25/05/2020 - 23:41

هونغ كونغ.. نموذج الصين لاستغلال الوباء

على مدار شهري نيسان/ أبريل وأيار/ مايو الماضيين، وبينما كان اهتمام معظم العالم مصبوب على عدد الوفيات المتصاعد الناجم عن فيروس كورونا المستجد، كاد ألّا يمر يوم واحد دون أخبار عن اعتقال ناشطين في هونغ كونغ، أو نشوب مشاجرات بين

هونغ كونغ.. نموذج الصين لاستغلال الوباء

اعتداء الشرطة الصينية على متظاهري هونغ كونغ (أ ب)

في ما يلي ترجمة بتصرف، خاصة بـ"عرب 48"، لمقال الكاتب Timothy Mclaughlin نشر في مجلة "أتلانتيك"، يعيش في هونغ كونغ.


على مدار شهري نيسان/ أبريل وأيار/ مايو الماضيين، وبينما كان اهتمام معظم العالم مصبوب على عدد الوفيات المتصاعد الناجم عن فيروس كورونا المستجد، كاد ألّا يمر يوم واحد دون أخبار عن اعتقال ناشطين في هونغ كونغ، أو نشوب مشاجرات بين مشرعين، أو تصريحات بالغة الخطورة من قبل مسؤولي الصين بشأن المدينة. وأما المعايير التي صمدت في هونغ كونغ على مدار فترات طويلة، فقد تم التخلّي عنها بسرعة مذهلة.

وخلال هذه الفترة، بدأت بكّين في اتخاذ أفعال عدائية في أنحاء آسيا. فقد هاجمت سفينة صينية، أخرى فيتنامية، في المياه المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، وأغرقتها. وقبالة سواحل ماليزيا، وتحديدا في أهم منطقة اقتصادية لهذا البلد الآسيوي، انطلقت سفينة أبحاث صينية، مصحوبة بخفر السواحل وسفن صيد، والتي قد تكون على الأرجح من الميليشيات البحرية في الصين، وسفن مدنية تنظمها بكين في أوقات الحاجة، أعمال مسح بالقرب من منصة نفط ماليزية. واجتذبت المواجهة التي تلت ذلك، السفن الحربية من الولايات المتحدة وأستراليا، والصين أيضا.

ومن ثم أعلنت بكين أنها أنشأت وحدتين إداريتين على جزر في بحر الصين الجنوبي تطالب فيتنام بسيادتها عليها. ورد المسؤولون الصينيون أيضا، بغضب كان يُمكن التنبؤ به، تجاه تايوان، والتي تحظى معالجتها للوباء باستحسان عالمية، وبدأت تضغط من أجل المزيد من الاعتراف الدولي.

متظاهرون يطالبون بحماية هونغ كونغ (أ ب)

وقد توّجت الصين إجراءاتها الإقليمية، الأسبوع الماضي، بإعلان المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، اعتزامه فرض قوانين أمنيّة واسعة النطاق على هونغ كونغ ردا على موجة الاحتجاجات التي شهدها العام الماضي، للمطالبة بالديمقراطية. وبذلك، التفت بكين على العملية التشريعية المستقلة في المدينة، وبدأت في تفكيك إطار "دولة واحدة ونظامان" الذي تُحكم هونغ كونغ بموجبه، وإرساء ما قد يتحوّل لتغيير جذري في الحريّات التي يتمتع بها الإقليم، وقوانينه، والاعتراف الدولي فيه.

وصدم هذا الإعلان مشرعي هونغ كونغ، ودبلوماسييها، والكثير من سكّان المدينة البالغ عددهم 7.4 مليون شخص، من المؤيدين للحكم الديمقراطي، والّذين استيقظوا صباح يوم الجمعة متسائلين عما سيؤول إليه مستقبل هونغ كونغ.

