20/08/2014 - 15:14

شلحت: الشعر كان جناح القاسم إلى الحياة...

"برأيي يكمن سرّ تجربته في أصولها. مهما تكن هذه الأصول فإن أبرزها متانة اللغة"

شلحت: الشعر كان جناح القاسم  إلى الحياة...

قال الباحث والكاتب أنطوان شلحت في أعقاب رحيل الشاعر الفلسطيني سميح القاسم إنه "يجب أن يمرّ بعض الوقت كي ننأى عن الحزن على رحيل سميح القاسم، وكي يُتاح لنا إمكان إخضاع مسيرته الشعرية إلى التقييم الذي يفيها حقّها".

وتابع شلحت في حديث لـ"عرب 48": "وأتخيّل أن قدراً كبيراً من هذا التقييم سيغوص على ما أنتجه منذ أن دهمه مرض سرطان الكبد قبل ثلاثة أعوام ففاجأه وأربكه بعض الشيء، لا لأنه قد يقرّب نهاية الحياة في الدنيا، وإنما لأن مكتبه كان ما زال عامراً بمشاريع غير مكتملة ويرغب بملء جوارحه في أن ينجزها، على حدّ تعبيره".

عرب 48: كشخص عرف الشاعر عن قرب، كيف تعامل مع المرض؟ وكيف أثر في نتاجه الأدبي والشعري؟

 شلحت: "أذكر أنه قال لي في سياق حوار خاطف أجريته معه لصحيفة «الحياة» بعد فترة وجيزة من وقوعه في براثن المرض، إن رد فعله الأوليّ على هذا الإرباك تمثل في محاولة إرباك هذا المرض الفتّاك، وعدم تمكينه من أن ينال منه بسهولة، قبل أن يُكمل ما يمكن إنجازه من تلك المشاريع. وانعكس هذا الإرباك ومحاولة الإرباك المضاد في نصوص شعرية جديدة كتبها بعد المرض، ومنها هذا المقطع: "أنا لا أحبّك يا موت/ لكني لا أخافك/ وأعلم أني تضيق عليّ ضفافك/ وأعلم أن سريرك جسمي/ وروحي لحافك/ أنا لا أحبّك يا موت/ لكني لا أخافك...".

ومنها نص آخر في مشاكسة المرض يقول في مطلعه: «اشرب فنجان القهوة يا مرض السرطان/ كي أقرأ بختك في الفنجان/ اشرب...».

وارتأيت أن أحصر مسيرته في الشعر لأنه يبقى الأهم، ولكون ما أنتجه في مضامير أخرى لم يبتعد عن الشعر إلا ليقترب منه.

لقد شكل الشعر جناح القاسم إلى الحياة، وحاول أن يجعله جناح شعبنا إلى الحياة.

عرب 48: بماذا تتميز تجربة القاسم أو ما سر تجرتبه؟

برأيي يكمن سرّ تجربته في أصولها.  مهما تكن هذه الأصول فإن أبرزها متانة اللغة، والتبحّر في التراث الشعري العربي، وإتقان العروض التي كان يعتبرها من أهم معايير كتابة الشعر وليست قيداً عليه. وظل يؤكد أن على الشاعر الحقّ أن يربط واقعه بتاريخه الماضي وتراثه القديم، وأن تكون له جذور عميقة وأرض صلبة يقف عليها. كما ظلّ يشدّد على أن عدم اهتمام الشعراء بدراسة تاريخ أمتهم وتراثهم الخالد يجعلهم بلا جذور، ويعتبر ضعف الثقافة الوطنية وضحالتها من الظواهر الخطرة في أدبنا، ما يحتّم العودة إلى تاريخنا كي نأخذ منه، ونشعر بعقلنا وإحساسنا بالجذور العميقة التي تشدّنا إلى التاريخ.

عرب 48: ما هو هاجس الشاعر الثقافي والأدبي؟ عدا عن اهتمامه الشديد بدراسة التاريخ والتراث، هل كان لديه قلق على مستقبل الشعر العربي؟

شلحت: نظراً إلى تزامن هذا الكلام مع رحيله، يحق لنا أن نجازف قليلاً بالحديث عن هاجس أخير أرّقـه.

وسأوجزه في هاجس معارضة الطرح الذي يقول إن زمان الشعر عند العرب قد ولّى وبدأ زمان الرواية. فلقد رأى في أحد آخر حواراته أن الرواية العربية لم تنجز حتى الآن ما أنجزته الرواية العالمية. وبحسب وجهة نظره ربما ينطبق هذا الطرح على الرواية في أميركا اللاتينية بعد رحيل فحول شعرائها، بفضل ما أبدعه روائيون كثيرون في مقدمهم غابرييل غارسيا ماركيز. بيد أن مثل هذا التطور لم يحدث في العالم العربي لأسباب كثيرة، في مقدمها أن الرواية ليست فناً أصيلاً في الثقافة العربية. وعلى رغم تقدّم الإبداع الروائي العربي في الآونة الأخيرة، وخصوصاً على يد الروائيات، ورغم وجود مجموعة كبيرة من الروائيين ذوي الموهبة المتميزة، إلا إن النتاجات الروائية العربية لم ترق إلى مستوى الشعر، ولم تطغ عليه. وما زال حضور الشعر متميزاً سواء في الوعي العربي، أو في أوساط الإنتلجنسيا والطلاب الجامعيين، أو على مستوى الدراسات الأكاديمية.

واعتبر كذلك أنه إذا كان بالإمكان القول إن الرواية أصبحت أقوى حضوراً من الشعر في أوروبا وأميركا، فإن الشعر ما زال هو سيد الموقف في الوطن العربي برمته، لا من منطلق كونه ديوان العرب، وإنما في ضوء ما تنبئ به الحقائق الميدانية في شأن قدرته الأخاذة على اجتذاب اهتمام الجماهير العريضة، وعلى مخاطبة وجدانها، وعلى أن يتحوّل إلى حالة ثقافية.

التعليقات