24/08/2022 - 21:35

الدور المحوريّ للعلوم الاجتماعيّة في مواجهة الأزمة المناخيّة

سنصل إلى مرحلة لن يكون ضخّ الأموال أو بناء البنية التحتيّة حلًّا مناسبًا، وسيتعيّن علينا اتخاذ قرارات بشأن ما نريد الحفاظ عليه، وما الذي نرغب في التخلّي عنه، وما هو ضروريّ بالنسبة لنا، وما الذي نحتفظ به؟ هذا خيار اجتماعيّ

الدور المحوريّ للعلوم الاجتماعيّة في مواجهة الأزمة المناخيّة

صوماليّون فرّوا من مناطق منكوبة بالجفاف ("أ ب")

في ما يلي ترجمة بتصرّف، خاصّة بموقع "عرب 48" لمقالة ريبيكا ليبر، الصحافية التي تُعنى بشؤون المناخ وتغيّره، والتي كانت مراسلة للشؤون البيئية في عدة وسائل إعلام دولية.

ترجمة: أنس سمحان.


يتحدث أحد مؤلفي تقرير الأمم المتحدة، عن المفاتيح التي تملكها العلوم الاجتماعية لأكبر التحديات المناخية.

تُظهِر النسخة الأخيرة من تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، التابعة للأمم المتحدة، في ما يقرب من 3,700 صفحة، آثار تغير المناخ الحالية. هناك ما لا يقلّ عن 3.3 مليار شخص، معرَّضون اليوم بشدّة، لتأثيرات المناخ مثل الحرارة المرتفعة، ونُدرة الغذاء، والجفاف، وزيادة معدلات المرض والوفاة، وستزداد المخاطر على البشر والطبيعة سوءًا، كلّما طال انتظار الحكومات والشركات لخفض الانبعاثات الكربونيّة، وتنفيذ تدابير التكيّف اللّازمة.

يتشكّل ضعف الفرد أو المجتمع من خلال جميع أنواع الثروة والسياسة والهوية وديناميكيّات النوع الاجتماعيّ، وعادةً ما تفشل العلوم الجامدة[1] والنّمْذَجة المناخيّة التقليديّة، عندما يتعلّق الأمر بدمج هذه العوامل، والآن في دورة التقرير السادسة، تتضمن مجموعة العمل الثانية التابعة للهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ (IPCC)، المزيد من الأبحاث الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي تعمل بحنكة على تغيير تركيز جزء كبير من التقرير لأول مرة، وتناقش الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ، "الاستعمار" بوصفهِ سببًا جذريًّا لعدم استقرار المناخ، وممّا لا لُبس فيه، أنّ غياب المساواة يزيد من مخاطر المناخ.

(Getty Images)

يقول إدوارد كار، الجغرافي الأميركيّ بجامعة كلارك، إنّ هذه التغييرات تعكس مدى انتشار البحث النوعيّ، منذ أن نظرت الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ، في التكيّف مع المناخ آخر مرة في عام 2014. كان كار المؤلف الرئيسيّ للفصل 18 من التقرير، والذي يفحص الأبعاد الاجتماعيّة والسياسيّة للاستجابة لتغيّر المناخ.

تنقَّل كار لتنفيذ أعماله خارج الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ، هو ومختبره الدوليّ للتنمية إلى بلدان في إفريقيا جنوب الصحراء، للإبلاغ عن كيفيّة تأثير تغيّر المناخ على المزارعين، وكيف يؤثّر النوع الاجتماعيّ على مخاطر المناخ، بالاعتماد على المقابلات والمراقبة المباشرة لتجارب الناس.

تسبّب تغيّر المناخ باشتعال عشرات آلاف الحرائق في العالم ("أ ب")

أوضح كار في مقابلة له مع موقع "Vox"، كيفيّة استناد التقرير الجديد على المعرفة المحليّة ومعارف السكان الأصليين، جنبًا إلى جنب مع البحوث الأنثروبولوجيّة، وأشكال أخرى من العلوم الاجتماعيّة؛ لإظهار أن الطريقة التي نتكيّف بها مع تغيّر المناخ، لا يمكن أن تكون ذات حجم واحد يناسب الجميع. وقُد حُرِّرت هذه المقالة على سبيل الاختصار والوضوح.