وشهدت سوق الأسهم هبوطا، وازداد الاهتمام بالشبكات الخاصة الافتراضية ("في بي إن")، والتي تمكن مستخدمي الإنترنت من التصفح مجهول الهوية، وتساءل السكّان عمّا إذا كان العام 2047، وهو العام الّذي يُفترض بسحب الاتفاقيات، أن يرجع هونغ كونغ لسيطرة صينية كاملة، قد حلّ قبل عقدين من وقته الفعلي. وأخبرتني منسقة معسكر الديمقراطية في الهيئة التشريعية في المدينة، تانيا تشان: "أنا حزينة. الليلة الماضية كانت نكسة كاملة".

ومع أن أجزاء الكثيرة من العالم تراوح مكانها نتيجة معركتها مع الوباء، إلا أنه يبدو واضحا أن طموحات الصين الإقليمية وهدوء ضغائن الماضي لم تفعلا ذلك. وتقدّمت استفزازات بكّين، مستعينة بدفعة دعائية ودبلوماسية طبيّة، لتمرير أجنداتها على الرغم من استمرار أزمة الصحة العامة.

وأخبرني الزميل في برنامج جنوب شرقي آسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في واشنطن العاصمة، جريج بولينغ، أن الصين "استمرت بعملها كالمعتاد، بما يتعلّق في بحر الصين الجنوبي، وتايوان. (الصين) تعمل كعادتها خلال جائحة يلومها الناس عليها جزئيا، هذا أكثر فداحة".

وتسبب الإجراء الصيني غير المرغوب به، بإثارة القلق، خصوصا مع تسليطها الضوء على هونغ كونغ لفرض إرادتها بمرسوم. (ففي الماضي، وتحديدا عام 2003، ثارت محاولات تمرير قوانين مماثلة عبر البرلمان المصغر للمدينة، مظاهرات حاشدة أدت لإلغاء هذه الإجراءات).

ورغم فشل الصين في تمرير القانون الذي يسمح بتسليم المدانين في هونغ كونغ إليها، والّتي حاولت فرضه عبر حلفائها بالمدينة، إلا أنها، ومن خلال قانون الأمن القومي الجديد، تجلب قوانينها مباشرة إلى هونغ كونغ دون حاجة إلى طرف ثالث: إذ يستهدف القانون "النشاط الانفصالي أو التخريبي"، و"التدخل الأجنبي والخارجي"، بينما يمهد الطريق لقوات الأمن الصينية إلى دخول المدينة التي رغم كونها جزءا من الصين، إلا أنها تعمل وفقًا لقوانينها ومحاكمها وشرطتها الخاصة بموجب "دولة واحدة ونظامان".

ويمنح القانون بكين أداة جديدة للقضاء على المتظاهرين والمعارضين، والدفع بمنظومة تعليمية قائمة على تبجيل نجاحات الحزب الشيوعي الصيني.

تتناسب الاستجابة الأميركية أيضا، مع النمط الجديد. إذ وصف وزير الخارجية مايك بومبيو، القرار الصيني الجديد بـ"ناقوس الموت" للحكم الذاتي في هونغ كونغ، وكشف المشرعون الأميركيون عن تشريع وُجه لتحدّي سيطرة بكين على المدينة، وتقوم وزارة الخارجية بإعداد تقرير حول هذه القضية.

اعتقالات بحق المتظاهرين في هونغ كونغ (أ ب)

وبشكل مشابه، أظهر الكونغرس العام الماضي، وحدة نادرة بين أعضائه، عندما دفع من أجل سن مشروع قانون يسعى للدفاع عن المتظاهرين في هونغ كونغ ومعاقبة أولئك الذين ينتهكون حرياتهم. لكن هذه الجهود المبهمة والمبعثرة، والتي تُضم إلى القيادة غير المنسقة للرئيس دونالد ترامب، دفعت دولا آسيوية أخرى لتشكيك بانعطافة واشنطن.

رغم النهج الممتزج بين فرض القوة الناعمة والخشنة الذي تتبعه الصين، إذ أنها سعت إلى تخفيف الانتقادات لاستجابتها الأولية لتفشي فيروس كورونا، عبر تقديم المساعدات، بالتناسق مع محاولاتها لفرض مطالبها الإقليمية والقانونية والسياسية، وبين القوة العسكرية والدبلوماسية المتزايدة لبكين، إلى أن دول لمنطقة لم تتقبل مناورات بكين العدوانية.

