07/05/2020 - 23:23

فيروس كورونا سيُحوّل مكاتبنا لبُؤَر مراقبة

ومع عودة الأشخاص إلى الوضع الطبيعي، يُنظر إلى تتبع مدى احتكاك البشر ببعضهم البعض، على أنه إحدى الطرق الأساسية لتقليل احتمال أي تفش مُجدد للفيروس في المجتمعات، ويتضمن هذا معرفة الأشخاص الذين من المحتمل أن يكونوا قد التقطوا العدوى من

فيروس كورونا سيُحوّل مكاتبنا لبُؤَر مراقبة

إيطالية ترتدي "خوذة ذكية" لقياس درجة حرارة الجسم بمطار روما (أ ب)

في ما يلي ترجمة بتصرف، خاصة بـ"عرب 48"، لمقال الصحافية، كارين شيسلير.


في مواجهة أزمة الانتحار المنتشرة في اليابان، اتجهت بعض الشركات مؤخرا نحو تركيب أجهزة استشعار في مكاتبها لضمان عدم مكوث موظفيها لأوقات أطول مما ينبغي في العمل. وتُركب هذه الأجهزة في المصابيح، ولا تقتصر قدرتها على تحديد وجود الموظفين من عدمه فحسب، بل رصد حركتهم داخل المكتب كذلك، سواء عن طريق استشعار الحركة، أو من خلال الرقائق الموجودة في بطاقات الموظفين الخصوصية التي يحملونها معهم طوال الوقت، والتي تُعلق عادة على قمصانهم. وتُرسل هذه الأجهزة تحذيرات للمدراء إذا ما وجدت أن هناك موظفين يقضون ساعات طويلة في العمل، أو يمضون أوقاتا طويلة بمفردهم.

ومع استعداد دول العالم لتخفيف عمليات الإغلاق التي فرضتها لمكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد، والسماح للناس بالعودة إلى أعمالهم، يُسارع أرباب العمل نحو تجهيز أماكن العمل بالتقنيات الضامنة لسلامة العمال، ولكن هذه الخطوات تجلب أيضا، موجة جديدة من "إرساء المراقبة" في أماكن العمل، والتي قد لا يشعر العديد من الموظفين بالراحة إزاءها، بدءًا من الكاميرات الأمنية المزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وانتهاء بأجهزة الاستشعار الحرارية.

وتروج شركة "إنلايتد" التي تتفرع من الشركة العملاقة "سيمنز"، لبرامجها، كوسيلة لتتبع الأشخاص الذين قد تبدو عليهم أعراض الإصابة بالفيروس، وكونها تعمل على شاكلة أداةِ تتبعٍ لمخالطي المرضى، فيمكن لهذه التكنولوجيا أن تراقب أماكن تواجد الموظفين المصابين، وبالتالي معرفة الأشخاص الذين تخالطوا معهم، وفي أي أقسام المكتب من المرجح أنهم نشروا العدوى. وبهذا، فإن المسؤولين سيعلمون مدى انتشار الفيروس في مكاتبهم، وتوفير الأموال التي سيصرفونها على التعقيم لأنه باستطاعتهم أن يحددوا الغرف التي تتطلب مثل هذه الإجراءات، بدقة، أي أنه ما من حاجة لتنظيف كامل مساحة المرافق العملاقة في كل مرة يُثبت فيها إصابة أحد الموظفين بالفيروس.

ويُمكن استخدام هذا النظام لمأسَسَةِ التباعد الاجتماعي أيضا، فاليوم، ترغب الشركات أن تكون مساحات العمل فيها أقل اكتظاظا، بهدف الحفاظ على قوانين التباعد الاجتماعي لمنع انتشار العدوى. وتستطيع هذه التكنولوجيا تحذير المدراء من تجمهر الموظفين في مساحات ضيقة. وقال كبير مسؤولي التكنولوجيا والمؤسس المشارك لـ"إنلايتد"، تانوغ موهان، إنه "في حالة اليابان، فنحن نبحث عما إذا كانت بطاقة الموظف قريبة من بطاقة موظف آخر. فربما لا يجتمع هذا الموظف بآخرين، أو ربما كان انطوائيا. وهذا بمثابة علامة تحذير، ولكن في السيناريو الحالي، فنسعى لضمان عدم وجود عدد كبير من البطاقات في مكان واحد".

