14/02/2020 - 21:52

ساندرز سيدمر يسار الوسط الأميركي؟

يبدو أن الحزب الديمقراطي الأميركي، قد يخضع قريبا لهيمنة رجل يساري لم يسجل عضويته الرسمية فيه قط. وإذا كان هناك أي عزاء للديمقراطيين في ذلك، فهو أن هذا النموذج ذاته من التفكك الموجع الذي ألمّ بيسار الوسط.

ساندرز سيدمر يسار الوسط الأميركي؟

بيرني ساندرز (أ ب)

في ما يلي ترجمة بتصرف، خاصة بـ"عرب 48"، لمقال الكاتب ريك لوري، وهو رئيس تحرير مجلة "ناشيونال ريفيو"، ومحرر مساهم في مجلة "بوليتيكو"؛ وتجدر الإشارة إلى أن الكاتب يرأس تحرير صحيفة يمينية، لكن طرح تحليله يهدف إلى إظهار رؤية اليمين لصعود ساندرز بهدف الإضاءة على جوانب أخرى لتحليل هذا الصعود.


يبدو أن الحزب الديمقراطي الأميركي، قد يخضع قريبا لهيمنة رجل يساري لم يسجل عضويته الرسمية فيه قط. وإذا كان هناك أي عزاء للديمقراطيين في ذلك، فهو أن هذا النموذج ذاته من التفكك الموجع الذي ألمّ بيسار الوسط في جميع أنحاء العالم الغربي.

إن أحد الأسباب الّتي تجعل فوز بيرني ساندرز، بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، محتملا جدا، هو أنه لن يكون حدثا غريبا خارجا عن تجارب الديمقراطيات المتقدمة الأخرى، بل أنه سيتفق تماما مع المصاعب التي واجهتها أحزاب يسار الوسط التقليدية، من فرنسا وحتى السويد.

وعند النظر إلى ظاهرة ساندرز من منظور أوسع، فإنه لا يقدم ثورة بقدر ما يمثل مؤشرًا لتراجع الحزب. وبالطبع، فإن حزب العمال البريطاني قد مرّ بهذه السيرورة أيضا.

وفي أنحاء مختلفة من المشهد السياسي الأوروبي، سواء في ألمانيا، أو فرنسا، أو هولندا، أو الجمهورية التشيكية، أو إيطاليا، أو الدول الإسكندنافية، أخفقت أحزاب يسار الوسط في الأعوام القليلة الماضية، وغالبا ما مزقتها التيارات المتضادة حول مسألة الهجرة، والتوترات بين سكان المدن الأكثر ميلا إلى تبني قيم التقدمية الاجتماعية، وبين الناخبين التقليديين من الطبقة العاملة.

وأشار الباحث في العلوم السياسية، ياشا مونك، في مقال نشره العام الماضي في مجلة "ديموكراسي"، إلى الجذور الصناعية والنقابية للأحزاب الاجتماعية الديمقراطية الأوروبية وكيف أن السبب وراء تراجعها "بسيط للغاية، وهو تناقص عدد الناس المنخرطين في الأوساط التي خلقت هذه الحركات في المقام الأول".

ومع حلول القضايا الثقافية محل القضايا الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين، وتسلل الشعور القديم بالتضامن الاقتصادي، واجهت أحزاب يسار الوسط القديمة صعوبة في إرضاء جميع مؤيديها، أو حتى معظمهم.

وتابع مونك في مقاله: "مع تراجع الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية بسبب ثقل التغييرات الهيكلية، جادلت زمرة جديدة من السياسيين اليساريين بأن مشاكلهم ترجع إلى تبني مجموعة من السياسات المعتدلة (أو "النيوليبرالية"). وادعوا أن ما كان مطلوبا حقا لاستعادة المكانة السابقة لهذه الأحزاب هو العودة إلى شعارات وسياسات فترة سابقة من السياسة اليسارية؛ أي التركيز الواضح على المصالح الاقتصادية للطبقة العاملة، بالإضافة إلى التعهد بإحداث بثورة اجتماعية".

أليس ذلك الوصف مألوفًا؟ إن الشبيه الأقرب لساندرز هو "قريبه" الأيديولوجي الذي يشاركه التقادم في السن، والفظاظة، والرّثة، في بريطانيا، جيريمي كوربين الذي استأصل النيوليبرالية من حزبه (قبل أن يقضي أيضا على آماله الانتخابية).