وعلى سبيل المثال، حض إغراق السفينة الفيتنامية، مسؤولي هانوي على تقديم احتجاجا رسمي ضد الصين، ولكن إحدى المحللات الرئيسيات في مؤسسة "السياسات الاستراتيجية الأسترالية"، وتُدعى هونغ لي ثو، أشارت إلى وجود إيمان متزايد بين القادة الفيتناميين بأن هذا النوع من الردود الاحتجاجية (على تجاوزات بكين) لم يعد كافيا.

وأخبرتني أن بكين "دخلت في حالة الاستفادة القصوى من هذه اللحظات المواتية بينما لا يراقبها سوى قلّة قليلة". وصعّدت الإجراءات الصينية مرّة أخرى، من احتمالية رفع دعوى قضائية دوليّة من قبل فيتنام في محاولة لمحاسبتها.

إذ سبق أن نجحت التحديات القانونية ضد العدائية البحرية للصين، ففي عام 2013، تقدمت الفلبين بشكوى تطعن في مطالبات بكين الموسعة بالسيادة على بحر الصين الجنوبي.

وبعد مرور ثلاثة أعوام على ذلك، فازت مانيلا عندما حكمت محكمة التحكيم الدائمة في حكم لاهاي لصالحها. ولكن بحلول ذلك الوقت، كان قد انتُخب الرئيس رودريغو دوتيرتي، الذي يتسم بعلاقاته الوديّة مع الصين.

وإلى جانب الإجراءات الإقليمية لبكين، كان للرسائل التي حاولت إيصالها تأثيرًا سلبيًا في الغالب، على الانطباعات العامة، إذ تراوحت ما بين الاقتراحات الودية الطائشة، والتصريحات العنيفة.

وقد نبع معظم هذا النهج، من خلال دبلوماسية بكين التي توصف "بالمحارب الذئب"، والتي شهدت توجه عشرات الدبلوماسيين والمتحدثين الصينيين إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة "تويتر"، لاستهداف المنتقدين ونشر المعلومات المضللة. وقال بولينغ عن ذلك، إن "المسؤولين الصينيين لا يبذلون أي محاولة لتهدئة الأمور أو التوفيق" في معظم المسائل.

وبالمثل، فشلت محاولات بكين التظاهر باللطف، وكانت أكثر إحراجا على المستوى العلني. ففي نيسان/ أبريل الماضي، وبينما كانت معظم الفلبين تحت الإغلاق، أصدرت السفارة الصينية في مانيلا أغنية وفيديو مصاحب لها، تهدف إلى الترويج لكون "الدولتين جارتين ودودتين على البحر".

اعتقالات بحق المتظاهرين في هونغ كونغ (أ ب)

وكتب الأغنية التي صدرت بعنوان "بحر واحد" السفير الصيني في الفلبين، ولكن توقيتها كان عجيبا، خصوصا أنها صدرت بعد أيام قليلة من تقديم الفلبين احتجاجا دبلوماسيا على حادثين يتعلقان بالعدوانية البحرية الصينية.

وانتُقدت الأغنية على نطاق واسع، بل وربما ساعدت الفلبينيين العالقين في منازلهم منذ أسابيع تحت وطأة الملل، من العثور على أفضل إمكانية للتسلية عبر السخرية المتواصلة على الإنترنت من الأغنية.

وأخبرني القاضي السابق المحكمة العليا، أنطونيو كاربيو، والذي يعتبر من أشد نقاد استفزازات بكين، أنه طالما أن الصين تصر على سعيها للاستحواذ على الأراضي البحرية الفلبينية "لا يمكن للصين أن تتوقع أبدا أن يثق الشعب الفلبيني بها. إذ سينظر إليها دائما على أنها عملية سرقة، تتم من خلال الخداع والترهيب والقوة، لشيء يعود قانونيا للشعب الفلبيني".

وساهم الوباء في تسريع التعاون بين الحزبين في واشنطن، حول اتباع نهج أكثر تشددا تجاه الصين. وقد وضعت إدارة تلو الأخرى، أهدافا لتحويل تركيزها، وخصوصا على الصعيد الدفاعي، لمواجهة الصين، برغم أنه لم توضح هذه الأهداف أو تنفذ بالكامل.