ويُستخدم نظام المراقبة هذا، والذي يتم تثبيته حاليًا في مكاتب بعض أكبر وأثرى الشركات في العالم، بالإضافة إلى المستشفيات والعيادات في هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، مجموعة من مستشعرات الحركة المنسقة، والتي يمكنها التقاط إشارات "البلوتوث" المضمنة في بطاقات الموظفين، لذا يمكن للممرضة التي تبحث عن طبيب معين أو جهاز الموجات فوق الصوتية، على سبيل المثال، أن تجد غايتها في مستشفى تبلغ مساحته خمسة كيلومتر مربع، عبر استخدام الخريطة الإلكترونية للنظام.

التباعد الاجتماعي

لطالما كان تصاعُد أنظمة المراقبة أمرا حتميا. ووفقا لتعليمات الحكومة البريطانية لأرباب العمل الذين يُعدّون أماكن عملهم اليوم، لعودة عمالهم، فإنه يجب عليهم اتباع قواعد التباعد الاجتماعي، إذ يجب على الناس أن يحافظوا على بعد قدرهُ مترين، على الأقل، بين بعضهم البعض، حتى عند وجودهم داخل المباني. ويُطلب من المكاتب اليوم، تثبيت إشارات على أرضياتها لتحديد هذه الأبعاد بدقة، وعدم طباعة المستندات على أوراق وتناقلها، وأنه عندما يكون التواصل أو الاحتكاك المباشر ضروريا بين موظف وآخر، فيجب ألا يتعدى ذلك 15 دقيقة.

وابتكرت شركة "لاندينغ إيه آي" الناشئة والمعنية بتقنيات الذكاء الاصطناعي، أداة مراقبة تصدر تنبيها عندما يكون أي شخص على بعد مسافة أقل من المطلوب من أحد زملائه، وباستخدام لقطات الكاميرات الأمنية، تقوم شبكة عصبية مدربة بتحديد الأشخاص في الفيديو، لتقوم خوارزمية أخرى بتحليل المسافة بينهم. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أوردت وكالة "رويترز" للأنباء، أن شركة "أمازون" تستخدم برامج مماثلة لمتابعة ما إذا كان العاملون في المستودعات يحافظون على المسافة المطلوبة للتباعد الاجتماعي بين بعضهم البعض.

(أ ب)

ومع عودة الأشخاص إلى الوضع الطبيعي، يُنظر إلى تتبع مدى احتكاك البشر ببعضهم البعض، على أنه إحدى الطرق الأساسية لتقليل احتمال أي تفش مُجدد للفيروس في المجتمعات، ويتضمن هذا معرفة الأشخاص الذين من المحتمل أن يكونوا قد التقطوا العدوى من شخص أُكدت إصابته بكورونا.

وتُنتج شركة "ميكروشير" التي تتخذ من فيلادلفيا مقرا لها، منتجا أطلقت عليه اسم "تعقب التواصل الجسدي الشامل"، والذي يعمل مثل تقنيات "إنلايتد"، عبر تتبع بطاقات الموظفين، أو المفاتيح التي تحتوي على "بلوتوث".

وعندما تقترب هذه الأجهزة من جهاز يمكنه قراءة "إشارة البلوتوث"، تُسجل هذه البيانات التي جمعها، وتُرسل إلى قاعدة بيانات يُمكن فحصها لاحقا، ومع ذلك، فهناك أدلة قليلة جدا على ما إذا سيكون هذا النوع من تعقب التواصل الجسدي، فعّالا.

