26/06/2020 - 23:22

كيف سيحصل الفقراء على لقاحٍ لكورونا؟

سيخصص للدول الغنية ما يكفي من اللقاحات بنسبة ثابتة من سكانها، والتي ستقررها "الهيئات الاستشارية الوطنية" لهذه الدول. وفي الوقت نفسه، لن تحصل الدول الفقيرة على لقاحات إلا للأشخاص ذوي الأولوية القصوى، وذلك بعد تقديم أدلة تثبت حاجتهم لها.

كيف سيحصل الفقراء على لقاحٍ لكورونا؟

شبان إثيوبيون يُحاطون علمًا بطُرق الوقاية من الفيروس (أ ب)

في ما يلي ترجمة بتصرّف، خاصة بـ"عرب 48"، لمقالٍ مشترك بين منسّق مشروع AccessIBSA، الذي يقوم بحملات لتوفير الأدوية في الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، آشال برابالا، وكبيرة مستشاري سياسة اللقاحات في "حملة الوصول" في منظمة "أطباء بلا حدود"، كايتي إلدير.


اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19)، ستتوفر عاجلا أم آجلا، وتُضخّ مليارات الدولارات لهذه الغاية، وتجري أكثر من 100 محاولة لتطوير لقاح، وأصبحت 13 من بين أبرزها ترشيحًا، في طَوْر الاختبار على البشر، ولكن كيف ستصل هذه اللقاحات إلى أفقر الناس على الكوكب؟ يلاحق هذا السؤال مصائر أكثر من نصف سكان العالم. وهي المسألة الأساسية في زمننا، فقد تسبب عدم معالجتها في الماضي، ملايين الوفيات التي كان يمكن تجنُّبها، ومع ذلك، يعتقد البعض أن هناك إجابة بسيطة على ذلك. فإذا سألت شركات الأدوية حول كيف تعتزم ضمان وصول الناس إلى لقاحات كوفيد-19، فستتلخص إجابتهم بـ"التحالف العالمي للقاحات والتحصين" ("غافي")، أما إذا سألت أثرى حكومات العالم حول كيفية ضمانها للعدالة في توزيع اللقاحات عالميا، فستجيبك بـ"غافي" أيضا.

وتحالُف "غافي" للقاحات، هو شراكة بين القطاعيْن الخاص والعام انطلقت قبل 20 عاما، إيمانا بأن تزاوُجًا بين الأسواق والعمل الخيري سيوفر اللقاحات لجميع الناس حول العالم. وبالفعل، إن أرقام "غافي" في هذا الصدد، مثيرة للإعجاب، فالتحالف يرسل نحو 500 مليون جرعة لقاح ضد 17 مرضا مختلفا، كما أن حجم الأموال التي تُضخ في "غافي" مبهر بالمقدار ذاته، ففي "قمة اللقاحات العالمية" التي عُقدت في وقت سابق من الشهر الجاري مثلا، جمع "غافي" رقما قياسيا بلغ 8.8 مليار دولار. ومع التزامها بمنح التحالف 330 مليون جنيه إسترليني على مدار الأعوام الخمسة المقبلة، تُعد الحكومة البريطانية أكبر جهة مانحة لـ"غافي"، إلى جانب دول غنية أخرى، و"مؤسسة غيتس". وأعلن "غافي" في القمة الأخيرة إطلاق مبادرته الأحدث، وهو صندوق للقاحات كوفيد-19 المستقبلية تحت اسم "منشأة كوفاكس"، والذي يدعو الدول إلى الاستثمار في مجموعة واسعة من اللقاحات المحتمل ت، ودراسة المخاطر المحتملة لهذه اللقاحات، وتأمين المناليّة (سهولة الوصول) للّقاحات كمنتجات نهائية، جاهزة للاستخدام.

