20/12/2019 - 23:08

الانقلاب على موراليس.. مصلحة إسرائيلية

بعد فترة وجيزة من الإطاحة بالرئيس البوليفي اليساري، إيفو موراليس، بانقلاب عسكري مدعوم أميركيا، والذي جاء متنكرا على هيئة رد فعل "نبيل" على تزوير انتخابي مزعوم، أعلنت الحكومة "المؤقتة" البوليفية اليمينية المعينة ذاتيا، عن تجديد العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.

الانقلاب على موراليس.. مصلحة إسرائيلية

مظاهرة لداعمي موراليس (أ ف ب)

في ما يلي ترجمة بتصرّف، خاصّة بـ"عرب 48"، لمقال الكاتبة بيلين فرنانديز: مؤلفة كتاب "المنفى: رفض أميركا وإيجاد العالم والرسول الإمبريالي، توماس فريدمان في العمل"؛ وهي محررة مساهمة في مجلة Jacobin.


بعد فترة وجيزة من الإطاحة بالرئيس البوليفي اليساري، إيفو موراليس، بانقلاب عسكري مدعوم أميركيا، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، والذي جاء متنكرا على هيئة رد فعل "نبيل" على تزوير انتخابي مزعوم، أعلنت الحكومة "المؤقتة" البوليفية اليمينية المعينة ذاتيا، عن تجديد العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.

وكانت العلاقات مع إسرائيل قد قُطعت من قبل موراليس خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي بدأ في كانون الأول/ ديسمبر عام 2008 واستمر حتى الـ18 من كانون الأول/ يناير 2009، والذي أسفر عن استشهاد نحو 1400 فلسطيني، ومن ضمنهم نحو 300 طفل.

وخلال مجزرة دموية لاحقة، نفذتها إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة، عام 2014، تحت عنوان "عملية الجرف الصامد"، والتي استُشهد فيها 2251 فلسطينيًا (من بينهم 299 امرأة و551 طفلاً)، أدان موراليس إسرائيل ووصفها بأنها "دولة إرهابية"، وهو تقييم دقيق تماما، بالنظر إلى الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل خلال هذا العدوان، إضافة إلى سجل إسرائيل الحافل بمثل هذه الجرائم.

إعادة العلاقات الرسمية

لذلك، فليس من المفاجئ أن تهرول إسرائيل للتقرب مع حكومة بوليفيا "المطهرة" حديثًا بعد انقلاب تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث أفاد الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" (واينت) بأن "استئناف العلاقات بين بوليفيا وإسرائيل أصبح ممكنًا بحلول نهاية عهد الرئيس السابق والعدائي، أبو موراليس" (وليس من الواضح ما إذا كان استبدال إيفو بـ"أبو"، بمثابة خطأ غريب أو محاولة متعمدة من قبل صحافي خبيث في "واينت" لتعريب اسم الزعيم الذي وصفه بـ"العدائي").

وتحققت فرص الترابط الإضافية بسرعة، حيث بدأت بوليفيا بطلب المساعدة من إسرائيل في تدريب وحدات الشرطة على عمليات مكافحة "الإرهاب". وفي السادس من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، قال وزير الداخلية البوليفي المؤقت، أرتورو موريللو، لوكالة "رويترز" للأنباء: "لقد دعوناهم لمساعدتنا. لقد اعتادوا على التعامل مع الإرهابيين. إنهم يعرفون كيفية التعامل معهم. الشيء الوحيد الذي نريده هو إحلال السلام".

أما عن هؤلاء "الإرهابيين" الذين يُفترض (بحسب الحكومة المؤقتة) أنهم "يعيثون فسادًا" في بوليفيا، وفقًا لتقرير "رويترز"، فهم "يساريون متطرفون على صلة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، ومهربي المخدرات الذين تقول الحكومة (البوليفية المؤقتة) إنهم حرضوا على الاضطرابات الفتاكة في البلاد". أي أنه عبارة عن الهراء المعتاد الصادر عن وسائل إعلام نصف الكرة الغربي، حول وجود "غول" يتوجب محاربته، والذي يُستخدم لتبرير أي مشروع يميني مُتطرف بحاجة ماسة للشرعية، دون الاكتراث إلى حقيقة أن مرتكبي المذابح في بوليفيا، هم الجيش والشرطة، أي أولئك المنحازين لليمين.

تسويق القمع

أما بالنسبة لما وصفه الوزير البوليفي، بتجربة إسرائيل في "التعامل مع الإرهابيين"، المزعومة، فمن سيؤدي مهمة التدريب على مكافحة "الإرهاب"، أفضل من دولة إرهابية؟ من المؤكد أن سبعة عقود من التطهير العرقي للفلسطينيين، من قبل الاحتلال الإسرائيلي، والقضاء على أي فرصة للسلام، في كل منعطف، تجعلها مرشحًا قويًا للمساعدة في "إحلال السلام" في بوليفيا.

