12/07/2019 - 23:24

ماذا تريد اليابان من الشرق الأوسط؟

فشلت وساطة طوكيو في الملف النووي الإيراني. لكنّ السؤال لماذا دخلت اليابان هذه الوساطة أصلا؟ وهل يعني ذلك أنها ستتراجع عن دورها المحتمل في الشرق الأوسط؟

ماذا تريد اليابان من الشرق الأوسط؟

آبي وروحاني (أ ب)

في ما يلي ترجمة خاصّة بـ"عرب ٤٨"، بتصرُّف:


طغت مواضيع كثيرة على قمة "مجموعة العشرين" التي عُقدت مؤخرًا في أوساكا اليابانية، والتي تطرّق فيها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى عدّة قضايا، قلّل فيها من شأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، كما أعلن، دون سابق إنذار، رغبته بلقاء زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، في المنطقة منزوعة السلاح بين الجنوب والشمال، دون أي تقدّم في نقاش حلول المأزق الأميركي الإيراني.

وسلّطت هذه التطورات الضوء على دور اليابان، البلد المضيف لقمة هذا العام، ومحاولتها تعزيز وجودها في الشرق الأوسط.

الحاجة إلى الطاقة

زار رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، إيران، قبل أسبوعين فقط من قمة مجموعة العشرين، ليكون بذلك أول رئيس وزراء ياباني يقوم بخطوة مماثلة منذ عام 1979، ليفشل بالتوسط بين واشنطن وطهران، وفي نيسان/ أبريل الماضي، زار وزير الخارجية الياباني، تارو كونو، السعودية، ثم استضاف وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في الشهر الذي تلاه.

إن حاجة اليابان إلى الطاقة هي المحرك الرئيسي لتدخلها المتصاعد في الشرق الأوسط، فقد ازداد اعتماد اليابان على الطاقة بعد قرار وقف برنامج الطاقة النووية المحلي في أعقاب كارثة فوكوشيما النووية عام 2011، وهي أسوأ حادث نووي في العالم منذ كارثة تشيرنوبيل عام 1986. ومنذ ذلك الحين، استحوذ الشرق الأوسط على حوالي 90 في المائة من واردات اليابان من النفط، معظمها قادمة من السعودية والإمارات.

آبي وترامب (أ ب)
آبي وترامب (أ ب)

لكن النفط الإيراني أرخص سعرًا، وبالتالي فهو ذو أهمية كبيرة للمشترين اليابانيين، وكانت الصفقة النووية الإيرانية عام 2015، بمثابة فرصة لليابان للحصول على النفط الإيراني، والفرص التجارية في سوق ناشئة (إيران) وعدت بإتاحة الفرصة للشركات اليابانية للفوز بمناقصات لمشاريع تطوير البنية التحتية.

لذا، فإنه لا عجب في أن قرار ترامب الانسحاب من الصفقة النووية وإعادة فرض العقوبات شكل مصدر قلق لليابان، وهذا ليس هو الجانب الوحيد من سياسة ترامب الخارجية الذي يقلق طوكيو.

مبادرات دبلوماسية

تعد علاقة اليابان بالولايات المتحدة حجر الزاوية في أمنها. ومع ذلك، فإن سياسات الرئيس الأميركي الجمهوري، التي لا يمكن التنبؤ بها في كثير من الأحيان، قد أغضبت طوكيو. فانفتاح ترامب الدبلوماسي تجاه كوريا الشمالية، وعلاقته المباشرة بكيم، التي أتاحت عقد قمة تاريخية في حزيران/ يونيو 2018، بين الزعيمين، أغضب اليابان.

كما غضبت طوكيو، أيضًا، من تصريحات ترامب التي أشارت إلى أن "الوقت قد حان" لكي تدافع اليابان وكوريا الجنوبية عن نفسيهما، مقترحا وقف التدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. وذلك حصل في الوقت الذي تراقب فيه طوكيو الصين بقلق متزايد، فغالبية واردات النفط والغاز في اليابان تصل عبر بحر الصين الجنوبي، حيث تضاعف بحرية بكين هيمنتها، كما أن الأخيرة تستثمر بشكل متزايد في الشرق الأوسط.

