03/11/2018 - 11:20

قافلة المهاجرين هذه لم تنشأ من العدم

يحق للمهاجرين أن تُسمع أصواتهم العادلة، وأن يُمنحوا فرصة الحماية في الولايات المتحدة، وأن يحصلوا على حل ملائم وعادل لمشاكلهم، وعلينا، نحن، أن نوقف العنف الذي تُصدره الدولة.

قافلة المهاجرين هذه لم تنشأ من العدم

من القافلة (أ ب)

في ما يلي ترجمة لمقال بعنوان "كيف ظهرت قافلة المهاجرين؟". ترجمة بتصرف، خاصة بـ"عرب 48":


في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حاول آلاف المُهاجرين من أميركا الوسطى عبور الجسر الذي يصل بين غواتيمالا والمكسيك، بحثا عن الأمان في الشمال الأميركيّ.

وبثّت وسائل الإعلام فيديوهات حيّة لعويلهم المؤلم وصراخ الأطفال، بينما كانوا يتدافعون من أجل العبور، وشاهدنا تعابير اليأس على وجوه الأمهات، عندما حاولت السلطات المكسيكية دفع القافلة إلى خلف باستخدام الهراوات والغاز المسيل للدموع.

وسمحت المكسيك للقافلة بالعبور في اليوم التالي، وهي مؤلفة من أكثر من 7 آلاف شخص، أتى غالبيتهم من هندوراس وغواتيمالا، وتتجه إلى الولايات المتحدة.

وعندما علم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بأمر القافلة، قال إنها تحتوي على "مجرمين خطيرين"، وضغط على الحكومة المكسيكية لإيقاف ما وصفه بـ"الاجتياح"، مهدّدًا بإيقاف الدعم الإنساني الذي تُقدمه الولايات المتحدة لدولٍ في أميركا الوسطى إن عبرت القافلة. وأعلن ترامب، أيضًا، إرسال أكثر من 5000 جندي لحدود مع المكسيك (بهدف ردع القافلة).

ومع تزايد الاهتمام العالمي حول هذه القافلة، تساءل الناس "لماذا يأتي هؤلاء للولايات المتحدة؟"

"الضرورة حتّمت علينا الرحيل"، هذا ما قاله شاب في العشرين من عمره لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، عندما سئل عن سبب مغادرة المهاجرين لبلادهم.

بوصفي أستاذًا في العلوم الاجتماعية، وأبًا عبرت عائلته في الماضي الحدود المكسيكية بحثا عن حياة أفضل في الولايات المتحدة، فإن القضية تنسحب عليّ، أيضًا.

إن المحرك الرئيسي لهذه القافلة هو الفقر والعنف، فتكاثر العصابات وتجارة المخدرات والفساد والإفلات من العقاب، هي ظواهر تستوطن هندوراس وغواتيمالا.

وتندرج هندوراس في قائمة أكثر دول العالم التي لا تدور فيها حروب عنفًا، ويُضاف إلى ذلك، الجفاف والفياضات التي تسببت بعواقب وخيمة للاقتصاد الزراعي فيها. ويُسافر هؤلاء المهاجرون ضمن القافلة بهدف حماية أنفسهم، وتجنب الحاجة لدفع الأموال الطائلة لمرهبي البشر، وتقليل خطر تعرضهم للجريمة.

تاريخ دموي من التدخل الأميركي

لكنّ جذور مأزق هؤلاء المهاجرين ترتبط بقضايا أكبر من مجرد الجريمة والعنف، وبالسياسة الغربيّة التي لعبت في المنطقة على مدار عقود من الزمن. ولن تنجح التهديدات أو الغضب، بإخفاء القافلة، كما ذكرت مجموعة بحثية باسم "مكتب واشنطن المختص بأميركا اللاتينية"، في تقرير لها مؤخرا، كما لن تستطيع هذه الحكومات منع مواطنيها من مغادرة بلادهم.

وتُقدم غواتيمالا خيرَ نموذجٍ لما تسبب به التدخل الأميركي من انعدام استقرار سياسي وعدم عدالة اقتصادية في دول أميركا الوسطى، فالدولة التي يسكنها اليوم نحو 17 مليون شخص، تعود أصول معظمهم للسكان الأصلانيين في المنطقة، كان مواطنوها قد انتخبوا في العام 1951، رئيسهم الثاني المنتخب ديمقراطيا، جاكوبو آربنز، والذي انتهج بدوره، سياسة شعبوية تضمنت إعادة توزيع الأراضي وتوسيع نطاق الخدمات التعليمية للمواطنين الأكثر حاجة في غواتيمالا.