وقد يبدو أن عدائية بكين المتواصلة في المنطقة، والعثرات الدبلوماسية، ورد الفعل الصيني المبكر الضعيف لظهور فيروس كورونا المستجد، سيوفر فرصة مناسبة للولايات المتحدة لتعظيم قوّتها في المنطقة، لكن الإجراءات الأميركية حصلت على احتفاء غير متكافئ.

وأخبرني كبير المحللين في معهد "الدراسات الاستراتيجية والدولية في ماليزيا"، شهرمان لوكمان، أنه عندما أرسلت الولايات المتحدة سفنًا إلى ماليزيا لمواجهة وجود سفينة المسح الصينية المذكورة أعلاه، فقد استجابت كوالالمبور بشيء من التردد.

أسواق هونغ كونغ (أ ب)

إذ يعتقد البعض أن وصول السفن الأميركية قد ألهب الوضع المتوتر بالفعل، مما أدى إلى تصعيد صيني إضافي. وقال لوكمان: "إنهم (الأميركيين) لا يفكرون في الكارثة المحتملة التي قد يتسببون بها لأشخاص آخرين بنواياهم الحسنة".

وماليزيا ليست المكان الوحيد الذي لا يحظى فيه الجيش الأميركي بالترحيب، فقد أعلن دوتيرتي هذا العام إنهاء اتفاقية القوات الزائرة بين الولايات المتحدة والفلبين، وهي اتفاقية سادت على مدار عقدين.

ويجعل الفارق الزمني بين الولايات المتحدة ومعظم دول آسيا، بصدور إجراءات وتصريحات ترامب المعتوهة، بعد أيام. إذ أنه يجري مؤتمراته الصحافية المتعرجة والمضللة في ساعات الصباح الباكر بالنسبة لآسيا، ومن ثم يبدأ بعد اقتراب المساء، بإطلاق تغريدة مبعثرة و"مشفرة" تلو الأخرى على "تويتر".

وقال الباحث في التغييرات السياسية في جنوب شرقي آسيا والسياسة الخارجية، في "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في سنغافورة"، آرون كونيلي، إن الناس يشعرون بـ"الهلع الشديد من قلة تماسك ردود الولايات المتحدة، وهذا يطغى على الكثير من الحقائق الأخرى".

من الاحتجاجات في هونغ كونغ (أ ب)

وقال بومبيو خلال مكالمة أجراها مؤخرا، مع زعماء جنوب شرقي آسيا، إن بكين "تحركت للاستفادة من التشتيت" الناجم عن الوباء. وأشار أيضا إلى نتائج تقرير صدر مؤخرا عن مركز "ستيمسون" الذي يتخذ من واشنطن مقرا لها، بأن السدود الصينية على نهر ميكونج، والتي تتدفق عبر العديد من دول جنوب شرقي آسيا، تسبب جفافا شديدا لمحيط النهر.

لكن محاولات بومبيو لإجبار قادة جنوب شرقي آسيا على الاختيار بين الولايات المتحدة والصين فشلت. وقال كونيلي، من خلال تأطير الوضع بكونه منافسة يتعين على الدول أن تتخذ فيها طرفا، إن مكالمة بومبيو كان "وقعها سيئا جدا في جنوب شرقي آسيا"، وهذا ما يراه بولينغ أيضا.

في هونغ كونغ، أخبرتني تشان، المشرعة المؤيدة للديمقراطية، أنها قبل أن تدخل عالم السياسية، كانت تعتقد أن مسؤولي البر الرئيسي (بكين) سيحترمون تعهدهم لعام 1997 بالسماح للمدينة بالعمل باستقلالية أكبر. وقد أوضح لها التشريع الجديد أن الحال لم يكن كذلك بالتأكيد، وأن بكين لا تبالي كثيرا بأهالي هونغ كونغ، مضيفة: "حتى بعد مضي 23 عاما، لا يزال (المسؤولون في بكين) لا يستطيعون الفوز على سكان هونغ كونغ".

التعليقات