لقد اقتحم كوربين أبواب حزب العمال باعتباره شخص خارجي. واستفاد من قوة حركة يسارية شعبية وفاز بقيادة حزب العمال في عام 2015 بفضل القادمين الجدد الذين تمكنوا، ولأول مرة، التصويت في الانتخابات الداخلية بفضل تغييرات انفتاحية في قوانين الحزب. واستطاع بعد أن أصبح أيقونة للناخبين الشباب بشكل غير متوقع، اجتذاب حشود هائلة، وصنع صدقه الحقيقي، بشكل لا مفر منه، جاذبية مميزة له، لمؤيديه.

وشأنه شأن ساندرز، يحظى كوربين بتاريخ من التعاطف مع اليساريين البلطجيين، ويشاركه العدائية للقوى الغربية، ومجموعة متنوعة من الحلفاء غريبي الأطوار، وبرنامج محلي خيالي تماما.

وبعد خسارته جولتين انتخابيتين، آخرهما، خسارة تاريخية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عاد كوربين إلى مزبلة التاريخ، في حين أن "شقيقه" ساندرز ربما يتعقب صعوده على نطاق أوسع.

ويُعد الناخبون الشباب، أحد القواسم المشتركة الرئيسية لظاهرة ساندرز مع التجربة الأوروبية، والذين يشعرون في أعقاب الأزمة المالية، بخيبة أمل من مؤسسات الرأسمالية الغربية، وبالقلق من عدم القدرة على شراء المنازل وسداد ديون التعليم العالي، ويفتقرون إلى أي خبرة أو تعلق بأوساط الأحزاب القديمة، وينجذبون بسرعة إلى أفكار راديكالية وبسيطة للغاية (على سبيل المثال، الرعاية الصحية المجانية والتعليم الجامعي المجاني).

وإذا ما فاز ساندرز بالانتخابات التمهيدية ليصبح المرشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة، فإن هؤلاء الأطفال الذين لا يشعرون بخير (من الحياة السياسية)، سيشكلون طليعة ثورته. فقد انتصر ساندرز في نيو هامبشاير، بسبب الناخبين الشباب، محققا فوزا غير مألوف بين الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 29، بنسبة 51 في المئة و36 في المئة من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و 44 عامًا. (لو لم يكن هناك ديمقراطيون يزيد عمرهم عن 45 عاما، كان ساندرز سيكتسح كل منافسيه).

ويرتبط هذا النوع من الناخبين بساندرز أكثر من ارتباطه بالحزب الديمقراطي، وهذا أحد الأسباب مثلا، التي جعلت نتائج استطلاع للرأي أُجري قبل أسبوعين لفحص ما إذا كان مؤيدو ساندرز، سيدعمون مرشحا ديمقراطيا آخر في حال لم يفز ساندرز بالانتخابات التمهيدية، تُظهر أن 53 في المئة منهم فقط، قالوا إنهم سيدعمون مرشحا ديمقراطيا آخر.

يمثل الحزبان السياسيان الأميركيان، صرحين بالغي الضخامة للحياة المدنية الأميركية، الأمر الذي سيحول دون انهيارهما بسبب جولة انتخابات واحدة، كما حدث مع الاشتراكيين الفرنسيين قبل عامين، لكن علامة تراجعهما النسبي تكمن في أن الحزبين معرضان للاستيلاء عليهما من قبل أصحاب مشاريع سياسية يأتون مع حركاتهم السياسية الشخصية.

لقد حدث هذا بشكل واضح للجمهوريين مع صعود دونالد ترامب في عام 2016. ومن المثير للإعجاب أن الشخصية الرئيسية المعارضة لساندرز في معركة الترشح للانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي لعام 2020، قد تكون الملياردير مايك بلومبرغ، في نهاية المطاف، وهو سياسي آخر لم يكن ديمقراطيا حتى وقت ليس بالبعيد، مدعوم من حزبه السياسي الخاص المتمثل بحسابه البنكي الاستثنائي.

والقول إن فاحش الثراء هذا، قد يثبت من خلال مشروعه الجاهز، أن ترشيحه هو الطريقة الوحيدة أمام يسار الوسط الأميركي لتجنب مصير نظرائه الأوروبيين، هو بمثابة مؤشر على يأس الحزب، وليس حيويته.

التعليقات