لكن هذه السياسات أغضبت الشركات المملوكة للولايات المتحدة كـ"شركة الفاكهة المتحدة"، وفي عام 1954، نظمت وكالة المخابرات الأميركية "سي آي إيه"، انقلابا عسكريا، تبعه تنصيب سلسلة من الدكتاتوريين العسكريين مارسوا أشرس أنواع القمع لمعارضي الحكومة.

وتضمن هذا القمع، إلقاء قنابل النابالم الحارقة على قرى للسكان الأصلانيين، بدعوى أنها "تتستر" على مقاومين. بالإضافة إلى أمر الجنود بـ"إخفاء" كل من يُشتبه بأنه يُعارض الحكومة.

وقُتل في هذه الحملات القمعية نحو 200 ألف إنسان، غالبيتهم من السكان الأصلانيين، ويتردد صدى هذه القضايا اليوم، من خلال تآمر الطبقة السياسية مع العصابات الإجرامية وحمايتها لهم.

ولهندوراس حصّتها من التدخل الأميركي الطويل، أيضًا، على المستويين الاقتصادي والعسكري. ويعود الوجود الأميركي فيها إلى نهايات القرن التاسع عشر، عندما بدأ نشاط شركات الموز الأميركية، وما تلاه من تدخلٍ للجيش الأميركي بين عاميّ 1907 و1911، لحماية المصالح الأميركية، والعمل على تقوية اعتماد الطبقة السياسية في هندوراس على واشنطن.

وتمر هندوراس باضطرابات سياسية منذ العام 2009، عندما انقلب العسكر على الرئيس الشعبوي، مانويل زلايا. وهو الانقلاب الذي قامت الولايات المتحدة على إثره بإيقاف مساعداتها لفترة وجيزة. وبصورةٍ مماثلة، تنازعت القوى السياسية على نتائج الانتخابات التي جرت في العام الحالي، لتدخل البلادُ في دوامة الأزمة السياسية مجددا. وقُتل ما لا يقل عن 30 شخصا، معظمهم كانوا معارضين للرئيس المدعوم أميركيًا، جوان أورلاندو، المتّهم بتزوير الأصوات.

يحق للمهاجرين الحصول على فرصة عادلة

لم تُخلق قافلة المهاجرين اليائسين والجياع الذي أتوا من أميركا الوسطى من العدم، بل هي نتاج تدخلات الحكومات المتطفلة وعدم مبالاة الجيران.

وفيما قدم نحو 1600 مهاجر طلبات رسمية للحصول على لجوء في المكسيك، يواصل بقيّة أفراد القافلة مسيرتهم للشمال، ولا تحاول السلطات المكسيكية إيقافهم.

وأعلن الرئيس المكسيكي، إنريكه بينيا نييتو، في فيديو نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، عن خطّة حكومية جديدة تحت شعار "أنتم في المنزل"، والتي بموجبها تُقدم الحكومة المأوى والعناية الصحية والتعليم والوظائف للمهاجرين، بشرط أن يقدموا طلبات للجوء في المؤسسات الرسمية، والبقاء في المدن الجنوبية في ولاياتي أوكساكا وتشيباس.

مع ذلك، فليس من الغريب أن مهاجري أميركا الوسطى، لا يثقون بالحصول على فرص عادلة في نظام اللجوء المكسيكي، فالدولة معروفة بمعدلات الجريمة العالية وبتاريخها التمييزي ضد المهاجرين. وقبل أيام معدودةٍ فقط، نُشرت صورة على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر مجموعة من العنصريين حليقي الرؤوس يقودون حملة عنصرية ضد قافلة المهاجرين، في مكسيكو سيتي.

علينا أن نُعالج الأسباب الرئيسية التي دفعت لإنشاء قافلة مثل هذه، ويجب أن نمنع الحكومات القوية من التطفل على شؤون الدول الأخرى، ومعاقبة الدول التي تفعل ذلك عن طريق فرض العقوبات.

يحق للمهاجرين أن تُسمع أصواتهم العادلة، وأن يُمنحوا فرصة الحماية في الولايات المتحدة، وأن يحصلوا على حل ملائم وعادل لمشاكلهم، وعلينا، نحن، أن نوقف العنف الذي تُصدره الدولة.

التعليقات