ونشر "غافي" دعاية كبيرة لوحدة تابعة لـ"منشأة فاسيلتي"، تُدعى "التزام السوق المسبق لكوفاكس"، والتي أوكلت لها مهمة التعامل مع جانب منالية اللقاحات. وبشّر التحالف بالصفقة الأولى، وهي عبارة عن اتفاق بقيمة 750 مليون دولار أميركي مع شركة "أسترا زينيكا" للحصول على 300 مليون جرعة من اللقاح المحتمل لجامعة أوكسفورد، بكونها التعبير عن التزام الصناعة بإيفاء حاجات أفقر دول العالم. ولكن ذلك جاء بثمنٍ مرتفعٍ لا يُمثّل سوى خصما طفيفا فقط على السعر الكامل الذي تدفعه الحكومة الأميركية لقاء الكمية ذاتها (1.2 مليار دولار). وتكمن المشكلة بأننا لا نعلم سوى القليل عن تفاصيل هذه الصفقة لأن الاتفاقية ليست عامة برغم حجم الأموال العامة المخصصة لها. فلا نعرف مثلا، ما إذا كانت "أسترا زينيكا" ستحتفظ بالمال إذا فشل لقاحها، ولا نعرف حقا إذا ما خصصت الاتفاقية جميع هذه اللقاحات للاستخدام في البلدان الفقيرة. وسألنا "أسترا زينيكا" عن هذا ولكننا لم نتلقَّ ردا.

يعاني الفقراء من احتكارات صناعة الأدوية (أ ب)

وخلال القمة التي انعقدت في وقت سابق من الشهر الجاري، أوضح تحالف "غافي" أنه يولي اهتماما أقل للقرارات التي تُتخذ داخل "منشأة كوفاكس" لكي يكون الصندوق أكثر جاذبية للدول الغنية. وعلى سبيل المثال، هناك إجماع على أن الناس الأكثر ضعفا في العالم هم الأحق بالحصول على اللقاحات أولا وبطريقة عادلة ومنصفة، وسوف يُحدِّد "إطار التوزيع العالمي" المرتقب انبثاقه عن منظمة الصحة العالمية، كيف يمكن القيام بذلك. ومع ذلك، يقترح تقرير أُعد لاجتماع مجلس "غافي" الذي يبدأ الأسبوع الجاري، ووزعه التحالف بشكل مسبق على بعض الجهات المعنية، بما يشمل منظمات المجتمع المدني؛ أنه بإمكان الدول الغنية أن تتجاهل إطار منظمة الصحة العالمية، مع التأكيد على ضرورة التزام الدول الفقيرة به فقط. ووفقا للوثيقة، يبدو أن "غافي" سيخصص للدول الغنية ما يكفي من اللقاحات بنسبة ثابتة من سكانها، والتي ستقررها "الهيئات الاستشارية الوطنية" لهذه الدول. وفي الوقت نفسه، لن تحصل الدول الفقيرة على لقاحات إلا للأشخاص ذوي الأولوية القصوى، وذلك بعد تقديم أدلة تثبت حاجتهم لها.

وتُشجع الوثيقة دون أن يشترط نصّها ذلك، الدول الغنية؛ على التبرّع بلقاحات إذا ما كان بحوزتها ما يفيض عن حاجتها، ولكنها لا توضح شيئا عن الموعد الذي ستحصل فيه البلدان الفقيرة على هذه اللقاحات المُتَبَرَّع بها؛ فهل ستحصل عليها بمقدار الفترة ذاتها التي ستحصل الدول الغنية عليها، أم أنها ستحصل عليها بعد أن تستخدم الأخيرة جميع الجرعات التي تحتاجها فقط؟ ووجهنا هذين السؤالين الّلذيْن تثيرهما الوثيقة لـ"غافي"، ولكن التحالف لم يوفر إجابات قبل اجتماع مجلسه.

ويثير احتمال وجود نظام ذا شقين في التعامل مع الدول الفقيرة والغنية، شكوكا حول مدى التزام "غافي" بالقضية الأساسية التي أُسس من أجلها: وهي التوفير العادل للقاحات. فالتحالف، وعلى مستويات عدة، ساهم بخلق المشكلة التي يحاول حلها الآن. إذ كشفت ثلاثة عقود من إيصال الأدوية واللقاحات للفقراء، المشكلة وحلها، وتتلخص باحتكارات صناعة الأدوية للقاحات، والتي تُنَفَّذ من خلال براءات الاختراع التي عندما تُعلّق تتسبب بهبوط الأسعار وارتفاع العرْض. وتتحمل الدول والمنظمات الغنية التي تمول "غافي" مسؤولية مماثلة في خلق هذه المشكلة، إذ خصصت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي، المليارات من أجل أبحاث اللقاحات، والتي ذهبت جميعها تقريبا إلى شركات الأدوية الخاصة، دون أي شروط لمنعها من احتكار لقاحاتها.