صحة الموظفين

تسلك الشركات الراغبة بتتبع موظفيها، طرقا أخرى أيضا من أجل هذه الغاية، مثل استخدام الكاميرات الحرارية التي يمكنها قياس درجات حرارة الموظفين في بعض الحالات، أثناء دخولهم مبنى الشركة، وتجري الكاميرات قراءة حرارية بالقرب من عيني الشخص، وإذا ما اكتُشف وجود حُمى، فيمكن إصدار تنبيه يترتب عليه إرسال الشخص المعني إلى المنزل، وقد اقتُرح استخدام هذا النوع من الكاميرات في صناعة الأغذية، والاستفادة منه في المعابر الحدودية، وفي المستشفيات.

وفي بريطانيا، أعلن مطار بورنماوث أنه سيختبر التكنولوجيا عندما يستأنف عددا أكبر من رحلاته. وأعلنت "أمازون" أيضًا، أنها ستستخدم موازين الحرارة الحرارية التي تعمل دون ملامسة الموظفين، للتحقق من درجات حرارتهم عند مداخل مستودعاتها الأوروبية والأميركية بالإضافة إلى سلسلة متاجر "هول فودز" التي تملكها.

إن أحد الأسئلة الأكثر إلحاحا التي يطرحها العلماء حول طريقة انتشار عدوى فيروس كورونا المستجد، دون أن يتوصلوا لإجابة بعد، تكمن فيما إذا كان الفيروس قابلا للانتقال عبر الهواء أم لا. ولم يتأكد العلماء حتى الآن مما إذا كان من الممكن انتشار "كوفيد-19" عبر الهواء على الرغم من عثورهم على جزيئات منه في الهواء. ومع أنه ما من أدلة تثبت ذلك بعد، إلا أن شركات أجهزة تتبع جودة الهواء، تشهد ارتفاعا كبيرا باهتمام الأعمال التجارية المختلفة بالحفاظ على جودة الهواء داخل مبانيها، رغبة بعودة موظفيها إلى العمل.

وقالت رئيسة قسم التسويق في شركة "كاتيرا" المختصة بأجهزة الاستشعار، لورا ليان: "لقد تلقينا طلبات كثيرة من شركات تحاول فهم ما بوسعها أن تفعله خلال وجود موظفيها في منازلهم، وما هو نوع الأدوات والأجهزة التي يمكننا إدماجها في مساحات المكاتب للتأكد من جودة هواء جيدة عند عودة العمال"، مشيرة إلى أن هذا النوع من الاستفسارات ارتفع بنسبة تصل إلى 40 بالمئة.

أما الرئيسة التنفيذية لشركة "سنسوير" التكنولوجية، سيرين المؤمن، فأوضحت أن "الجميع مهتمون حقًا بإعداد مساحاتهم، وهم يحاولون إيجاد طرق لزرع الثقة في الناس للعودة (لأعمالهم). وتُعد هذه التكنولوجيا طريقة ملموسة لخلق بيئة أكثر صحية، ولتبين هذه المباني للمستأجرين أنها آمنة للعودة".

وقال مستشار التكنولوجيا الذكية في المباني، لين بيسانون، إن إضافة المزيد من أجهزة الاستشعار إلى المباني يتمحور حول "تحسين المساحة"، فالشركات ستستمر باستخدامها للأبنية ذات الجهوزية التكنولوجية القديمة، وسط محاولة لإدماج أنظمة أحدث.

وأضاف بيسانو: "سيصبح استخدام البيانات لمحاولة إعادة الأشخاص إلى المباني، الوضع الطبيعي الجديد. وستكون حلول شبكات الاستشعار هذه جزءًا كبيرًا من ذلك".

وأشار إلى أنه "في بعض الأماكن، لن يتعلق الأمر (الرغبة بتركيب هذه الأجهزة) بالتحكم في أي شيء، مثل درجة الحرارة أو الرطوبة، ولكن يتمحور حول الحصول على البيانات الأفضل حتى تتمكن الشركة من التوصل إلى أفضل خطة حول التعقيم وكيفية نشر مواردها".

