على تعيينه، نظرًا للأغلبية التي يتمتع بها الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي. وإن تم ذلك بالفعل، فستكون المرّة الثانية التي ينصب فيها ترامب، رئيسًا (أبديًا) للمحكمة العليا خلال 18 شهرا فقط.

اشتهر كافانو في واشنطن في تسعينيات القرن الماضي، بعد أن شارك في عملية التحقيق في الفضيحة الجنسية للرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلنتون، حيث خدم تحت إمرة المستشار المستقل، كينيث ستار، وصاغ الكثير من تقارير الأخير، التي كان من شأنها أن تمهد الطريق لاستقالة كلينتون. كما شارك في معركة إعادة فرز الأصوات في فلوريدا عام 2000 كمحام في فريق المستشارين للرئيس السابق، جورج دبليو بوش، ومن ثمّ كان مسؤول كبيرًا في البيت الأبيض.

ويخشى مختصون في السياسية الأميركية من أنه في حال تمّت المصادقة النهائية على تعيين كافانو في ذلك المنصب، أن تميل المحكمة إلى اليمين أكثر مما كانت عليه سابقًا، خصوصًا في المواضيع التي تتعلق بتشريعات وقوانين الشركات وحقوق المهاجرين وضبط السلاح والصحة الإنجابية للمرأة، وقوانين أخرى تميّز ضد المجتمع الكويري (إل جي بي تي). واعتبرت صحيفة "أكسيوس" الأميركية، أنه في حال تعيين كافانو، فإنه سوف يكون ثاني أكثر رئيسًا يمينيًا للمحكمة العليا بعد القاضي كليرنس توماس.

ويكفي أن ننظر سريعًا إلى مواقف كافانو، تجاه القضايا الاجتماعية، لنستنتج أنه رجل حزبي يصطف مع الجناح اليمين المتطرف من الحزب الجمهوري بآراء تقليدية محافظة يُمكن وصفها بالتخلف الاجتماعي، مما يعني، أن تعيينه سيشكل خطرًا حقيقيًا على جميع القطاعات الاجتماعية، ابتداء بقوانين وزارة العمل، مرورا بتشريعات وكالة حماية البيئة، ووصولا إلى قوانين الإجهاض.

قوانين الشركات

أظهر كافانو انحيازه لقطاع الصناعة المصرفية، عندما أعلن عن رأيه في تشرين الأول/أكتوبر عام 2016، قائلًا إن مكتب الحماية المالية للمستهلك، هيئة "غير دستورية" نظرًا لأن مديره يتمتع بما وصفه بـ" سلطة تنفيذية هائلة"، الأمر الذي وجده "خطرًا على الحرية الفردية" (لأصحاب البنوك من أصحاب المليارات). وأُسست الهيئة عام 2010 كوكالة مراقبة للبنوك للحد من انتهاكاتها، على إثر الانهيار الاقتصادي الذي أدى إليه القطاع البنكي الأميركي عام 2008، وأُقرت كهيئة دستورية لاحقًا.

وانحاز كافانو أيضًا لصناعة اللحوم، بعد اعتراضه على المعايير الصحية لوزارة الزراعة، التي تنص على وضع ملصقات على منتجات اللحوم، تُفصل للمستهلك الخطوات التي مرّت بها عملية إنتاجها، بادعاء أنه على الحكومة تقديم الدعم للشركات الأميركية المصنعة، والقطاع الزراعي الأميركي، مقابل المنافسين الأجانب.

العدالة العرقية

يُعتبر كافانو أحد المعارضين الشرسين للتمييز الإيجابي في شروط القبول للجامعات الأميركية، التي سعت على مدار العقود الأخيرة منذ ستينيات القرن الماضي، إلى زيادة تمثيل الجنسيات والأعراق المختلفة التي تعرضت للاضطهاد في الولايات المتحدة، في أروقتها. وتحاجج القوى اليمينة المتطرفة ضد سياسة التمييز الإيجابي منذ تطبيقها في قطاعات مختلفة، بادعاء أنها مثال على "العنصرية المعاكسة"، وهو مصطلح ابتكره اليمينيون، يزعمون من خلاله أن ذوي البشرة البيضاء يتعرضون لمعاملة ظالمة بسبب اضطهاد "تاريخي" لم يكن لهم يد به. وبهذا المعنى فإنهم يدّعون أن الجامعات تعمل على التقليص من عدد المرشحين المؤهلين من البيض، وتدعم بالمقابل مرشحين "غير أكفاء" من أبناء الأعراق المختلفة.

