19/09/2023 - 16:40

السعودية والرياضة: مقامرة إستراتيجية لأهداف اقتصادية وسياسية واجتماعية

يتعامل محمد بن سلمان ومسؤولوه على وجه التحديد مع مصالح ومطالب المستهلكين الشباب في المملكة العربية السعودية كوسيلة لتجنب السخط بينهم من خلال التركيز على الترويج للرياضة والترفيه والتسلية

السعودية والرياضة: مقامرة إستراتيجية لأهداف اقتصادية وسياسية واجتماعية

(Getty)

قد يجادلنا كبار الملاكمين حول القيمة الرياضية للقتال بين نجم تلفزيون الواقع ونجم يوتيوب السابق (اشتهر بالمقالب)، وقد كانت القيمة التجارية للحدث الضخم في فبراير 2023 واضحة لكل من المتسابقين (تشارك تومي فيوري وجيك بول جائزة تزيد قيمتها عن 13 مليون دولار أمريكي، وكانت المملكة العربية السعودية هي الدولة المنظمة لهذا الحدث.

في حين أن استضافة قطر لكأس العالم لكرة القدم استحوذت على اهتمام العالم في عام 2022، فإن جارتها الأكبر والأكثر قدرة على إحداث جلبة عالمية تموضع نفسها الآن في خطط رياضية أكبر. ومن المتوقع أن تقدم المملكة عرضًا مشتركًا لاستضافة كأس العالم لكرة القدم للرجال 2030، وهي في حاجة ماسة إلى زيادة حضورها في الرياضة الدولية. وقد نجحت حتى الآن في عدد من جهودها، حيث اختيرت المملكة لاستضافة كأس العالم للأندية هذا العام، وستنظم كأس آسيا في عام 2027. ووقعت هيئة السياحة في البلاد صفقة لرعاية كأس العالم لكرة القدم للسيدات هذا العام في أستراليا.

(Getty)

كما استحوذت المملكة (عبر صندوق الثروة السيادي للبلاد) على نادي نيوكاسل يونايتد، وتشير الأخبار أنها كانت مهتمة بالمنافسة على امتلاك فريقي مانشستر يونايتد وليفربول. يلعب أحد أشهر نجوم كرة القدم، كريستيانو رونالدو، حاليًا لصالح نادي النصر السعودي، حيث يقال إنه يكسب حوالي 500 ألف جنيه إسترليني يوميًا.

وبعيدًا عن كرة القدم، انتشرت عدد من الشائعات عن رغبة السعودية في شراء الفورمولا 1، فضلًا عن اهتمامها بالمصارعة وسباقات الدراجات والغولف. حجم الاستثمار السعودي واضح. وعلينا أن نتذكر أن هذا الإنفاق الباهظ ليس على سبيل السخاء أو الاستعراض، بل ضمن إستراتيجية بُنيت استجابة للتحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الملحة في المملكة.

يدرك ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، أهمية نشر الرياضة بوصفها أداة سياسية لتأمين مستقبل الدولة الخليجية على المدى الطويل. فبينما تمتلك المملكة ثروة هائلة تحت تصرفها (يمتلك صندوق ثروتها أصولًا تزيد قيمتها عن 600 مليار دولار أميركي، فإن معظمها قادم من النفط والغاز. وبينما يسعى العالم جاهدًا للابتعاد عن الوقود الكربوني ، يجد الاقتصاد السعودي نفسه شديد التخصص ومعرضًا للمخاطر.

الاستثمار في الرياضة في الخارج هو أحد طرق معالجة هذا الضعف، وتنويع الاقتصاد. لكن حجم الإنفاق المحلي للمملكة العربية السعودية على الرياضة هو ما يميزها، كما يتضح من مشروع بناء القدية ، وهو مشروع رياضي وترفيهي ضخم مصمم لجذب الاستثمار الداخلي والسياح الأجانب.

(Getty)

تعد عملية التحول والتنويع في مصادر الاقتصاد سياسية بالمقام الأول. تضع الحكومة السعودية في اعتبارها الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في العالم العربي في عامي 2010 و2011، ولأن 70% من سكانها تقل أعمارهم عن 35 عامًا، فإن لديهم خوفاً ملموساً وحقيقياً من الحراكات الاجتماعية.

يتعامل محمد بن سلمان ومسؤولوه على وجه التحديد مع مصالح ومطالب المستهلكين الشباب في المملكة العربية السعودية كوسيلة لتجنب السخط بينهم من خلال التركيز على الترويج للرياضة والترفيه والتسلية. وتسعى المملكة من خلال ملكية Newcastle United وشراء حصة في فريق McLaren F1، إلى زيادة الشرعية الدولية وإظهار القوة الناعمة وبناء العلاقات الدبلوماسية.

مستويات اللياقة

تعد قضايا الصحة العامة من الأمور المقلقة في المملكة العربية السعودية، خصوصًا مع ارتفاع مستويات السمنة والسكري وأمراض القلب. وتستخدم الرياضة، كما هو الحال مع العديد من البلدان الأخرى، لوصفها أداة سياساتية لتشجيع أسلوب حياة أكثر صحية.

إن استخدام الرياضة في جميع هذه القضايا، إلى جانب حجم الإنفاق الحكومي عليها، لا يخلو من الانتقاد بالطبع. فما يزال الأفراد الأكثر محافظة من السكان، على الصعيد المحلي، قلقين بشأن التغييرات التي تحصل، مثل السماح للمرأة بالمشاركة. ولاحظ آخرون كيف أن تأثير الدولة الكبير على النشاط الاقتصادي يخنق الإبداع والمشاريع والنمو العام.

تُتهم السعودية بانتظام على الصعيد الدولي باستخدام الرياضة كطريقة لتلميع صورتها، وللهرب من بواعث القلق المتعلقة بحقوق الإنسان، في محاولة لصرف الانتباه عن عمليات الإعدام المنتظمة والحرب في اليمن ومقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018. ويرى آخرون أنه وعلى الرغم من التحول المفترض في البلاد، فما تزال حقوق النساء محجوبة، وأن المعارضين يتعرضون للقمع.

ومع ذلك، يوجد حماس كبير داخل المملكة بشأن مكانة الدولة الناشئة كقوة رياضية عظمى، ويبدو من غير المرجح أن يبتعد محمد بن سلمان عن المسار الذي حدده لنفسه. القوة الشرائية الكبيرة للبلاد تجعل من المؤكد أن المملكة العربية السعودية ستصبح قريبًا واحدة من أكبر الفاعلين في الرياضة الدولية، مما يوجه ضربة قاضية للعديد من منتقدي المملكة.


نُشرت هذه المادّة في مجلّة "ذي كونفرزيشن".

التعليقات