15/02/2023 - 14:20

ما هو الذكاء الاصطناعي التوليدي ولماذا انتشر فجأة في كل مكان؟

ها نحن نواجه هذه الأسئلة ونحن في بداية العمل على هذه التقنية، وبالتالي سيكون من الصعب علينا فهم حدود مقدرتها أو كيفية تأثيرها على حياتنا، وهو ما نحاول الإجابة عليه في هذه المقالة

ما هو الذكاء الاصطناعي التوليدي ولماذا انتشر فجأة في كل مكان؟

(Getty)

انتشر الذكاء الاصطناعي في كافة أرجاء الإنترنت، أو أن هذا ما يتبدى لي على الأقل! أخبرني صديق قبل أيامٌ بأن أستاذ القانون في جامعته قد حذَّر الطلاب من الغش باستخدام الذكاء الاصطناعي خلال الامتحانات القادمة. ولا يخفى على أي منا حجم الصور الغريبة التي ولدتها برامج الذكاء الاصطناعي لصور الناس الشخصية باستخدام ميزة Magic Avatar من تطبيق تعديل الصور Lensa AI، والتي ملأت مواقع التواصل الاجتماعي. وقد عملت أن أحد مُستخدمي تويتر قد استخدم برنامج الدردشة الآلي الجديد تشات جي بي تي ChatGPT لتقليد بعض مما قلته في پودكاست حديث (كان الپودكاست عن تشات جي بي تي على سبيل المصادفة)، ونشره عبر الإنترنت.

مرحبًا بكم في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث صار بإمكان أي شخص إنشاء رسومٍ ونصوص جديدة ومُبتكرة عبر إرسال بعض الإرشادات إلى برنامج كومبيوتر، وصار بالإمكان الآن الوصول إلى العديد من نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، بما في ذلك تشات جي بي تي ومولد الصور المسمى ستيبل ديفوجن Stable Diffusion، عبر الإنترنت مجانًا أو مقابل اشتراك منخفض التكلفة، مما يعني أنه يمكن للأشخاص في جميع أنحاء العالم القيام بكل شيء بدءًا من تجميع كتبٍ للأطفال أو إنتاج كودٍ برمجي حاسوبي ببضع نقرات. هذه التقنية مثيرة للإعجاب، ويمكن أن تقترب كثيرًا من أسلوب كتابة ورسم الإنسان. لا تصدقني؟ إليك بقصة قصيرة اسمها «حافلة المدرسة السحرية» والتي كتبها تشات جي بي تي عن رحلة السيدة فريزل المدرسية إلى مهرجان فاير، وفيما يلي رسمٌ طلبتُه من تطبيق ستيبل ديفوجن حول عائلة تحتفل بعيد الحانوكة على القمر.

لا تكون النتائج التوليدية للذكاء الاصطناعي مثالية على الدَّوام، فنحن لا نتعامل مع ذكاء اصطناعي فائق القوة، على الأقل في الوقت الحالي، وهذا يعني أنه ما يبدعه هذا الذكاء في بعض الأحيان يكون معيبًا أو فظ أو بدون معنى. ولو قررت أن تحتفل بالحانوكة على القمر، فلن تضع زينة عيد الميلاد (الكريسماس) على سطح القمر، ولربما تجد قصص حافلة المدرس السحرية الأصلية أكثر إمتاعًا من القصص التي يكتبها تشات جي بي تي. بيد أن هذا لا ينفي أن ما ينتجه الذكاء الاصطناعي حاليا ومع قيوده المفروضة عليه، يُساهم في أتمتة بعض المهام التي يقوم بها البشر عادة مثل كتابة رسائل البريد الإلكتروني أو صياغة العقود القانونية البسيطة، ولربما يؤدي أيضًا في إلغاء بعض الوظائف الروتينية. تقدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الكثير من الفرص للبشر، وما يصاحبها من تحديات جديدة معقدة، فهو وإن جعل كتابة رسائل البريد الإلكتروني أسهل بكثير، إلا أنه صعَّب من مهمة الكشف عن الطلاب الغشاشين.

ها نحن نواجه هذه الأسئلة ونحن في بداية العمل على هذه التقنية، وبالتالي سيكون من الصعب علينا فهم حدود مقدرتها أو كيفية تأثيرها على حياتنا، وهو ما نحاول الإجابة عليه في هذه المقالة.