بصفتك عالمًا أنثروبولوجيًّا ومؤلّفًا في الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ، ما فجوات عِلم المناخ التي يحاول مجال بحثك معالجتها؟

كار: سنصل إلى مرحلة لن يكون ضخّ الأموال أو بناء البنية التحتيّة حلًّا مناسبًا، وسيتعيّن علينا اتخاذ قرارات بشأن ما نريد الحفاظ عليه، وما الذي نرغب في التخلّي عنه، وما هو ضروريّ بالنسبة لنا، وما الذي نحتفظ به؟ هذا خيار اجتماعيّ وسياسيّ. تصير أنظمتنا السياسيّة، والطريقة التي نتفاعل بها مع بعضنا البعض، والطريقة التي نحدّد بها المشاكل والحلول، محوريّة لكيفيّة عملنا في مواجهة تغيّر المناخ.

لا يمكننا أن نقول للناس "ها هي التحولات التي يجب أن تحدث"، فهذا يعتمد حقًّا على مَن أوجِّه حديثي لهم، وأين يعيشون، وما يجري من حولهم. يُركّز عملي، على سبيل المثال، خارج الفريق الحكوميّ الدوليّ المعنيّ بتغيّر المناخ، على المستويات البين-أُسَريّة، مدرِكًا أن تأثيرات تغيّر المناخ تؤثّر وتتحرّك بشكل مختلف بين الرجال والنساء في المنزل نفسه، في بعض أجزاء من إفريقيا جنوب الصحراء بالتأكيد، حتى داخل المجتمعات الصغيرة.

هذا المستوى من التفصيل مهم للغاية لنتائجنا، لأنه يساعدنا على فهم الأشخاص المتأثّرين، وما هي أنواع الحلول المطلوبة للأشخاص المختلفين، ومن سيستفيد من أنواع الحلول التي نضعها في مكانها الصحيح.

يشير الفصل الذي كنت مؤلّفًا رئيسًا فيه إلى الحاجة إلى مزيد من الوصول إلى التنبّؤات بالطقس والمناخ للمزارعين؛ هل الأمر كذلك فعلًا؟

كار: لا يمكنك التحدّث عن مستخدمي معلومات الطقس والمناخ كأنهم كتلة متجانسة. عليك في الواقع أن تفهم وجود مستخدمين مختلفين. ربما يكونون من الرجال والنساء، وربّما الأثرياء والفقراء، وربّما يكونون مزيجًا من تلك الهويّات المختلفة، وهذا الهامّ حقًّا.

قد تعتقد أن إعطاء الناس تنبّؤات موسميّة من شأنه أن يساعد الجميع، لكنّ التّوقّعات الموسميّة تميل إلى التحدّث عن محاصيل معيّنة، وليس عن جميع المحاصيل. إذن من الذي تساعده بالفعل عندما تقدّم هذه التّوقّعات؟

(Getty Images)

توجد في منطقة الساحل في غرب إفريقيا توقّعات موسميّة للمحاصيل البعليّة. هذا هو عادة إنتاج الرجال، إذ أنّ النساء هنّ من يزرعن المحاصيل المرويّة في الأراضي، وبعبارة أخرى، فإنهنّ يحفرن الآبار العميقة ويسقين المحاصيل يدويًّا. يمكنك تحسين التّوقّعات الموسميّة على الدوام، لكنّ عملك لن يساعد بالضرورة إنتاج النساء على الإطلاق. أنت فقط تعزِّز إنتاج الرجال، بالنظر إلى أن الرجال يميلون إلى أن يكونوا مسؤولين عن الأُسَر، فهذا أيضًا ليس طريقًا نحو تمكين النوع الاجتماعيّ، وهو ما نعلم أنه أداة حاسمة لتحقيق أهداف التنمية.

تأتي كثيرًا على ذِكر الزراعة في هذا التقرير الذي يقول أساسًا إنّ تغيّر المناخ سيزيد من انعدام الأمن الغذائيّ، بسبب أشياء مثل تحمُّض المحيطات وزيادة ملوحة المياه، وارتفاع معدّلات الجفاف؛ كيف تؤثّر الثّروة وعدم المساواة في هذه التحديات؟

كار: الزراعة الذكيّة مناخيًّا هي موضوع يظهر كثيرًا في هذا التقرير. كيف ستتكيّف الزراعة؟ يقترح بعض الناس تكنولوجيا البذور، على سبيل المثال: غالبًا ما يقوم الرجال والنساء أو الأعراق المختلفة أو الأشخاص المختلفون داخل المجتمع، بزراعة أنواع مختلفة من المنتَجات. إذن ما البذور التي يتمّ توفيرها للناس؟ وكيف تتناسب هذه البذور الجديدة مع الأنظمة الأكبر التي يعيش فيها الناس؟ لأن البذور المُهندَسَة/ المُعدَّلة جينيًّا، تحتاج في كثير من الأحيان، إلى الكثير من المدخلات المختلفة (أسمدة وأدوية): هل هذه المدخلات متاحة؟ من يستطيع تحمّل تكاليفها؟ هذا هو المكان الذي تنطلق منه الثروة غالبًا.