ضمنت هذه البلدان تخزين المزيد من اللقاحات "المستقبلية" (توضيحية - أ ب)

وضمنت هذه البلدان تخزين المزيد من اللقاحات "المستقبلية" من خلال عقد صفقات مباشرة مع الشركات المصنعة. وعبر فشل التحالف في تحدي الجانب الأكثر تسببا بالأضرار من صناعة الأدوية، أي الاحتكارات التي تمنع الوصول العادل إلى منتجاتها، فإن "غافي" يتماشى مع الحكومات التي تموله. وفي أحسن الأحوال، أدى ذلك إلى فشل "غافي" بالتفاوض حول السيطرة على اللقاحات التي يمولها. وفي أسوأ الأحوال، يعتقد "غافي" أن احتكارات الأدوية التي تقوّض الوصول العادل لها، ضرورية بشكل ما لإنتاج هذه اللقاحات.

وحقيقة الأسعار الباهظة التي تأتي مع الاحتكارات لا تمثّل سوى جزءٍ واحد من المشكلة، ففي الوضع الحالي، أي في وسط هذه الجائحة، فإن توسيع العرض يمثل تحديا كبيرا. لدينا فرصة لتصنيع ما يكفي من اللقاحات للجميع أينما وُجدوا، في حال قمنا باستغلال القدرة التصنيعية الكاملة للكوكب. لكن هذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا تم تحرير اللقاحات. إن عدم قدرة تحالف "غافي" على أخذ هذه المشكلة بعين الحسبان، أو استخدام نفوذها لفرض حلٍّ لها، أمر محيّر للغاية.

وتزعم شركات الأدوية أنها لن تكسب المال من هذه الجائحة، وأنها ستزود اللقاحات بتكاليف باهظة. ومع ذلك، فتشهد هذه الشركات منذ الآن، زيادات بمليارات الدولارات في قيمتها السوقية، ولا تنوي التخلي عن الاحتكارات التي تدفع أرباحها المبالغ بها. وقال قادة الدول الغنية (باستثناء الولايات المتحدة) كل الشعارات الصحيحة حول الحصول العادل على اللقاحات. ومع ذلك، فإنهم يدخلون في صفقات مسبقة متعددة لتخزين لقاحات أكثر بكثير مما قد تحتاجه بلدانهم. ولا يمكن أن يحظوا بالثناء في الحالتين معا، ولا تحالُف "غافي" يمكنه ذلك أيضا، إذ من غير الممكن أن يدعي رئيس "غافي" التفيذي، سيث بيركلي، أن لديه رغبة بأن "يتحد العالم" بدون "حواجز" بينما يفشل في معالجة النزعة القومية الانعزالية للدول الغنية، المتناغمة مع الجشع في صناعة الأدوية.

سيّدة مُصابة بكورونا في اليمن حيث الفقر والأوضاع المعيشية الصعبة (أ ب)

ويستطيع تحالف "غافي" أن يغيّر قواعد اللعبة وأن يحول لقاح كوفيد-19 إلى منفعة عامة عالمية. فبإمكانه أن يطلب المزيد من شركات الأدوية التي يمولها، ويمكنه أن يجبر المنظومة العالمية لتطوير اللقاح على الانضمام إلى آلية تعاونية وتشاركية، وخالية من الاحتكار مثل إطار "تجمع الوصول إلى التكنولوجيا الخاصة بكوفيد-19". وسيكون هذا الإجراء الصحيح الذي يجب اتخاذه، وبذلك، يمكن لتحالف "غافي" أخيرا أن يفي بالوعد الذي قطعه للعالم قبل 20 عاما.

التعليقات