كيف يعمل الذكاء الاصطناعي؟

(Getty)

صُمِّم، نظام الذكاء الاصطناعي التوليدي، ببساطة شديدة، لإنتاج أمرٍ/ شيءٍ جديد بناءً على تدريب سابق على هذه المهمة، ويحصل الأمر عبر ما يُعرف بـ «تعلم الآلة Machine Learning»، والتي تتضمن تعليم الذكاء الاصطناعي أداء المهام من خلال تعريضه للكثير من البيانات، والتي «يتدرب» عليها ويتعلم في النهاية تقليدها. وقد دُرِّب تشات جي بي تي، مثلًا، على كمية هائلة من النصوص المتوفرة على الإنترنت، جنبًا إلى جنب مع النصوص الحوارية ليتكمن من تقليد المحادثات البشرية. أما ستيبل ديفوجن فهو برنامج إنشاء صورٍ صممته الشركة الناشئة Stability.AI لإنتاج الصور بناءً على تعليمات نصية، وقد دُرِّبَ عبر تغذية الذكاء الاصطناعي بالصور والتعليقات التوضيحية Captions المُصاحبة لها، والتي سُحبت من شبكة الإنترنت، مما سمح للذكاء الاصطناعي بمعرفة ما يجب أن «يوضحه» في رسومه التوضيحية بناءً على الأوامر اللغوية التي يتلقاها.

تختلف الأساليب المستخدمة في بناء نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، ولكنها تحاول جميعها في نهاية المطاف إعادة إنتاج السلوك البشري وتقديم محتوى جديد يعتمد على المحتوى الذي أنشأه البشر مُسبقاً، ويشبه ذلك بعض الميزات الذكية في هاتف الآيفون عند إرسال الرسائل النصية (توقع الكلمات) أو عند كتابة رسائل البريد الإلكتروني، ويوضح في هذا الإطار ڤينسينت كونيتسر، أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة كارنيجي ميلون، بأن الذكاء الاصطناعي «يتعلم اكتشاف الأنماط في هذا المحتوى، والذي بدوره يسمح له بإنشاء محتوى مشابه ولكن متميز».

تعتبر هذه الطريق الأمثال في بناء برامج الذكاء الاصطناعي، إلا أنها تواجه عيوبًا حقيقية وخطيرة، وعلى سبيل المثال، أنشأت شركة ميتا ذكاء اصطناعيا اسمه گالاكيتكا Galactica للمساعدة في كتابة الأوراق البحثية إلى أن أشار إلى الاتحاد السوفياتي كان أول من وضع دُبّا في الفضاء، إلى جانب عددٍ آخر من الأكاذيب والأخطاء الأخرى (اضطرت الشركة إلى سحب النظام وإطفائه في نوفمبر/تشرين الثاني، أي بعد أيام قليلة من تشغيله). كما تُظهر ميزة Magic Avatar في برنامج Lensa AI لتوليد صور الشخصية باستخدام الذكاء الاصطناعي الأشخاصَ أحياناً بأطراف إضافية، وتبين أن لدى التطبيق ميل لتصوير النساء بدون أي ملابس.

من السهل العثور على تحيزات وصور نمطية أخرى مدمجة في هذه التكنولوجيا أيضًا، فعندما طلب صحفي يعمل في صحيفة The Intercept من تشات جي بي تي أن يقدم له نظام فحص للمسافرين في شركات الطيران، فاقترح عليه البرنامج درجات مخاطر أعلى المسافرين من بعض الدول أو الذين زاروا بعض الدول مثل سوريا وأفغانستان، من بين بلاد أخرى. كما يُكرس تطبيق ستيبل ديفوجن إنتاج صور نمطية وعنصرية وجندرية مصل تصوير العاملين في الإطفاء على أنهم رجال بيض فقط، ولا تعد المشاكل من هذا النوع جديدة في عالم الذكاء الاصطناعي، حيث كتب أبيبا بريهاني وديبورا راجي مؤخرا في موقع The Wired «يتأذى الناس من الأساليب العملية التي تفشل فيها نماذجهم في وتعود هذه الإخفاقات إلى مصممي هذه البرامج، وعلى القرارات التي اتخذوها، ويجب أن نحملهم مسؤولية اتخاذها».

من الذي يصنع هذا الذكاء الاصطناعي ولماذا؟

(Getty)

الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس مجانيا لطيبة في قلوب شركات التكنولوجيا، وإنما لرغبة هذه الشركات في تحسين نماذجها وتقنياتها، والأشخاص الذين يستخدمون هذه الإصدارات التجريبية يمنحون هذه الشركات المزيد من البيانات لتدريب آلاتهم. قد يكون تشغيل أنظمة الحوسبة لبناء نماذج ذكاء اصطناعي مكلفًا للغاية، وبينما لا تكون الشركات صريحة دائمًا بشأن نفقاتها الخاصة، يمكن أن تصل التكاليف إلى عشرات الملايين من الدولارات. يريد مطورو الذكاء الاصطناعي في نهاية المطاف بيع تقنياتهم وترخيصها لتحقيق الربح.