لكن التجربة الإسرائيلية الواسعة في القمع الوحشي، والقاتل بشكل متكرر، هي بالتحديد التي تجعل تكتيكاتها قابلة للتسويق إلى حد كبير بين الأنظمة اليمينية في جميع أنحاء العالم. ففي أميركا اللاتينية على وجه الخصوص، كانت إسرائيل متواطئة في كل شيء من تسليح وتدريب فرق الموت في غواتيمالا والسلفادور، وصولا إلى دعم وتأجيج السلوك الإجرامي القاتل للدكتاتور التشيلي السابق الشهير أوغستو بينوشيه، وصولا إلى دعم السلوك الوحشي للنظام التشيلي الحالي.

ويتساءل المرء، هل من قبيل الصدفة البحتة، أن قوات الأمن الإسرائيلية والتشيلية قد أبدت مؤخراً ميلاً نحو استهداف عيون المتظاهرين؟

وفي هذه الأثناء، يبدو أن القوى اليمينية في بوليفيا تتجه أكثر فأكثر إلى التماهي مع إسرائيل، حول الضرورة المُلحة لقمع حقوق السكان الأصلانيين ومحو الهوية الأصلانية للبلاد. وبينما تواصل إسرائيل جهودها للقضاء على مفهوم الفلسطيني، العملية التي غالبا ما تتضمن القضاء على الفلسطينيين جسديًا أيضا، يسيل اليمين البوليفي لعابه حاليا، على أمل تحويل مسار تمكين السكان الأصلانيين الذي بدأ في عهد موراليس، أول رئيس أصلاني للبلاد (التي يُشكل الأصلانيون فيها أكثر من 70 في المئة من السكان).

وبحلول أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قُتل حوالي 33 معارضًا للانقلاب، غالبيتهم العظمى من السكان الأصلانيين وأُصيب مئات آخرين في مواجهات مع قوات الأمن البوليفية، كما أكدت الصحافية جاكلين كوفاريك، المقيمة في بوليفيا في مقابلة مع "ريل نيوز نتوورك".

تحالف يميزه نهج الإبادة الجماعية

وفي هذا السياق، قالت الصحافية كوفاريك، إنه بعد الانقلاب على موراليس، بدأ الناس "وخصوصا الجنود، بحرق أعلام ‘ويبهالا‘، أي هذه الأعلام الملونة بألوان قوس القزح، والتي تمثل جميع السكان الأصلانيين وأفريقيي الأًصل في بوليفيا، بل العلم الذي يمثل شعوب البويبلون الأصلانيين ليس فقط في بوليفيا، ولكن في كافة أرجاء جبال الأنديز أيضا".

لكن الاضطرابات كلها، هي خطأ أولئك الإرهابيين اليساريين المتطرفين المدعومين من تجار المخدرات اليساريين، بحسب الرواية الحكومية والغربية الداعمة لها.

وكما كان متوقعا، قوبل إعلان الحكومة المؤقتة البوليفية بتجديد وشيك للعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بثناء كبير من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في حين أشاد موقع الأخبار اليميني سيئ الصيت "بريتبارت" باستغلال الرئيسة المؤقتة البوليفية، جانين أنيز، منصبها لـ"إعادة صياغو السياسات البوليفية في أعقاب ما يقرب من عقد ونصف من الحكم الاشتراكي؛ وكانت إعادة إقامة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل عنصرًا قريبًا من أولى الإصلاحات التي سعت إليها".

فرغم كل شيء، ما الذي يمكن أن يكون أكثر فائدة للمواطن البوليفي العادي الذي يكافح من أجل العيش، والبقاء، من تحالف دبلوماسي بين حكومة بلاده وكيان أُسس على الإبادة الجماعية، في الجانب الآخر من الكوكب؟

ومن جانبه، أشاد وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بالتقارب مع النظام الانقلابي الحديث في بوليفيا، واعتبر أن إعادة العلاقات الرسمية بين الجانبين "تسهم في العلاقات الخارجية لإسرائيل وفي وضعها الدولي ومكانتها في العالم".

وبينما يسعى الجناح اليميني إلى إعادة احتلال بوليفيا، مفككا التضامن مع فلسطين وساعيا لتبييض الوحشية الإسرائيلية لإنجاح مسعاه هذا، ليس هناك شك في أن الانقلاب على موراليس كان بمثابة انقلاب لصالح إسرائيل أيضًا.

التعليقات