حقوق العمال

لدى القاضي المحافظ كافانو سجل حافل في محاربة حقوق العمال، فقد عارض كل حقوقهم تقريبًا خلال مسيرته المهنية، من الحماية لحقوق المساومة الجماعية، وحتى معايير السلامة الأساسية لأماكن العمل.

وقال رئيس أكبر اتحاد للنقابات العمالية في الولايات المتحدة، ريتشارد ترومكا، إن كافانو يحكم بشكل دائم "ضد الأسر العاملة، ويرفض حقوق العمال بتلقي التأمين الصحي المقدم من المشغل"، كما إنه يقف بصف المشغل عادة بما يتعلق بحقوق العمال في عدم التمييز العرقي ضدّهم في مكان العمل.

الطبيعة

كان كافانو من أشد منتقدي وكالات حماية البيئة التي ازدهرت في عصر إدارة الرئيس السابق، بارك أوباما، وصاغ قرارًا رفض فيه محاولات وكالة حماية البيئة الأميركية للحد من التلوث البيئي الذي ينتج عن الانبعاثات الكربونية التي تُسببها المصانع على حدود الولايات، مفضلًا بذلك مصالح الشركات.

الصحة الإنجابية، منع الحمل والإجهاض

زعم كافانو أن تغطية صندوق الرعاية الصحية الأميركي "أوباماكير"، لتكاليف وسائل منع الحمل، ينتهك الحقوق الدينية. لكنه تعهّد في الماضي بتأييد القرار الذي يُشرع الإجهاض، إلّا أن الديمقراطيين يشككون بمدى التزامه به، بحسب تاريخه المهني.

مقاومة تعيين كافانو في الكونغرس

وفقًا للبيت الأبيض، فإن محاولات فريق ترامب التواصل مع أعضاء اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ قبل ترشيحهم لكافانو، يوم الإثنين الماضي، كانت موضع ترحاب باستثناء السناتور الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا، كامالا هاريس، التي قال مكتبها لمستشار البيت الأبيض، دون ماكغان: "لا نريد علاقة معكم."

وصرحت هاريس في تغريدة لها على موقع "تويتر" أن كافانو "يُمثل تهديدًا مباشرًا وأساسيًا لحقوق مئات الملايين من الأميركيين".

وقال عضو مجلس الشيوخ الأميركي، تشاك شومر، في مقابلة على قناة "إم إس إن بي سي"، يوم الثلاثاء الماضي، إنه سيعارض هذا المرشح "بكل ما يملك" من قوة.

ويعتمد الديمقراطيون على تصدير الخوف للشارع الأميركي بكون مرشح ترامب لرئاسة المحكمة العليا مناهضا للنساء ومنحازا للعرق الأبيض ومساندا للشركات العملاقة على حساب المواطنين العاديين، من أجل تحفيز الناخبين الديمقراطيين أساسا للتصويت لمرشحي الحزب الديمقراطي في انتخابات منتصف المدة التي ستجري هذا العام.

وبرغم الخوف الذي يحوم حول فكرة قيادة كافانو للمحكة العليا نحو اليمين الأقصى، إلا أن بعض المختصين يعتقدون أن تصور المحكمة على أنها كانت "معتدلة" أو "تقدمية" بطريقة أو بأخرى، هو محض وهم، وأن إمالة السلطة القضائية الأعلى في الولايات المتحدة إلى اليمين الأقصى، قد تؤدي إلى إزالة التوقعات الخاطئة عن "تقدميّة" المحكمة، وبالتالي كشف حقيقتها.

ويقول نائب رئيس نقابة المحامين الوطنية الأميركية، كين مونتينغرو "عندما يقلق الأميركيون من توجه المحكمة إلى اليمين الأقصى، يجعل الأمر يبدو كما لو أن المحكمة كان يسارية في وقت ما (...) لكنه من المحتمل أن يؤدي التفوق الأبيض الجريء (الوقح) إلى إزاحة المحكمة لليمين أكثر، مما قد يُحفز الناس لمساءلة طبيعة القضاء برمّته".

التعليقات