هناك بالفعل تلميحات حول الشكل الذي يمكن أن تبدو عليه صناعة الذكاء الاصطناعي التوليدية الجديدة. تعمل شركة Open AI، الشركة التي طوره أنظمة DALL-E وتشات جي بي تي، في إطار نموذج مُحدد للربح وتخطط للوصول إلى مليار دولار من الإيرادات بحلول عام 2024 من خلال بيع إمكانية الوصول إلى تقنياتها (يمكن للمطورين الخارجيين بالفعل الدفع مقابل استخدام بعض تقنيات OpenAI في تطبيقاتهم). بدأت مايكروسوفت Microsoft في استخدام النظام للمساعدة في بعض جوانب برمجة الكمبيوتر في تطبيق تطوير برمجياتها. يطمح مطورو تطبيق ستيبل ديفوجن إلى إنشاء إصدارات متخصصة من تقنيتهم لبيعها للشركات الفردية، وجمعت الشركة الناشئة أكثر من 100 مليون دولار في أكتوبر الماضي.

يعتقد البعض أن تشات جي بي تي قد يحل محل في مرحلة ما محرك بحث غوغل، وهي الشركة التي تدير أكبر شركات الإعلانات الرقمية في العالم. يعتبر تشات جي بي تي جيدًا في بعض الجوانب الأساسية للبرمجة، ويمكن للتقنيات المشابهة أن تخفض التكاليف الإجمالية لتطوير البرامج ومواقع الويب، ولدى شركة Open AI حاليًا برنامج تسعير لاستخدام DALL-E، ومن السهل تخيل كيف يمكن تحويل النظام إلى وسيلة لإنشاء الإعلانات والمرئيات والرسومات الأخرى بتكلفة منخفضة نسبيًا.

هل هذه نهاية التكاليف المدرسية والجماعية؟

(Getty)

تُستخدم برامج الذكاء الاصطناعي في واحد من أوضح المهام: التكاليف المدرسية/الجماعية المنزلية، وخاصة في كتابة المقالات وحل الامتحانات عبر الإنترنت. لن تُصحح التكليفات التي يكتبها الذكاء الاصطناعي على درجة مُمتازة بالضرورة، ولكن كثيرًا من المدرسين يتفقون أن ما يكتبه تشات جي بي تي يستحق درجة الجيد جداً بالحد الأدنى. تتسابق الآن الشركات والمطورون لإنشاء تطبيقات تكشف استخدام برامج الذكاء الاصطناعي، في حين أن برنامج السرقة الأدبية الشهير Turnitin لا يكتشف هذا النوع من الغش.

دفع وصول هذه التقنية البعض إلى إعلان نهاية تعليم اللغة الإنجليزية في المدارس الثانوية، وحتى نهاية الواجبات المنزلية نفسها، وفي حين توجد مبالغات في هذا الموضوع، فمن المحتمل إلى وجود حلول جديدة لتقديم الواجبات والتكاليف المنزلية، وقد يعكس بعض المعلمين مسار استخدام التكنولوجيا في الفصل الدراسي، وأن يعودوا إلى الاختبارات الورقية. قد يلجأ المربّون الآخرون إلى قفل المتصفحات، مما قد يمنع الأشخاص من زيارة مواقع الويب في أثناء الاختبارات التي تعتمد على الكمبيوتر. قد يصبح استخدام الذكاء الاصطناعي نفسه جزءًا من المهمة، وهي فكرة يستكشفها بعض المعلمين بالفعل. قال فيليپ داوسون، المدير المساعد لمركز الأبحاث في التقييم والتعلم الرقمي، لمجلة ريكود Recode في ديسمبر: «إن الموظفين المُحترفين، الذين يطمح طلابنا ليكونوا في مكانهم مستقبلا، يستخدمون هذه الأدوات! لا مكننا حظرها، ولا ينبغي لنا حظرها».

هل سيحل الذكاء الاصطناعي محلّي؟

(Getty)

من الصعب التنبؤ بالوظائف التي ستختفي أو ستبقى بسبب الذكاء الاصطناعي التوليدي، ودليل ذلك ما قاله گريگ بروكمان، أحد مؤسسي OpenAI، في تغريدة خلال شهر ديسمبر موضحًا أن تشات جي بي تي «ليس جاهزًا بعد للاعتماد عليه في أي أمرٍ مهم»، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن بإمكان التطبيق تنفيذ كل الأمور والمهام التي تحتاج الشركات للبشر في تنفيذها، فحتى لو لم يُستغن عن وظيفتك الآن، فإن تشات جي بي تي قد يغيرها تمامًا.

