29/10/2018 - 18:26

الأكاديميا في الإمارات.. الكماليات على حساب الحرية

الكماليات تأتي على حساب الحرية الأكاديمية. وغالبا ما يُمنع الأكاديميون من دخول الإمارات لكونهم مدرجين تحت فئة "الخطر الأمني"، فيما يُعتقل بعضهم ممن يعملون داخل الدولة بشكل تعسفي، بسبب نشاطهم في الدفاع عن حقوق الإنسان

الأكاديميا في الإمارات.. الكماليات على حساب الحرية

من جامعة الإمارات (تويتر)

في ما يلي ترجمة بتصرّف خاصة بـ"عرب ٤٨":


كشفت قضية الـ"تجسس" التي ألصقت بطالب الدكتوراه البريطاني في جامعة درم، ماثيو هيدجز، المُعتقل لدى الإمارات، القيود الشديدة التي تفرضها السلطات المحلية في الدولة الخليجية على الحرية الأكاديمية. لكن على الرغم من المأزق الشنيع الذي وقع فيه هيدجز، إلا أن ذلك ليس أمرا مُفاجئا بالنسبة لمراقبي النظام الملكي النفطي الخليجي عمومًا.

لقد أمضيت خلال العام الجاري، أربعة أشهر، كبروفيسور زائر في جامعة الإمارات الوطنية، وأعجبتني أمور كثيرة في جامعاتها، إذ يمتلك الباحثون فرصة العمل في حرم جامعي غني بمرافق على مستوى عالمي يُثير رهبة وغيرة الأكاديميين الزائرين، كما يجعل الطلاب المتحمسون مهنة التدريس ممتعة.

لكن هذه الكماليات تأتي على حساب الحرية الأكاديمية. وغالبا ما يُمنع الأكاديميون من دخول الإمارات لكونهم مدرجين تحت فئة "الخطر الأمني"، فيما يُعتقل بعضهم ممن يعملون داخل الدولة بشكل تعسفي، بسبب نشاطهم في الدفاع عن حقوق الإنسان. وتخضع البرامج الأكاديمية والعلمية للرقابة المنهجية. وخلال الفترة التي أمضيتها في الإمارات، وُضعت قيود غير مُعلن عنها، على استخدام الإنترنت وتطبيق "سكايب" للتواصل.

وتنبع هذه القيود المفروضة على الحرية الأكاديمية من هوس السلطة بقمع أي نشاط تعتبره تهديدا لأمنها أو سلطتها، فالنظام متوتر من الفوضى التي أطلقتها احتجاجات الربيع العربي، وسيفعل كل ما بوسعه من أجل ردع موجة كهذه من الوصول إلى شواطئه.

إن مجرد الإشارة لمعارضة موجهة ضد النخب الإماراتية، أو المطالبة في توسيع نطاق الحريات، يحفز السلطات الإمارتية على إطلاق حملة أمنية صارمة. وتُعتبر الفضاءات التي تدعم الديمقراطية على شبكة الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، "شُبهة خطيرة". وفي العام 2012، سُن قانون "الجرائم الإلكترونية"، لسجن صاحب أي خطاب قد تعتبره السلطات يشكل خطرًا على النظام.

الحقد على قطر

إن أكثر ما يُغيظ الإمارات، في الوقت الحالي، جارتها قطر، فتتهمها بدعم "الإرهابيين" لزعزعة استقرار المنطقة. وتصاعدت هذه الادعاءات اليوم، لدرجة إحداث أزمة دبلوماسية تتضمن عقوبات وفرض حصار واسع النطاق على قطر، والذي شمل قطع علاقات السعودية والإمارات والبحرين ومصر والحكومة المُعترف بها دوليا في اليمن، مع قطر.

لكن ما يُحرك الضغينة التي تحملها الإمارات ضد قطر بشكل أساسي، هي شبكة الإعلام المملوكة للأخيرة، "الجزيرة"، فالقناة تُمثل شوكة في حلق الممالك الخليجية، عبر نشر التقارير التي تعتبرها تلك الحكومات الملكية مُحرجة. وفي سعي الإمارات لـ"القضاء" على خصمتها، تستعين سلطتها القضائية بالحلفاء.

وبحث المحقق الخاص الأميركي، روبرت مولر، الذي يُحقق بفساد الحملة الانتخابية الخاصة بالرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، بما في ذلك التدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية الأخيرة (نوفمبر 2016)، في معلومات تُفيد بأن هناك احتمالا قائما بأن الإمارات تدخلت في حملة دونالد ترامب الانتخابية، عبر ضخ الأموال الطائلة من أجل اكتساب قوة سياسية مؤثرة.

وحصلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، في آذار/ مارس الماضي، على رسائل بريد إلكتروني، أشارت إلى أن الإمارات حاولت عن طريق مجموعات الضغط في الولايات المتحدة، دعم إقالة وزير الخارجية السابق، ريكس تليرسون (أُقيل في 31 آذار/ مارس الماضي)، بسبب عدم مناصرتها في حملتها العدائية ضد قطر.

وهذا يُعيدنا إلى قضية هيدجز. أعلن المدعي العام الإماراتي في وقت سابق من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، اتهام طالب الدكتوراه بـ"التجسس لصالح دولة أجنبية"، و"تهديد الجيش والاقتصاد والاستقرار السياسي في الإمارات".

ومن الواضح أن بحث هيدجز، الذي حقق من خلاله في تأثير الربيع العربي على الإستراتيجية الأمنية الإماراتية، قد ضرب على العصب الحساس. فاعتقاله كان بمثابة رسالة قوية من السلطات مفادها بأن النظام لن يتردد في تقليص هامش الحرية الأكاديمية (في حال أراد ذلك).

القيود المفروضة على الحرية الأكاديمية

كأكاديمي يعمل في مجال العلوم الاجتماعية، ربما استُقبلت في جامعات الإمارات، لكي أنظر إليها كمعاقل لحرية التعبير والتفكير النقدي، وبعد أن قضيت عدّة أشهر في الجامعة الوطنية الإماراتية، استطعت أن ألاحظ بسرعة، أن التدريس فيها يخدم وظيفة مختلفة، فبدلا من تشجيع التفكير النقدي، يستند التعليم في الإمارات إلى المنطق التكنوقراطي. ويُفترض بالتعليم هناك أن يُساهم في حل المشاكل الاجتماعية المُعقدة والحفاظ على الوضع القائم.

على سبيل المثال، تُشكل الطالبات نحو 90 في المائة من طلاب الجامعة الوطنية، ومع ذلك، هناك فصل في الحرم الجامعي بين الإناث والذكور. وعبر دراستهن في الجامعة، يُفترض أن تحصل النساء، على الأدوات العملية التي تُساعدهن في الاندماج بالقوى العاملة دون خسارة دورهن التقليدي (الجندري) كأمهات وزوجات.

لكن النظام ربما يخوض بذلك معركة خاسرة، فمعدلات الإقبال على الزواج في انخفاض مستمر، وتحظى الإمارات بأعلى نسب طلاق في المنطقة، فيما تُطالب النساء باستقلالية أكبر. وخلال تدريسي في الجامعة، وجدت أن الطالبات مُجتهدات وطموحات بشكل مُذهل ويعملن بجد، ويدفعهن إلى ذلك، ازدياد فرص العمل. أي أن قضية حرية التعبير قد يطرحها الطلاب في المستقبل.

"الافتتان" بالإمارات

تحولت الإمارات إلى وجهة جذابة للجامعات البريطانية المرتبطة بالمال، انطلاقا من حرص الطلاب الأغنياء على اكتساب مؤهلات ومهارات من المؤسسات التعليمية العالمية. ففي أيلول/ سبتمبر الماضي، على سبيل المثال، افتتحت جامعة بيرمنغهام، فرعا إضافيا لها في دبي. لكن هذه المؤسسات تواجه تقييدات لا مناص منها بما يتعلق بالحرية الأكاديمية. وبالنسبة لفرع جامعة نيويورك في أبو ظبي، فقد واجه عدة قضايا (أمنية) كبيرة، منذ افتتاحه في العام 2008.

لقد استمتعت جدا في الأشهر التي قضيتها في الإمارات، ولا يُمكنني القول إنني واجهت أي تجربة سيئة بشكل شخصي، لكنني استوعبت القيود على الحرية الأكاديمية بسرعة. وأحب أن أعود إليها، لكنني أخشى أنه بمجرد كتابتي لهذه السطور، قد تُدرجني السلطات الإماراتية في قوائم المخالفين للقانون.

منعت السلطات دخول الكثير من الأكاديميين المقيمين في بريطانيا إلى أراضيها، بسبب كتاباتهم النقدية للدولة الخليجية. وكما يتضح من قضية هيدجز، فإن إجراء أبحاث عن مواضيع "حساسة" في الإمارات، تؤدي بالتأكيد لعواقب وخيمة ومخيفة.

 

التعليقات