وفي سبيل مواجهة النفوذ الصيني، تسعى اليابان إلى الاستفادة من قوتها الناعمة، فعلى عكس الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، ليس لدى اليابان إرث استعماري أو السيطرة كقوّة عظمى على المنطقة.

ووفقا لعدّة أبحاث أكاديمية، فقد أُعجب القوميون والإسلاميون على حد سواء، خلال القرن الماضي، في دول مثل إيران وتركيا، بقدرة اليابان على التحديث مع الحفاظ على الثقافة التقليدية. وفي الوقت نفسه، كانت اليابان حريصة على الحفاظ على علاقات ودية مع العالم الإسلامي.

المساعدات الإنسانية

رفضت اليابان أن تحذو حذو الولايات المتحدة بعدما اعترف ترامب بالقدس (المحتلة) عاصمة لإسرائيل عام 2017، وأرسلت وزير خارجيتها إلى المنطقة. كما صرّح كونو بأن اليابان يجب أن تستقبل المزيد من اللاجئين السوريين، وقد تبرعت اليابان بأكثر من 100 مليون دولار كمساعدات إنسانية لسورية و320 مليون دولار للشرق الأوسط عمومًا.

كما دعمت اليابان الحرب على "داعش"، التي قتلت الصحافي الياباني، كينجي جوتو، واحتجزت العديد من الرعايا اليابانيين الآخرين.

لكن كل مساعيها في الشرق الأوسط، لا تزال مجهرية نسبةً لما تفعله الصين. ومع أنه من المؤكد أن اليابان تمتلك رأس مال ثقافيا وقدرا كبيرا من النوايا الحسنة، إلّا الصين قوة عالمية لها جيش كبير دائم، ولا يمنعها حظر دستوري من نشر قواتها العسكرية (على عكس اليابان)، وتمتلك ترسانة نووية، وتحظى بمقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

ولدى الصين، أيضًا، رأس مال أكبر تحت تصرفها. وتسعى بكين إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط من خلال القروض وحزم المساعدات، في شكل مبادرة طريق الحرير الجديد.

في العام 2018 فقط، تعهدت بكين بتقديم 23 مليار دولار كمساعدات وقروض، و28 مليار دولار إضافية في مشاريع البنية التحتية والبناء الموقعة. كما أقامت بكين قاعدة عسكرية في جيبوتي بجانب خليج عدن.

صورة تقلق اليابانيين (أ ب)
صورة تقلق اليابانيين (أ ب)

مساعٍ جديرة بالاهتمام

أظهرت التطورات في الأشهر الأخيرة حدود النفوذ الياباني في الشرق الأوسط وقدرته على التوسط في الصراعات، ففي حزيران/ يونيو الماضي، تم استهداف ناقلتين قبالة سواحل عُمان، تملك اليابان إحداهما، ونشرت الولايات المتحدة مؤخرا حاملة طائرات في المنطقة، ما دفع بمحاولة آبي للتوسط، والتي رُفضت من قبل الزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي، وترامب.

 قد يكون من الحكمة أن تستوعب طوكيو حدود نفوذها في المنطقة، فلا تزال لا تملك القدرة حاليا على لعب دور قيادي أو التوسط في الصراعات، ناهيك عن مواجهة نفوذ الصين.

لكن هذا لا يعني أن طوكيو يجب أن تتخلى عن دورها في الشرق الأوسط. فالمنطقة سترحب بالخبرة اليابانية والتجارة والاستثمار، وهذا سيؤدي بدون أدنى شك، إلى المزيد من حسن النية، وزيادة التجارة والفوز في المناقصات. وبالتأكيد، هذه وحدها هي مساعي جديرة بالاهتمام.

التعليقات