ولنأخذ الصحافة على سبيل المثال: يمكن لـ تشات جي بي تي كتابة تدوينة مقنعة سلسة للغاية. قد لا تكون هذه التدوينة دقيقة بالشكل المطلوب، وهذا سبب الخوف في استغلال التطبيق لإنتاج أخبار زائفة سريعة، إلا أن هذا يعد بداية لعمل هذه التطبيقات في الكتابة، والمُساعدة في استخراج الأفكار الأساسية للمقالات، بل وحتى في كتابة رسائل إلى المصادر الإخبارية. وتجدر الإشارة إلى أن التطبيق قادر على اجتياز اختبار برمجة جامعي، ومستواه جيد في الكتابة عن المفاهيم القانونية. وذكر محرر الصور في مجلة نيويورك أنه في حين لا يفهم DALL-E سُبل توليد رسومًا توضيحية مفاهيمية مُعقدة أو مفاهيمية سياسية، إلا أنه مفيد مع تكرار الأوامر وتحفيزه بصياغات مُختلفة وتعليمات واضحة.

توجد قيودُ حالية على ما يمكن لتشات جي بي تي القيام بهِ، إلا أنه قدرته على أتمتة بعض المهام البسيطة مثل كتابة أسطر برمجية أساسية أو تحرير النصوص قد تغير طريقة عمل الناس جذريًا، وأن يقلل كذلك من عدد الموظفين المطلوبين للقيام بالمهام في مجالات مُعينة، حيث وكما أشار كونيتسر، أستاذ علوم الكمبيوتر، إلى تأثير خدمات مثل Google Flights على وكالات السفر: "لا تقدم مواقع السفر عبر الإنترنت حتى اليوم الخدمات الكاملة لوكيل السفر البشري، ولهذا ما يزال وكلاء السفر يعملون بأعداد أكبر مما يتوقعه الكثير من الناس، لكن الواضح أن أعدادهم قد انخفضت؛ لأن الحل البديل المتمثل في حجز الرحلات الجوية وأماكن الإقامة على الإنترنت يعتبر مريحا في كثير من الحالات.

هل عليّ أن أقلق؟

(Getty)

ينتشر الذكاء الاصطناعي التوليدي بسرعة، وتهدف الشركات إلى بيع هذه التكنولوجيا في أقرب وقت ممكن، وما تزال الجهات القانونية، في الوقت نفسهِ تسعى إلى كبح جماح هذه التكنولوجيا، إذا وجدوا سببًا مقنعًا لذلك، ويتعلمون آلية عملها. لا توجد إجابة مريحة. أمام الذكاء الاصطناعي الفرصة لتغيير الطريقة التي نعيش بها حياتنا مثله مثل باقي الاختراعات التكنولوجية الأخرى (الحواسيب والهواتف الذكية والسيارات ومكيفات الهواء)، ولكنه على الجانب الآخر قد يخلق معضلات ومقايضات مُعقدة. أدت المكيفات مثلا إلى جعل أكثر الأيام سخونة في العام مُحتملة، إلا أنها تؤدي إلى تفاقم مشكلة تغير المناخ في العالم. وفي الوقت الذي قرَّبت فيه السيارة المسافات الطويلة دون الحاجة إلى القطر أو إلى عربة تجرها الخيول، إلا أن حوادث السيارات تقتل الآن عشرات الآلاف، على الأقل في الولايات المتحدة، كل عام.

ويمكن أن يكون للقرارات التي نتخذها بشأن الذكاء الاصطناعي الآن تأثيرات مضاعفة. يُبت الآن في القضايا القانونية حول من يستحق الربح والفضل، وأيضًا المسؤولية - للأعمال التي يُنجزها الذكاء الاصطناعي، كما يمكن للقرارات نفسها أن تُحدد من يستفيد من هذه التكنولوجيا في السنوات القادمة. ستحدد المدارس والمعلمون ما إذا كانوا يريدون دمج الذكاء الاصطناعي في مناهجهم الدراسية، أو التخلص منه كشكل من أشكال الغش، مما سيؤثر حتمًا على كيفية ارتباط الأطفال بهذه التكنولوجيا في حياتهم المهنية. يمكن للتوسع السريع لمولدات صور الذكاء الاصطناعي أن تركز على الأشكال الفنية الأوروبية على حساب التقاليد الفنية الأخرى، التي لا تمثلها التكنولوجيا تمثيلًا حقيقيًا.

في حالة أو بعدما يصير الذكاء الاصطناعي سائدًا، فقد يكون مستعصيًا التعامل معه، وحينها سيكون أكبر تهديد لهذه التكنولوجيا على العالم أنه ستغيره قبل أن تتاح لنا فرصة فهمها.

التعليقات