(Getty Images)

يمكنك جعل البذور متاحة على نطاق واسع، ولكن إذا تطلّب الأمر الأسمدة والمبيدات الحشريّة التي لا يستطيع الناس الوصول إليها، فقد أفدْتَ أنت بشكل مختلف، مجموعةً من الأثرياء، وربّما لم تفعل أيّ شيء للناس الأكثر فقرًا.

تحذِّر الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ من "سوء التكيّف" مع مساحات أخرى، والذي يعني الطرق التي نتكيّف بها مع تغيّر المناخ، بما يجعل المشاكل في الواقع أسوأ. أعطِني مثالًا على سوء التكيّف

كار: أحد الأمثلة الواضحة في سياق أميركا الشماليّة تمثّل في بناء الجدران البحريّة. يمكنك حماية من يقف خلف الجدار البحريّ مباشرة، ولكنك على النقيض من ذلك، تزيح المشكلة إلى كلّ شخص آخر لا يملك جدارًا بحريًّا.

سكّان باكستانيّون يشقّون طريقهم بالطوافات بسبب سيول (Getty Images)

يشير فصل آخر من التقرير إلى طالب سابق لي من غانا، وهو كوامي أوسو-داكو، والذي كان يبحث في أنظمة الدفاع البحريّة التي كانت غانا تنشرها، وقد نجحت الدولة في حماية مناطقها من تآكُل الشواطئ. تمظهرت المشكلة في أنّ هذه المنطقة صارت ذات قيمة كبيرة وقابلة للتطوير المحتَمَل للسيّاح، وأدت إلى نزوح مجتمع محليّ لأن الشاطئ صار الآن آمنًا. جاء الناس واشتروا الأرض من دون علم السكّان المحليين. كسب المستثمرون الخارجيّون صفقة عظيمة، إلا أن أهل المنطقة وجدوا أنفسهم فجأة بدون أرضهم التي كانوا يعيشون عليها.

ما المجالات التي يجب أن تتناولها أبحاث العلوم الاجتماعيّة بعد ذلك؟

كار: كل المجالات الدقيقة والصغيرة... ما زلنا غير بارعين في معرفة، على سبيل المثال، القيمة الجندريّة لمعلومات الطقس والمناخ في أماكن مختلفة من العالم، ناهيك عن جميع أنواع التمايز الاجتماعيّ الأخرى التي نتعامل معها.

("أ ب")

يقول التقرير إننا بحاجة إلى التحسّن كثيرًا في المراقبة والتقييم والتعرّف على ما يصلح في التكيّف وما لا يصلح. لقد أحسنّا صُنعًا في مراقبة الأماكن التي أنفقنا عليها الأموال، وأمضينا وقتًا أقلّ بكثير في النظر إلى تأثير ذلك، لأنّه من الصعب جدًّا تنفيذه.

أتوقّع أننا سنشهد قبل تقرير التقييم التالي، انفجارًا حقيقيًّا للعمل في هذا المجال.

ما الذي تود أن يأخذه الجمهور من هذا التقرير، باختصار شديد؟

كار: لقد انتظرنا طويلا للعمل المناخيّ. وفي هذه المرحلة، إنّ الوصول إلى مستقبل مرن للمناخ حيث يمكننا تعظيم الفُرَص والسلامة والصحة ورفاهيّة أكبر عدد ممكن من الناس، لن يحدث من خلال خطوات تدريجيّة. انتهت هذه المسارات في هذه المرحلة. نحن نبحث عن تغييرات تحويليّة لكيفيّة عيشنا في العالم.

("أ ب")

الخيار المطروح: هل نتحوّل ونتّخذ خيارات محدّدة حول كيفيّة حدوث الأمر؟ أم ننتظر أن يتمّ تحويلنا بفعل عالم يتغيّر بسبب أفعالنا الماضية؟ لا يمكنني التأكيد على مدى أهميّة هذا التمييز، لأنّ هذا هو ما نواجهه، ولكن كلّما طال انتظارنا، قلَّت الخيارات التحويليّة المُتاحة، وسرعان ما سنتّخذ قرارات أسوأ، وستكون أعلى تكلفة وأقلّ فعاليّة.

ما زلنا بحاجة للعمل هنا بشكل عاجل. الخبر السارّ هو وفرة الخيارات، لكن من الواضح تمامًا من الأدبيّات في هذه المرحلة، أن التغيير التدريجيّ لن ينجح.

(Getty Images)

[1] أو العلوم الصعبة أو العلوم الطبيعية مثل الفيزياء والكيمياء والرياضيات.

التعليقات