(أ ب)

انتهاك أكبر للخصوصية؟

يثير جمع البيانات، سواء أكانَ لغرض التعقيم أو لتعقُّب التواصل الجسدي، مخاوف حول الخصوصية. وفي حين أن التقنيات المذكورة أعلاه ستمكن الناس من العودة إلى العمل، يبقى هناك سؤال مهم آخر: هل سيشعر العمال بالمُراقبة؟

يعتقد بعض المدافعين عن الخصوصية أن هذه التقنيات باتت مدعاة للقلق منذ الآن، أي قبل انتشارها على نطاق واسع حتى. وقال المدير التنفيذي لمنظمة "الخصوصية الدولية"، غاس حسين، وهي مؤسسة خيرية مقرها لندن، وتنشط في الدفاع عن الحق في الخصوصية، إن حلولا تقنيةً مثل هذه ستتسبب فقط بتفاقم التفاوتات القائمة في تلك الوظائف التي تخضع بالفعل للكثير من المراقبة، والتي يعاني موظفوها من ضعف أمانها الوظيفي، مثل العاملين في التوصيل، وأولئك الذين يعملون في المستودعات أو مراكز الاتصال.

وأضاف حسين أن البيانات التي تولدها هذه التقنيات توفر إمكانيات لاستهداف ومعاقبة هؤلاء الموظفين.

وشدد حسين على أن هذه "العاصفة الأفضل للبائعين الانتهازيين الذين يحاولون الاستفادة من مخاوف أرباب العمل المرعوبين من فقدان المزيد من الدخل، ليبحثوا عن الخلاص في الحلول التقنية. لكن مثل هذه 'الحلول' تأتي في سياق أوسع لزيادة المراقبة والتتبع في مكان العمل. إنهم يقدمون وعودا بالكفاءة والإنتاجية ولكن مع مراعاة القليل لحقوق العمال ورفاهيتهم".

وقال المسؤول في "سيمنز سمارت إنفراستركتشر"، مايكل واينهولد، إن الشركة على دراية بالنقاش الدائر حول خصوصية البيانات. وأوضح أنه "عندما تقدم تقنيات جديدة، يمكن أن تحافظ على التوازن بين ما هو ممكن، ومُحدد قانونا، ومبرر أخلاقيا. إنه نقاش أخلاقي ومجتمعي".

سيُلزم المُشغلون بتجهيز أماكن العمل وفق الإجراءات (أ ب)

ولا بد أن الدقة مهمة إذا كنت تطلب من الأشخاص عدم الحضور إلى المكتب لاحتكاكهم بشخص مصاب بفيروس كورونا. ويتساءل حسين عما إذا كان يمكن الاعتماد على دقة أساليب التكنولوجيا الحالية عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات حول ما يمكن وما لا يستطيع الناس فعله، خاصة عن الحديث عن مسح درجات الحرارة التي تُعتبر مصدر قلق، فعلى سبيل المثال، يُمكن أن تتغير درجة حرارة جسد المرأة أثناء دورة الحيض.

وفي منصة الاستشعار الجديدة التي ابتكرتها "سنسوير"، والتي ستحتوي على العديد من المقاييس التي تشير إلى احتمال الإصابة بالفيروس، استغنت الشركة مثلا عن إدراج فحص لدرجة حرارة الجسم حاليا، لأن المسؤولين هناك قالوا إن كاميرات الأشعة تحت الحمراء تعاني من هامش خطأ يبلغ حوالي ثلاث درجات حتى الآن.

وخلُص حسين إلى القول إن "حقيقة هذه البيئة هي أنك قد تضطر إلى فقدان الدخل بسبب التكنولوجيا والبيانات الخاطئة. ولطالما كانت فكرة وضع أجهزة الاستشعار في جميع أنحاء مكان العمل طموحًا لأرباب العمل الذين يسعون للسيطرة على عمالهم ومراقبة كفاءتهم. ويبدو أن هذا (كورونا) هو العذر الأخير لذلك".

التعليقات